المخلص الجمركي القطري

المخلّص الجمركي القطري

جمعتني الظروف لمقابلة أحد الأشخاص الذين يبحثون عن فرصة عمل في دولة قطر ومن ضمن النقاش سألته عن خبراته في موانئ المملكة العربية السعودية فقال مجيباً: لا توجد لدي خبرة في الموانئ السعودية لأنه يمنع على غير السعوديين العمل كمخلّص جمركي أو الدخول إلى أي ميناء سعودي. وسألته: ما دورك في هذه الحالة؟ فقال: نحن نجهز الأوراق من مانيفست وإعداد البيان الجمركي ثم نسلمه للمواطن الذي يقوم بالتخليص الجمركي.

وبدأت أبحث عن الموضوع ووجدت أن مجلس التعاون قد حدد في قانون الجمارك الموحد أن التخليص الجمركي هو توثيق البيانات الجمركية للبضائع الواردة والصادرة والعابرة. أما المخلص الجمركي فهو كل شخص طبيعي أو اعتباري مرخص له بمزاولة أعمال التخليص الجمركي لحساب الغير. في حين أن مندوب المخلص الجمركي هو كل شخص طبيعي مرخص له بالقيام بمتابعة الإجراءات الجمركية. وأجمعت قوانين كل دولة من دول مجلس التعاون على أن رخصة التخليص الجمركي تمنح لمواطني تلك الدولة أو أن يكون من مواطني إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، بشرط أن يكون قادراً على مزاولة التخليص الجمركي بنفسه.

وعندما أرادت دولة قطر تطبيق قانون الجمارك الموحد طلبت من شركات التخليص الجمركي تعديل أوضاعها بما يتناسب مع ذلك القانون وبخاصة المادة التي تؤكد على أن تكون ملكية رأسمالها بالكامل لمواطنين قطريين أو لرعايا دول مجلس التعاون. وحتى لا تفقد الشركات الأجنبية المهيمنة على مهنة التخليص الجمركي موقعها في السوق القطري فقد قامت بالبحث عن القطري المناسب الذي يرغب بالحصول على المقابل المادي دون أن يتدخل في أعمال الشركة (يعرف بالشريك الصامت المتستر). وعندما وجدت الشركات الأجنبية القطري المناسب، الذي لا يعرف الهدف الحقيقي من التوجه المحمود لدول مجلس التعاون، قامت بتحويل ملكية الشركة إليه واستمرت تلك الشركات، المملوكة فعلياً لغير القطريين، بمواصلة العمل كأن شيئاً لم يحصل.

إن مهنة التخليص الجمركي، في غالبية دول العالم المتحضر، مقصورة، كما هو معروف، على المواطنين وبشروط محددة. وإن توجه دول مجلس التعاون الخليجي ومنها دولة قطر إلى حصر أنشطة خدمات التخليص الجمركي على المواطنين يعد توجهاً سليماً ومنطقياً ومحموداً بقصد إفساح المجال لممارسة المواطنين هذه الأنشطة بدون منافسة من الشركات الأجنبية حيث تعد هذه من الأنشطة الحساسة لأسباب اقتصادية وتجارية ومالية وأمنية، وفي نفس الوقت فإنها لا تحتاج إلى استثمارات كبيرة.

إن مهنة المخلص الجمركي هي من المهن التي تعتمد على الاستغلال المباشر لملكات الإنسان العقلية والمواهب الذهنية المحضة وتعتمد على المهارة الشخصية لمن يمارسها. وترافق هذه المهنة مهنة أخرى يسمى صاحبها بمندوب المخلص الجمركي. وكلا المخلص والمندوب عليهما إعداد بيان الحمولة أو ما يسمى "بالمانيفست" وهو المستند الذي يتضمن وصفاً شاملاً للبضائع المشحونة على وسائل النقل المختلفة، وفي نفس الوقت إعداد البيان الجمركي أو الإقرار الذي يقدمه صاحبها والمتضمن تحديد العناصر المميزة لتلك البضاعة المصرح عنها وكمياتها بالتفصيل. وبما أن مهنة التخليص الجمركي مهنة حساسة لعلاقتها بالحالات الأمنية للوطن والمواطن والمقيم فإنه من المهم، مع احترامي لكل من يعمل بهذه المهنة من الجنسيات الأخرى، أن يقتصر منفذوها على المواطنين الذين تنطبق عليهم الشروط.

إن الكثير من البضائع والسلع تدخل من النقاط الجمركية وإن اطلاع غير المواطنين يكشف نقاط الضعف التي تمر على البلاد مثل حجم المخزون الغذائي الاستراتيجي أو الدوائي أو نوع وحجم الأسلحة والذخائر والمعدات الأمنية إلى آخره من مثل هذه الأمور التي لا يجوز لغير المواطن الاطلاع عليها. وفي نفس الوقت فإن اقتصار المواطنين على العمل في هذا المجال يساعد على توفير فرص عمل للمواطنين الذين يعاني حوالي 10 % من مجموعهم من البطالة والتقاعد المبكر. والأهم من ذلك هو تحفيز القطاع الخاص على الاهتمام بتوظيف المواطنين وهو أمر طالما سعى له سمو الأمير المفدى بهدف تحقيق الاستقرار والارتقاء بالمجتمع القطري.

وبما أن العمل في التخليص الجمركي ينقسم إلى قسمين أحدهما مكتبي والآخر ميداني، فإنني أرى، أن يقتصر العمل الميداني على القطريين الذكور في حين أن العمل المكتبي يقتصر على القطريات. وبسبب التطورات الكبيرة والحديثة التي وفرتها الهيئة العامة للجمارك فإنه من الممكن عمل الإناث من خلال المنزل بواسطة الحواسيب (الكمبيوترات) والإنترنت. ولا ننسى أن المرأة القطرية فيها طاقات عظيمة وإمكانات هائلة لم تستغل بعد وعملهن في هذا المجال له قيمة اقتصادية كبيرة كما أن فيه زيادة لدخل الأسرة.

ولمعلوماتكم الخاصة نفيدكم بأن عدد الحاويات، بخلاف البضائع الأخرى، التي خرجت من ميناء الدوحة فقط عام 2009 يبلغ حوالي 500 ألف حاوية تبلغ رسوم تخليصها، بخلاف الرسوم الجمركية، حوالي 75 مليون ريال قطري، وإذا أضفنا رسوم البضائع الأخرى من نقاط الحدود البرية والبحرية والجوية فإننا نتكلم عن نشاط، لا يحتاج سوى المهارة الشخصية لمن يمارسه، تتجاوز إيرادات رسومه 200 مليون ريال قطري. وللأسف أن غالبية هذه الرسوم والأرباح المحققة من هذا النشاط تذهب لشركات وأفراد غير قطريين.

وفي الختام نقول إنه لا يضيرنا أن تستمر ملكية شركات التخليص الجمركي لغير القطريين ولكن الذي يهمنا هو أن تكون العمالة في هذه الشركات قطرية. أليس القطريون أحق بالأرباح التي تحققها تلك الشركات، ولو على شكل رواتب، بدلاً من أن تتسرب كل تلك الأموال إلى الخارج؟

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع