الملحمة القطرية

الملحمة القطرية

الملحمة في اللغة، كما ذكر، تعني حكاية بطولية تخبر عن حركة جماعات أو حركة الشعوب وحركة القبائل وغالباً ما تقص أحداثاً وقعت في بداية تاريخ شعب من الشعوب وهي نموذج إنساني يحتذى به، يفعل بحياته وسلوكه ما يمكن أن نطمح جميعاً إلى تحقيقه. ولقد احترت فيما أقول وفيما أكتب وأنا أحاول أن أسرد جزءا من الملحمة القطرية في هذا العمود من جريدة الشرق وذلك لسبب بسيط جداً وهو أن الشعب القطري يكتب كل يوم ملحمة جديدة في سيرة حياته. وكنت عاقد العزم على الكتابة بشكل موجز عن ثلاث ملاحم رئيسية في تاريخ دولة قطر وهي 1. تأسيس دولة قطر. 2. اكتشاف الهيدروكربون وتصنيعه. 3. استقلال دولة قطر. وبدأت أجمع المصادر والمراجع تمهيداً لكتابة هذه الملاحم. ولكن بمتابعة برامج احتفالات اليوم الوطني وخروج سمو الأمير المفدى عن البرنامج الدقيق الذي وضع لحركته في فقرة استعراض المسير الوطني على كورنيش الدوحة جعلني أبعد كل شيء وأركز على معاني هذه الملحمة الجديدة التي صنعها، بعفوية وتلقائية، سمو الأمير المفدى.

كان المخطط الدقيق الذي خطط له القائمون على برامج اليوم الوطني أنه في يوم 18/12/2012 وبالساعة 8 صباحاً يصل موكب سمو الأمير موقع استعراض المسير الوطني وبالساعة 10 صباحاً يغادر مكان الحفل. وسار البرنامج كما خطط له حتى نهاية المسير وبعد ذلك تقدمت السيارات وفتحت أبوابها تمهيداً لمغادرة سموه مكان الحفل. ولكنه بدلاً من التوجه للسيارة، وجدنا سموه حفظه الله يسير بثقة واطمئنان بين الجمهور في بادرة لم أشاهدها لدى أي زعيم عربي سوى الرئيس جمال عبدالناصر يرحمه الله إن شاء. في حين أننا تعودنا من الزعماء العرب أنهم يرون شعوبهم كأنهم مصابون بأمراض معدية خطيرة ولذلك يخافون من الاقتراب منهم. وفي نفس لحظة مسير سمو الأمير كنت على موقع تويتر فتذكرت مبعوث كسرى إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما شاهده نائماً على الأرض يغط في نوم عميق فقال قولته المشهورة "عدلت فأمنت فنمت يا عمر" فكتبت في الحال تغريدتي "عدلت فأمنت فسرت بثقة".

إن سمو الأمير المفدى، وكما شاهده العالم، لم يكتف بالسير أمام الجمهور الحاشد من المواطنين والمقيمين وتحيتهم من بعيد بل وجدناه يصافح العديد منهم رجالاً ونساءً ويقبل عدداً من الأطفال. إن هذه، بحسب رأيي، هي صفة من صفات القائد العادل المتواضع الذي لا يخاف من المواطنين والمقيمين، بكل طوائفهم ومللهم ومعتقداتهم واتجاهاتهم، بل يسير بينهم. والذي زاد من تلاحم هذا القائد مع شعبه هو قيام سموه بخلع البشت ليتشابه باللباس مع من حضر من المواطنين ليكون أقرب إلى شعبه الوفي.

إن قرار السير إلى الجمهور والتفاعل معه هو قرار اتخذه سموه بدون التنسيق مع التشريفات الأميرية أو الحرس الأميري أو أي جهاز أمني آخر. ولذلك وجدناهم في ربكة حقيقية، فهذا يجري، وهذا يفتح يديه أمام الجمهور، وآخر طارت عيناه من الخوف على سلامة الأمير، واكتفى سموه بابعادهم عن أمامه حتى لا يكون هناك أي حاجز بينه وبين شعبه. هذه أفعال أميرنا العادل المطمئن بحماية الله له ومن ثم حماية شعبه من المواطنين والمقيمين.

إن هذه الحركة المفاجئة والتلقائية من سموه قد أسكتت القنوات المدفوع لها من جهات نعلم البعض منها تدعي بالكثير من الأمور غير الصحيحة لخلق صورة مشوهة عن قطر عالمياً. وأسكتت الأقلام المأجورة التي تحاول النيل من قطر قيادة وشعباً. وأسكتت في الوقت نفسه تحذير بعض السفارات لمواطنيها بالابتعاد عن أماكن احتفالات اليوم الوطني لما قد يشكله ذلك من خطر حقيقي على حياتهم وأمنهم وسلامتهم كأننا في قطر نعيش في بعض الدول من إياهم. وأقول بكل فخر وثقة بأن سموه سار بثقة فاسكت المرتزقة. ونقول الحمد لله الذي جاء بسموه أميراً على قطر أو كما قال أحد المغردين في تويتر: حكمت شعبا ما يرضى الا بالقمة فكنت زعيما للامة. أو كما قال غيره: هذا يدل على التواضع الجم والمكنون من قائد فذ احترم شعبه ووضعوه تاجا على رؤوسهم.

وفي الختام فإننا نتقدم بالشكر الجزيل والتقدير الوافر لوزارة الداخلية والجهات الأمنية الأخرى التي بذلت الجهد الكبير في ضبط الكثير من المخالفين للقوانين والأعراف والتقاليد في اليوم الوطني. ونقول بفخر ان احتفالات اليوم الوطني لعام 2012 قد بدأت بقيام القائد الوالد حفظه الله بالمسير بين الجمهور وانتهت هذه الاحتفالات بمغادرة سموه مكان الحفل. وما حدث صباح يوم الثلاثاء 18/12/2012 يكون الجواب الحاسم لكل من يسأل القطريين: لماذا تحبون حمد بن خليفة؟.. بوركت من أمير.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع