قراء جريدة الشرق .. والعود أحمد

قراء جريدة "الشرق".. والعود أحمد

كنت اتخذت، قبل رمضان الماضي، قراراً بالتوقف عن الكتابة لمنع نشر مقال لي . ولكن البعد عن الكتابة في الشرق أيضاً واجه فصلا من فصول يا فرحة ما تمت. فلقد قامت الشخصيات من أعلى مستوى في البلد إلى أصغر القراء سناً بمعاتبتي على هذا القرار الذي وصفه أحد الأشخاص "بغير المسئول" للتهرب من معالجة قضايا المجتمع التي لابد من تسليط الضوء عليها لحلها. وقلنا ربما الزمن سيجعل ثورة الغضب تخف ولكنها مع الأيام أصبحت تزيد، لدرجة أن ولداً صغيراً لم يتجاوز من العمر عشر سنوات شاهدني بمستشفى حمد العام وأتى إليَّ قائلاً: أنا تعودت في كل يوم أحد قراءة مقالاتك لجدي الذي أذهب مرض السكري بصره وإحدى قدميه، وكان يقوم بشرح وتفسير ما خفي على من عبارات. وطلب مني هذا الطفل أن أزور جده المنوم في المستشفى. وعندما دخلنا على الجد بادرني بقوله: يا بوك ليش وقفت عن الكتابة؟ قلت له: لقد صدمت من موقف الجريدة من مقالي قبل الأخير عندما شوه بحجة أنه لا يتفق مع سياسة الجريدة، مع أن المقال كان ملتزماً بحرية الرأي الموثقة بالدستور والقوانين المنظمة المعمول بها في دولة قطر. قال الجد: وشنهو يقول الدستور؟ قلت له: يا يبه أنت وغيرك تعرفون أن حرية الرأي بالتعبير عن الأفكار عن طريق الكتابة أو الكلام هو حق كفله الدستور الدائم لدولة قطر في خمس مواد وأن الدولة قامت بتحديد المواضيع التي يمنع النشر فيها وهي تلك التي تؤدي إلى بث الحقد والكراهية بين السكان أو التي تسيء إلى الدين الإسلامي والديانات الأخرى أو أعراف المجتمع أو انتقاد السلطة العليا أو السب والتشهير. وبعبارة شاملة فإن حرية الرأي في دولة قطر هي واسعة النطاق ولكنها تقف عندما تبدأ حرية الآخرين. وعندما قامت الأجهزة الحكومية بممارسة الحرية فقد تقيدت بهذه الخطوط العامة وقناة الجزيرة هي أبلغ مثال لما نتحدث عنه. قال الجد: ما دام بو مشعل الله يخليه ويطول في عمره راضي.. ما عليك منهم.. ارجع اكتب. غادرت غرفة الجد متمنياً له الشفاء العاجل وفي رأسي أفكار عديدة حول هل أرجع للكتابة أو لا أرجع متذكراً قول أحد المغردين في موقع تويتر الإلكتروني "أمل مكتوب، خير من ألم مكبوت". وفي الطريق هاتفت السيد جابر الحرمي كصديق عزيز وليس كرئيس تحرير لأخذ رأيه ووجدته مؤيداً وبشدة رجوعي للكتابة في الجريدة.

لقد كفل الإسلام حرية الرأي ويرى أن كل إنسان يتمتع بكامل إرادته في الجهر بما يراه صواباً ومحققاً لنفع المسلمين، وعاملاً على صون مصالح الفرد والمجتمع، وفي نفس الوقت محافظاً على النظام العام، في إطار من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" آل عمران:104 وجعل في هذا الأمر الخيرة للمجتمع الإسلامي في قوله تعالى "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ.." آل عمران: 110. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادات فحسب بل كل النشاط الإنساني في التفكير والنقد والمعارضة والتقييم في شؤون السياسة والثقافة والاقتصاد. بل إن رب العالمين نفى عن عباده صفة الإيمان في قوله تعالى "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا" النساء: 65. وكلمة شَجَرَ تعني الأمر الذي اضطرب وتنازعوا واختلفوا فيه، وفي معنى آخر ما أشكل والتبس عليهم من الأمور. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة.. لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم". ولذلك فإنه ليس بغريب ادراج الدستور القطري مادة (46) والتي تنص على أن لكل فرد الحق في مخاطبة السلطات العامة. وهذه المادة، كما أفهم مدلولاتها، تسمح لي بمخاطبة المدير أو الوزير أو حتى مخاطبة سمو الأمير المفدى بشكل علني لحل مشكلة يواجهها المجتمع، ومخاطبتهم بشكل خاص إذا كانت المشكلة خاصة.

إن قطر ومنذ تسلم سمو الأمير حفظه الله سدة الحكم في عام 1995 وهي تنعم بحرية رأي لم يسبق لها مثيل. وقطر في هذا النهج تجاوزت النهج المعمول به في كثير من دول العالم التي تدعي حرية الرأي. فنحن يجب أن لا ننسى موقف الرئيس الأمريكي المدعي بنصرته لحرية الرأي من قناة الجزيرة الفضائية التي فضحت ممارسات القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق واقتراحه بقصف قناة الجزيرة لإسكات صوتها. وأيضاً أوروبا التي وقفت وقفة واحدة مؤيدة لحرية الرأي في الإساءة للدين الإسلامي وآخرها الرسوم المشوهة لسيرة رسولنا الكريم في حين أنه لو شكك أحد أفرادهم بالمحرقة اليهودية أو ما يسمى بالهولوكوست لراح وراء الشمس مثل ما حدث للمؤرخ البريطاني د. ديفيد ايرفينيج والبروفيسور روجيه غارودي وغيرهما الكثير. ولهذا كله نقول وبصوت قوي: الحمد لله أن ولي أمرنا هو سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله

وقبل الختام نسأل السؤال البريء: هل التعاليم الدينية والدستور القطري والقوانين المعمول بها في الدولة ورغبة ولي الأمر في تمتع المواطنين بحرية الرأي ضمن حدود الشريعة الغراء، كما بيناه فيما سبق، مطبقة لدى رؤساء التحرير في صحفنا المحلية الذين هم الرقباء على حرية الرأي في هذه الأيام؟

وفي الختام نقول الله يعين كل الكتاب والمجاهرين بكلمة الحق على القانون الجديد الذي صيغ بأسلوب يرجعنا للخلف عشرات السنين.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع