تأمين السلع الغذائية

تأمين السلع الغذائية

كان الهم الأكبر للمجتمعات على مر العصور وحتى الآن وسيستمر مستقبلاً هو كيفية تأمين الحصول على الغذاء. وتأمين الغذاء يعد من أبرز جوانب الوضع الاقتصادي الجديد، وأبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المجتمعات. ودولة قطر التي حباها الله بالكثير من الخيرات الطبيعية قد واجهت خطر المجاعة عدة مرات في تاريخها الحديث والمعاصر. وفي هذا الصدد أكد معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في لقاء مع رجال الأعمال وغرفة صناعة وتجارة قطر أن دولة قطر تسعى إلى:

1. تأمين السلع الغذائية للمواطنين.

2. الارتقاء بالصناعات الغذائية في الدولة.

3. التعاون مع أصحاب المزارع للارتقاء بمستوى الزراعة وتنميته وتطويره.

وقضية الأمن الغذائي هي قضية سياسية إستراتيجية ترتبط بالأمن الوطني. وهي لا تعني بالضرورة إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية بل يقصد بها أساساً وفرة السلع الغذائية ووجود السلع الغذائية في السوق بشكل دائم، وأن تكون أسعار السلع في متناول المواطنين وبالأخص في الحالات الحرجة والطارئة الاستثنائية. وما حدث في روسيا من تمزق الاتحاد إلى دويلات عديدة ما هو إلا نتيجة استخدام الولايات المتحدة الأمريكية الحبوب كسلاح إستراتيجي لتحقيق أهداف سياسية على حساب وحدة روسيا.

إننا في قطر لن نستطيع مهما أوتينا من قوة أن نخلق قطاعاً زراعياً قوياً وذلك بسبب انخفاض نسبة الأراضي الصالحة للزراعة مقارنة مع المساحة الكلية (الأراضي الصالحة 2.4 % من المساحة الكلية) وعدم كفاية مصادر المياه وارتفاع نسبة ملوحتها وسوء استغلالها والعوامل المناخية التي تتميز بالتذبذب والتقلب من عام إلى آخر والاستنزاف غير العقلاني للخيرات الطبيعية وتدمير البيئة. ولهذا فسوف تستمر الفجوة الغذائية كبيرة جداً بين ما نستطيع إنتاجه وبين ما يكفى الاحتياجات الأساسية لمجموع السكان. ومن المعروف أن تدهور أوضاع الأمن الغذائي يؤثر في القرار السياسي، ويزيد من فعالية استخدام الغذاء كسلاح من جانب الدول المصدرة له. وبما أننا لن نستطيع إغلاق الفجوة الغذائية فعلى الأقل لنعمل على جبهتين:

جبهة داخلية: عن طريق تعزيز قدرات الاستحواذ على التكنولوجيا الزراعية والاهتمام بالتقدم العلمي وما يفتحه من آفاق واسعة لتطوير الأساليب الزراعية المتبعة في إنتاج المحاصيل كالتوسع في المكننة الزراعية وتبني أساليب الري الحديثة وتطوير الأصول الوراثية باستخدام التقانة الحيوية والهندسة الوراثية والتقنيات الكيماوية وتطوير الإنتاج الزراعي بفرعيه النباتي والحيواني وأن تعمل الحكومة على توفير البيئة العلمية والمهنية التي تحافظ على العلماء والباحثين في هذا المجال بشكل خاص وفي كافة المجالات بشكل عام ويجب تشجيع التمويل والاستثمار في القطاع الزراعي. (أنظر كيف قام الكيان الصهيوني في فترة سابقة بزراعة صحراء سيناء)

جبهة خارجية: وهي خطرة جداً ولكن نستطيع تقليص نسبة خطورتها عن طريق الاتفاق مع عدة دول وليس دولة واحدة في شراء أو تأجير أراض زراعية وتنميتها لصالح الأمن الغذائي القطري.

والمشكلة الأخرى كما ذكرها معالي رئيس مجلس الوزراء مساعدة المزارعين المحليين على تسويق منتجاتهم. إن إنشاء ساحة المزادات للإنتاج المحلي لن يفي بالغرض وذلك لتحكم مافيا المزادات في الأسعار بتوجيه من تجار المواد الغذائية ولذلك ليس بغريب اكتشاف سعادة رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية أن هناك مزارع قد تم تحويلها إلى ورش ومساكن عمال. ولو كان عندي مزرعة لانتهجت طريقاً مثلهم لأنه أربح لهم من أن يبيعوا صندوق الطماطم عن طريق مافيا المزادات بثلاثة ريالات فقط في حين أن نفس الصندوق يباع للمستهلك بعشرين ريالاً. أما سياسة دعم المزارعين، كما ذكرها سعادة وزير البيئة، عن طريق شراء منتجاتهم فهو أمر قد سمعناه من عشرات السنين ولم يحدث أي شيء حتى الآن في هذا الصدد ومن المتوقع، وإن شاء الله أكون مخطئاً، أن لن يحدث ذلك مستقبلاً وذلك لعدم وجود إستراتيجية واضحة المعالم كما هو الحال لدى الدول الغربية وأمريكا وسياسة دعمهم لمزارعيهم لدرجة أنهم في بعض السنين يشترون المحصول كاملاً من المزارعين ليرموه في البحر.

أما الاستثمار في قطاع المواد الغذائية فهو أيضاً، من وجهة نظري، عليه السلام. وفي هذا الصدد لنسأل الجهات المسؤولة: إن تعليمات سمو أميرنا المفدى حفظه الله لوزارة البلدية والتخطيط العمراني بتوفير أراض مناسبة لكل مواطن يرغب في الاستثمار في القطاع الزراعي وتربية الأسماك فماذا وفرت هذه الوزارة للمواطنين للقيام بتحقيق هذا الهدف؟ وفي نفس الوقت فإن تعليمات سموه كانت واضحة لبنك قطر للتنمية بتوفير القروض المناسبة لكل مواطن يرغب في الاستثمار في القطاع الزراعي وتربية الأسماك وتم رصد مبلغ 500 مليون ريال قطري لهذا الغرض فماذا صرف هذا البنك، الذي يقول عن نفسه بأنه غير ربحي، من المبالغ المرصودة؟

إن الشعوب تحيا على بطونها ونحن نعلم أنه لا توجد دولة تستطيع الاكتفاء ذاتياً من جميع المواد الغذائية ولكن على الأقل لنحاول تقليص الفجوة الغذائية حتى ولو كانت بنسبة مئوية بسيطة، لأنه بهذه الطريقة نحفظ كرامة الوطن ونصون وحدته ونبعد تحكم الاعداء في مقدراته وتدخلهم في قراراته وسياساته ولنتذكر قول رب العالمين في سورة قريش حيث قدم الطعام على الأمن بقوله تعالى "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ".

وفي الختام نقول للجهات الحكومية ذات العلاقة يكفينا تصريحات صحفية وخلونا نشوف بعض الإنجازات الحقيقية في هذا المجال

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع