الدستور القطري .. وحفيدي العزيز

الدستور القطري.. وحفيدي العزيز

اليوم دخلت البيت ووجدت حفيدي يلعب بمختلف الألعاب المستوردة، التي اشتراها من العيديات التي حصل عليها. فجلست بجانبه للتحدث معه!! وكمحاولة لتثقيف حفيدي عن الدستور القطري، بادرته بالسؤال عن مدى معرفته بمواد الدستور، ومقارنتها بالوضع الحالي، فرد علي قائلاً: معرفتي بالدستور "ميح" يعني ولا شيء، فقلت له: سوف أبدأ معك بشرح مادة واحدة من مواد الدستور. وهذه المادة هي (21) المتعلقة بالأسرة. وتؤكد المادة (21) على أن الأسرة أساس المجتمع.. قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن.. ولكن المشكلة يا حفيدي العزيز.. لا المدرسة ولا البيت ولا الحكومة ولا المجتمع يغرس، في طفل هذا الزمان، الدين والأخلاق وحب الوطن. وبما أن المدارس هي مستقلة عن المجتمع والأعراف والتقاليد فقد تم، يا حفيدي العزيز، إلغاء الجغرافيا، وتهميش التاريخ، والشريعة الإسلامية التي هي الأساس المرتكز عليها قيم ومبادئ المجتمع القطري. ولأن المدرسة تهتم، بالدرجة الأولى، وتركز على محاولة إنهاء المقررات الدراسية التي وضعت لها في الكتب، ولم يخطط لها منهاجها، ولذلك فهي في غالبيتها حشو في حشو. ولأن الكتب كثيرة تقصم ظهر الطالب، والسنة الدراسية بحسب زعمهم لا تكفي لدراسة هذه الكتب، فقد تمت إطالة اليوم المدرسي المنهك في أجوائنا الحارة، وفي نفس الوقت إطالة السنة الدراسية، كل ذلك أدى إلى حرمان الطالب المسكين من التمتع بطفولته، وعدم قدرته على تكوين صداقات خارج زملاء المدرسة، وأصبح الطالب لا يملك وقت فراغ ليمارس فيه مختلف أنواع الأنشطة الجماعية والمجتمعية، التي تبني شخصيته المستقبلية، من خلال بيئته التي يعيش فيها ويتعايش معها. ولنأتي، يا حفيدي العزيز، إلى إدارة ومدرسي المدارس المستقلة عن المجتمع، فنجد أن معظم العاملين في الإدارة وغالبية المدرسين بالمدارس ليس لهم علاقة بالتربية ولا بالتعليم.

أما الأب والأم، يا حفيدي العزيز، فلا يمكن الاكتساب منهما أي شيء إيجابي لأنهما في عراك مستمر للبحث عن لقمة العيش الحلال. صحيح أن الدولة رفعت الرواتب بنسبة 60 % ولبعضهم 120 % ولكن تجارنا الأعزاء أبوا إلا أن يقتلوا فرحة المواطنين بالزيادة، فقاموا بزيادة الأسعار بمعدل يصل لأكثر من 200 % من أسعار السلع والخدمات التي كانت قبل الزيادة. وعليه وفي هذا الوقت العصيب الذي اجتمع فيه ضعف الموارد المالية والغلاء الفاحش فإن عليك، يا حفيدي العزيز، تربية نفسك بنفسك، ولو بأسلوب كله خطأ..

أما أن القانون ينظم الوسائل الكفيلة بحماية الأسرة، وتدعيم كيانها وتقوية أواصرها.. وفي هذا يا حفيدي العزيز، فإننا نرى، أن الحكومة تقوم بدور سلبي، فهي لا توفر فرصاً وظيفية للباحثين عن عمل، ولذلك فإنه من غير الممكن لهم إقامة أسرة، وفي نفس الوقت تقوم الحكومة بإحالة الآلاف من المواطنين للتقاعد، مما يجعل الأسر التي انخفضت مواردها المالية تنوء تحت رحمة التجار الجشعين، الذين تحميهم الحكومة من خلال ما يسمى بحماية المستهلك، مما يزيد في الخلافات الأسرية وتنتهي الأسرة بالفراق وتشتت أفرادها.. أما المجتمع فقد تم تشتيت أفراده على مختلف الأحياء السكنية، وأصبح الحي السكني يضم العشرات من العوائل والقبائل المتنوعة، وكل فرد منهم يقول "نفسي نفسي" وبهذا انتهت التربية الجماعية التي يتشارك فيها الجميع في تقويم الطفل في مراحل عمره الأولى. وهذا يقودنا إلى المادة (22) بأن الدولة ترعى النشء، وتصونه من أسباب الفساد وتحميه من الاستغلال.. وتوفر له الظروف المناسبة.. على هدى من التربية السليمة. وبما أن دولة قطر يا حفيدي العزيز تعمل على تنفيذ كافة الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية التي تكون طرفاً فيها، فلقد انتشر بين الأطفال عدم احترام الدين لدرجة أن الصلاة تقام وهم مستمرون في ممارسة ألعابهم ولهوهم. أما احترام كبار السن فقد انتهى من قاموس الأطفال، ولذلك نجدهم، في أبسط الأشكال، يتقدمون عليهم في الدخول من الأبواب وعدم التنازل، في المناسبات، عن كراسيهم لكبار السن. فعدم وجود التربية الجماعية والحماية الحكومية لهم، نشر فيما بينهم ما يعرف بالجنس الثالث والجنس الرابع، ولم يبقَ سوى أن تسمح الدولة بالزواج المثلي، ولو قامت الأسرة يا حفيدي العزيز بعقاب هؤلاء الأبناء لإصلاح شأنهم، فمصير الأسرة السجن و"البهدلة" لأنهم أرادوا الصلاح للأسرة والمجتمع.. أما عبارة "على هدى من التربية السليمة" التي وردت في الدستور؛ فنحن، يا حفيدي العزيز، أبداً لا نرى تبادل القبلات في المجمعات التجارية والأسواق، ولا نرى النساء كاسيات عاريات في الأماكن العامة مثل الحدائق والكورنيش، وفي نفس الوقت لا نرى الفتيات على السواحل لابسات مايوه "أبو خيط".

وفي الختام أقول لك يا حفيدي العزيز: أمامك مشوار طويل حتى تصل إلى مرحلة البلوغ، وعندما تتخرج وتحصل، بعد طول انتظار، على عمل، فتوقع أن تتم إحالتك للتقاعد قبل أن يصل سنك إلى الأربعين عاماً، مما سينتج عنه تفكك الأسرة التي كنت تحاول بناءها، والتي يحاول الدستور حمايتها

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع