يا فرحة ما تمت

يا فرحة ما تمت

في الأسبوع الماضي، وفي خارج أسوار جامعة قطر، شاركت في الحفل السنوي لكلية الآداب والعلوم.

والملاحظات العامة على الحفل قليلة ولكن أهم تلك الملاحظات هو غياب إدارة الجامعة عن مشاركة الكلية في حفلها لتكريم المتفوقين من الخريجين والمغادرين أرض الوطن من أعضاء الهيئة التدريسية، ولا أعتقد بأن ساعة من الزمن تشارك بها إدارة الجامعة مع كل كلية يعتبر هدراً.

وقابلت في الحفل أحد الخريجين مع ولي أمره وسألته:

في أية جهة قدمت أوراقك للتعيين بها؟ أجاب بأنه قدم أوراقه لسبع جهات ولكنه، ومع تفوقه، لم ترد عليه أية جهة حتى الآن!! فقلت له: كيف ستنفق على نفسك إذا تأخرت عملية التعيين؟ فبادرني ولي أمره بالقول:

لقد صرفت عليه وهو طالب له متطلبات كثيرة وكبيرة وإن شاء الله لن أقصر معه حتى يحصل على الوظيفة المطلوبة. وسألت ولي الأمر كم لك من الأبناء الذين يساعدونك في مقابلة المصاريف المتنوعة؟ قال: معي الله رب العالمين ولعلمك يا دكتور أن لدي ثلاث بنات خريجات من الجامعة إحداهن تزوجت وذهبت مع زوجها، أما الاثنتان فهما لا تزالان معي في المنزل وبدون عمل.

فعلاً يا فرحة ما تمت فقد فرح الخريجون بتخرجهم ولكن فرحتهم تحطمت على أرض الواقع، حيث إن لديهم الشهادة ولكن ليس لديهم الوظيفة. وفي الحقيقة، وحسب الأرقام الرسمية،لا يستطيع أحد أن ينكر عدم وجود بطالة في دولة قطر، فمعظم الأسر القطرية يعيش فرد منها في حالة من البطالة تطول لتصل في بعض الحالات إلى أربع أو خمس سنوات أو تقصر للبعض الآخر بحيث إنها لا تتعدى بضعة أيام وكله حسب الظروف والواسطة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: من المسؤول عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة لهؤلاء بشكل عام وأولئك الذين ينتمون لأسر ذوي الدخل المحدود بشكل خاص؟

وما دور الدولة في هذا الشأن؟

أن كثيراً من دول العالم المتحضر تتبنى "إعانة بطالة" أو ما يسمى "Unemployment Benefit" وتستخدم تلك الدول أعداد المنتفعين من الدعم الشهري أو الأسبوعي كمقياس لمعرفة مدى تعافي الاقتصاد المحلي والاستقرار الاجتماعي، وحتى أن بعض الدول الخليجية، مثل الكويت والسعودية، تصرف لمواطنيها ما يطلق عليه بدل بطالة.. أما دولة قطر فحتى الآن لا يوجد في قاموس كبار المسؤولين والمستشارين ما هو قريب من ذلك لأنهم وبشكل مستمر مقتنعون بخطورة تبني مثل هذا التوجه لأنها ستؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على ميزانية الدولة، مركزين على أن صرف "بدل بطالة" ستدفع لغير مستحقيها لأن العاطلين هم أصلاً عاطلون عن العمل بإرادتهم والتي أتت نتيجة اتكالية المواطن القطري، وعجزه.

إنني لا أنكر إن صرف "بدل بطالة" سيكون له سلبيات ولكن لنستعرض معاً بعض الإيجابيات المحتملة من صرف هذا البدل. إن أولى الإيجابيات هي الاعتراف بحقوق المواطن العاطل وحفظ كرامته بضمان الحد الأدنى المعيشي مما سينمي لديه الحس الوطني لشعوره بأن وطنه يقف بجانبه وليس محروماً من خيراته مما سيؤدي بدوره إلى تماسك المجتمع وإحداث التوازن الأمني والاجتماعي فيه. وأرى أن صرف هذا البدل سيخلق ضغطاً على المسؤولين لتصميم برامج تأهيلية وتدريبية عاجلة ومركزة لإعداد العاطلين وتوظيفهم تجنباً لدفع فاتورة البطالة المحاسبين عليها من ولي الأمر. ومن الإيجابيات الأخرى تقليل نسبة الجريمة وفاتورة العلاج الناتجة عن الأمراض الجسمية والنفسية.

ولا ننس زيادة الطلب على السلع مما يقلل من إفلاس الشركات وتقليل المعروض من الوظائف.. هذا إلى جانب إيجابيات عديدة أخرى لا حصر لها. ولهذا فالشطارة هي أن نبحث عن الايجابيات ونعززها، ونحدد السلبيات التي ظهرت عند غيرنا من الدول الشقيقة والصديقة ونوجد حلولاً مناسبة لمعالجتها.

إننا بلد أنعم الله عليه بالثراء ويقوم بدعم الكثير من الاحتياجات لبعض سكان العالم، فنجده يقوم بدعم الصيادين الفلسطينيين، ودفع رواتب أهل جزر القمر، وتوفير الوقود لأهل غزة ومساعدة الكثير من البشر المتضررين من الكوارث والنكبات والحروب، بالإضافة إلى صرف ما يسمى تحسين وضع لبعض المواطنين في الداخل.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع