لو ولدت سعودياً

لو ولدت سعودياً

وأنا أتصفح أحد المواقع الإلكترونية وقعت على خطاب السيد "لي كوان يو" أمام منتدى التنافسية العالمي الذي جرت فعالياته خلال يناير 2008 في العاصمة السعودية، الرياض، ولقد شد انتباهي قوله: لو ولدت سعودياً ما الذي سيزيد من أهميتي بالنسبة لدول العالم؟ حتماً إنه ليس رملي ولا جمالي بل إنه بترولي. وأضاف السيد يو مخاطباً المسؤولين السعوديين: أنتم في بلادكم لن تجدوا صعوبة في تطوير التعليم الذي ينقلكم إلى مراتب متقدمة من التطور، فبالنسبة لكم العالم القديم كان مكوناً من بدو وجمال ولكن الآن أمامكم خيارات عظيمة لتطوروا أسلوب حياتكم، وأمامكم الفرصة المواتية لأن تتساءلوا عن كيفية تطوير حياتكم واقتصادكم لكي تعيشوا حياة ذات مستويات مرتفعة للغاية بعد حقبة البترول. أريدكم أن تنشئوا صناعات تسمح لمواطنيكم بالاستثمار فيها، ولابد أن ترسلوا أبناءكم للعمل في الدول المتقدمة ثم العودة إلى تأسيس أعمال صناعية ومصارف إسلامية جديدة في بلدكم، فالمهم أن تتعلموا كيفية استثمار احتياطكم البترولي وكيفية إدارة مواردكم لتحقيق أكبر فائدة ممكنة.

والسيد يو للذين لا يعرفونه هو باني سنغافورة الحديثة والذي قاد مسيرتها نحو الاستقلال وترأس حكومتها لأكثر من ثلاثة عقود من عام 1959م إلى 1992م. ففي ظل قيادته، تحولت سنغافورة إلى أنشط ميناء بحري في العالم، وثالث أكبر موقع لتكرير البترول، ومركز عالمي رئيسي للصناعات التحويلية والخدمات وتضم أنجح شركة طيران في العالم، وأفضل مطار جوي، وأن تحتل المرتبة العالمية الرابعة في متوسط دخل الفرد الحقيقي. إلى جانب الشفافية وانخفاض نسبة الفساد الاداري والمالي إلى حد أن سنغافورة تتصدر المراتب الأولى لمؤشر الشفافية الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.

وعندما نظرت في كيفية تحقيق سنغافورة للتطور مع ما تحقق في دولة قطر وجدت أن هناك، في أسلوب العمل، أمورا متشابهة وأخرى متناقضة. فمن الأمور المتشابهة 1. استقدام خبراء من بريطانيا والسويد واليابان ونحن في قطر نجتذب المهارات من جميع مناطق العالم. 2. الأخذ بمقومات بناء دولة حديثة لا تعرف حدوداً للتطور. 3. تأكيد بناء دولة القانون والمؤسسات

أما أهم الأمور المتناقضة بيننا وبين سنغافورة فهو 1. الاعتماد في سنغافورة على القيم الحضارية والتاريخ والتقاليد وفي هذا تتميز دولة قطر بشطب كل تلك القيم وباعتمادها على تقمص الشخصية الغربية، أما التاريخ والتقاليد فحدث ولا حرج عن دور إحدى الجهات في طمسها واستبدالها بالحفلات الغنائية. 2. اعتمدت سنغافورة في تحقيق معجزتها على بناء الإنسان السنغافوري واعتبرته ثروة بشرية تدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، أما في قطر فإن هذه الثروة تخضع لتجارب عديدة من الجهات التي تبنيها كأنه لا توجد مكتسبات أحرزت في السابق. وفي نفس الوقت نجد أن المسؤول يفرح لتحويل المواطنين الشباب أو ما يسمى بالثروة البشرية إلى التقاعد المبكر. 3. أن كل مولود جديد يولد في سنغافورة يتم توفير الخدمات التعليمية والصحية اللازمة له من يوم ولادته، أما عندنا فإن أكبر الهموم لدى الوالدين هو السباق للبحث عن مقعد لابنهم في أي مدرسة ولو كانت بعيدة عن السكن. أما الخدمات الصحية فالجميع يدعو رب العالمين ألا يبلى أحد أفراد الأسرة بأي نوع من المرض ولو كان المرض عبارة عن انفلونزا عادية. 4. حاربت سنغافورة الفقر وجعلت لكل مواطن بيتاً أما عندنا فلا تزال شريحة من المواطنين، الله أعلم بحالهم، تنوء تحت مشاكل الحياة اليومية كل همهم سؤال رب العالمين أن يستر حالهم. ونجد أن بعض المواطنين عندما يقدم طلب أرض يلف الكرة الأرضية عدة مرات ليراجع الجهات المسؤولة سنين طويلة بدون فائدة وحتى لو سلموه سند ملكية الأرض فإنه لا يستطيع البناء عليها بحجة عدم توافر الخدمات الأساسية. 5. حرصت سنغافورة على أن يتم التعيين في الوظائف عبر مناظرات عامة مفتوحة للجميع، أما في قطر فالتعيين يخضع لاعتبارات عديدة من أهمها أن يكون المتقدم غير مواطن وإذا كان مواطنا فإن عليه أن يكون صاحب خبرة طويلة أو أن يكون أحد أفراد أسرته من المتنفذين الذين يحسب لهم ألف حساب..

وقائمة الأمور المتناقضة بيننا وبين سنغافورة طويلة جداً لا يسعنا سردها في هذا العمود. والسبب المباشر لوجود هذا الاختلاف بيننا وبينهم يعود إلى أن السيد لي كوان يو كان يحلم بأن يبني وطناً للناس وليس له. ولذلك نجده قد بنى المصانع لا الإذاعات، وأمر الناس بالعمل لا بالاصغاء إلى الإذاعة أو الإشاعة، وأغلق السجون ليفتح المدارس، وطبق حكم القانون. والأهم من ذلك كله أنه جمع من حوله المستشارين والمسؤولين الذين يؤمنون بما يؤمن به ويقدمون مصلحة البلاد والعباد على مصالحهم الشخصية.

وفي الختام نقول إن تخطي تلك الأمور المتناقضة بيننا وبين سنغافورة سهل جداً وسهولته تنبع من أن هناك إيمانا عميقا لسمو الأمير المفدى بالسعي للتغلب عليها وتجاوزها. ولكن وكما قال أهلنا الأولون "اليد الواحدة ما تصفق" أي لابد من أياد عديدة لإنجاح عملية التصفيق، ولابد من أياد عديدة يؤمن أصحابها بما يؤمن به ولي الأمر.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع