الرد على مقالة

ردا على مقالة د. ربيعة الكواري حول "الملفات الصعبة فى جامعة قطر"

نشرت جريدة "الشرق" مقالة للدكتور ربيعة الكواري بتاريخ 20 /5 /2012 بعنوان فتح الملفات الصعبة في جامعة قطر مع استبعاد بعض نوّاب الرئيس تماشياً مع المصلحة العامّة. وأقول انه من حق الجميع ومن ضمنهم الدكتور ربيعة مناقشة دور الجامعة، ولكن من المهم ومن المصلحة العامة أن تتم المناقشة عن علم بما يحدث، فقد قال الله تعالى (هَا أَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) آل عمران: 66. وقبل الرد على مقالة الدكتور ربيعة الكواري لابد أن أوضح موقفي من الجامعة.. إنني، كما يعلم الجميع، في خلاف مع الجامعة، حتى النخاع، حتى تنصف الطلبة: 1. بتنفيذ قرارات المجلس الأعلى للتعليم كما صدرت. 2. بإرجاع الأسلوب الإنساني في حساب المعدل التراكمي كما كان في السابق والذي تتبعه أعرق الجامعات العالمية. أما خلافي الآخر مع الجامعة فهو متعلق بعملية التقطير التي ربما، حسب وجهة نظري، تبرأت منها جامعة قطر.. أما عدا ذلك فلا يوجد أي خلاف مع إدارة الجامعة وكيف تمارس عملية إدارة الجامعة، لأن من أسس اعتماد اللوائح التنظيمية والإدارية هو تطبيقها وتنفيذها كما وردت على الجميع بدون مجاملات.

والآن نأتي للرد على مقالة الدكتور ربيعة مرتبا كما أورده في مقالته:

المقدمة، نوعاً ما، كانت مناسبة. ولكن عندما ذكر بإعادة الهيبة والكرامة لعضو هيئة التدريس فإني أخالفه الرأي لأن الهيبة والكرامة يفرضها الشخص ولا تعطى له، والحمد لله إن كرامتنا وهيبتنا لم نفقدها حتى تعود، والذي يجد أن هيبته وكرامته قد ولت فعليه إما إرجاعها بالقوة أو بمغادرة الجامعة إحقاقاً لقوله تعالى (.. قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا..) النساء: 97.

أما ما يتعلق بفتح الملفات الصعبة فنحن نؤيد الدكتور ربيعة بفتحها من مبدأ الشفافية التي يؤمن بها ولي الأمر الذي أصدر منذ فترة وجيزة الأمر الأميري رقم (75) لسنة 2011 بإنشاء هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، وجاء في المادة (4) أن الهيئة تهدف إلى تحقيق الرقابة والشفافية ونزاهة الوظيفة العامة، ومكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله، ومنع وقوع الجرائم التي تمس المال العام أو الوظيفة العامة، والعمل على ضبط ما يقع منها. ولكن حتى هيئة الشفافية لا تستطيع توجيه الاتهام لأي جهة بالكلام بل بالحقائق والمستندات. فإذا كان الدكتور ربيعة يملك مثل تلك المستندات التي يثبت بها ذلك الإدعاء فإننا نشجعه على الذهاب بها إلى هيئة الشفافية ليأخذ الحق مجراه.

لقد قامت الجامعة، وكما أعلم علم اليقين، قبل البدء الفعلي والعملي لخطة التطوير، بدراسة الهيكل التنظيمي والإداري الذي سيترجم الخطط إلى عمل. وحتى تضمن الجامعة وصولها للهيكل الذي يحقق الطموح فقد قامت بالاستعانة ببيوت خبرة عالمية، وللأسف الشديد كانت مؤسسة (..) الأمريكية واحدة منها. وبدأت عملية تسكين جميع من ينتسب للجامعة على الهيكل المعتمد بسلم رواتبه الجديد الذي أسعد الجميع. وعملية تسكين من ينتسب للجامعة تطلبت شرطاً هاماً وهو وجوب أن تنطبق شروط شهادات وخبرات الموظف على الوظيفة التي يشغلها، الأمر الذي أجبر الجامعة على تحويل العديد من الموظفين المواطنين إلى التقاعد وفي نفس الوقت إنهاء عقود الموظفين من الجنسيات الأخرى وترحيلهم إلى دولهم الأصلية. وفي هذا لي قول؛ أنه كان على الجامعة أن لا تتسرع بتطبيق مقترحات تلك المؤسسة الأمريكية وعدم اعتماد اللغة الإنحليزية كشرط أساسي لاستمرار التعيين، حيث ان العمل الحقيقي لا يتطلب ذلك. وفي نفس الوقت كان على الجامعة تقديم دورات تدريبية لرفع المستوى الفني والمهني لهؤلاء القطريين. علماً بأنهم اكتسبوا خبرة لا بأس بها في العمل الجامعي. وتبع تسكين الموظفين أن طلبت تلك المؤسسة الأمريكية، بغرض الحصول على الاعتماد الدولي، تحويل الدراسة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية مما نتج عنه مشاكل جمة على الطلبة الذين أتوا من مدارس لا تعطيهم الجرعة الكافية من تدريس اللغة الإنجليزية، الأمر الذي أدى إلى إنهاء قيد الآلاف من الطلبة القطريين، وهذا الأمر الذي أعيبه على الجامعة.

وتحدث الدكتور ربيعة عن الجوانب الأكاديمية ونحن نقول له: إن الذي يملك الحق في فتح التخصصات وإغلاقها هو مجلس الأمناء برئاسة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ولي العهد الأمين. وعلى حد علمي، فقد تمت مراجعة كل البرامج الأكاديمية المطروحة على مستوى الجامعة ومقارنتها باحتياجات سوق العمل. ووجد من هذه المراجعة أن هناك من البرامج بشكله الحالي ما سيعيق خطط التطوير، فقامت الجامعة بتجميد القبول في تلك التخصصات حتى يتم تعديل خططها وفق المخطط العام، وقامت بإغلاق تخصصات أخرى بسبب وجود عدد كبير من خريجيها يعتبرون فائضاً في سوق العمل. ومن وجهة نظري أنه كان الأحرى بالجامعة أن تقيّم التخصصات على حسب أهميتها للمجتمع ودورها في خدمة التخصصات الأخرى، وليس حسب مرئيات تلك المؤسسة الأمريكية.

أما كلمة تخريب، كما أوردها الدكتور ربيعة فهي كلمة كبيرة. إن الجامعة لم تأت بما لم يأت به الأوائل. فالكثير من جامعات العالم المعتمدة أكاديمياً في أمريكا وأوروبا قد قامت بدمج الآداب والعلوم في كلية واحدة، وذلك بهدف توحيد وتكامل جهود العلوم الإنسانية مع العلوم البحتة، مما ينتج عنه تفاعل أكبر في فهم احتياجات المجتمع وإيجاد الحلول لما قد يواجهه من مشكلات عصرية. أما قوله بأن كلية الآداب والعلوم غدت الضحية لأنها من الكليات الضعيفة والمهزوزة، فهذا الكلام خطير لسبب بسيط جداً، أن الذي يقود العملية التدريسية والتقويمية والتنظيمية هم الأعضاء المنتسبون بالكلية ولا يوجد عليهم رقيب ولا حسيب إلا الله، فإذا كانت الكلية ضعيفة ومهزوزة فكيف يوثق بها في تخريج الأجيال القادمة التي ستقود النمو والتنمية في البلاد، فمن المعروف أن فاقد الشيء لا يعطيه.

أما إدعاء الدكتور ربيعة بأن مساعد تدريس يحمل درجة البكالوريوس يقود بالكامل كل الشؤون الأكاديمية والطلابية والمنهجية لأكبر كلية في الجامعة.. فلو سلمنا جدلاً بأن هذا الأمر حقيقي.. فلنسأل أنفسنا ما هي طبيعة الشئون الأكاديمية التي لها علاقة بالطلبة؟ إن هذه الأعمال، التي تتمثل في التسجيل ومتابعة عدد الساعات المكتسبة ومحاولة تسجيل الطلبة الذين شارفوا على التخرج في المجموعات المغلقة.. الخ، كان يمارسها موظفو القبول والتسجيل قبل تحويل مهمة التسجيل إلى الكليات. أما تعجبه من وجود موظف في المكتبة يحمل مسمى عضو هيئة تدريس، فهو العجب نفسه.. فالكل يعلم أن أساس تعييننا في الجامعة هو مسمى عضو هيئة تدريس ونكلف بالمناصب الإدارية، ومع ذلك نستمر بحمل مسمى عضو هيئة تدريس وهذا ينطبق حتى على رئيس الجامعة.

أما إدعاؤه بأن الجامعة في انحدار خطير ومستواها بدأ يقل عن المطلوب على مستوى التقييم العالمي، فلنتوجه بالسؤال لإدارة الجامعة: كم من البرامج الأكاديمية تم الاعتراف بها على مستوى العالم؟ وكم كان عددها سابقاً؟ وذلك فقط للوصول إلى الحقيقة التي هي مرادنا بدلاً من سماع القيل والقال. وأكلف بهذا العمل جريدة الشرق، كجهة محايدة، في البحث عن هذه الحقائق.

أما قول الدكتور ربيعة بأن هذا النائب الذي دمر الجامعة والكليات ومنها الآداب والعلوم، فأقول له ان الجامعة عندما تعمل فهي لا تعمل من وجهة نظر أحد المسئولين، بل العمل مؤسسي يقوده مجلس الأمناء الذي يرأسه سمو ولي العهد الأمين، وتم تكليف لجان علمية متخصصة لمتابعة تنفيذ توجهات مجلس الأمناء بقيادة واشراف رئيسة الجامعة. والدليل على ذلك أن نفس النائب الذي يقصده الدكتور ربيعة كان في تفرغ لمدة سنة كاملة ومع ذلك استمرت عملية التطوير ولم تتوقف. فإذا كان هناك تدمير للجامعة، ولا أعتقد بذلك، فالذي يسأل عن أي تدمير ليس النائب المقصود ولكن الذي يسأل هو مجلس الأمناء.

أما ما ذكره الدكتور حول ملف هدر المال العام وأن المليارات من الريالات تهدر سنوياً على غير المواطنين، فأنا أريد أن أعرف كيف يكون الهدر بالمليارات سنوياً وميزانية الجامعة لا تتجاوز 1.6 مليار، أكثر من نصفها مخصص للبند الرابع، وهي بيد وزير المالية والاقتصاد ويتم صرفها من خلال هيئة الأشغال العامة وليس من خلال الجامعة؟. أما قوله بوجود عميد مساعد سرب الجدول الدراسي لأقاربه وليس له من يعاقبه، ولا من يحاسبه. وللذين لا يعلمون نقول لهم ان الجدول الدراسي ليس مطبوعة توزع على الطلاب، كما كانت في السابق، بل هو ملف إلكتروني تتحكم به وحدة التسجيل، ومتى ما أصبح الجدول جاهزاً فيصبح متاحاً لجميع الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية، وذلك من خلال موقع الجامعة الإلكتروني، ولا يستطيع الطالب ولو كان ابن العميد أن يسجل في أي مقرر قبل فتح باب التسجيل للجميع في تواريخ محددة يتحكم بها الحاسب الآلي، وليس العميد المساعد ولا حتى رئيس الجامعة.

والعجيب أن الدكتور ربيعة يذكر أن دور "ديوان المحاسبة" لا يمثل الدور المطلوب في الرقابة الإدارية والمالية، بل دوره يقوم على الجانب الشكلي. ولنعد إلى قانون (4) لسنة 1995 بشأن ديوان المحاسبة الذي يذكر في المادة (1) أن ديوان المحاسبة جهاز مستقل له شخصية معنوية، يتبع سمو الأمير مباشرة. أما هدف الديوان فيتمثل بنص المادة (2) في "يهدف الديوان أساساً إلى تحقيق رقابة على أموال الدولة وأموال الجهات الخاضعة لرقابته والتحقق من سلامة ومشروعية إدارة هذه الأموال والمحافظة عليها". وكلام الدكتور ربيعة كلام خطير جداً لأن فيه تشكيكا في عمل الأجهزة التابعة مباشرة لولي الأمر. وليكن معلوماً للدكتور ربيعة أنه لو سلمنا بصدق كلامه، وهذا أمر مشكوك فيه، فإن الجامعة، بالإضافة إلى رقابة ديوان المحاسبة، تخضع، لضرورات الاعتماد الدولي، لرقابة مكتب تدقيق عالمي وليس محليا، وكل التقارير، الداخلية والخارجية، تبين سلامة موقف الجامعة المالي. حتى إنني شخصياً حضرت بالصدفة مناقشة بين أحد المسئولين بالجامعة ومدققي ديوان المحاسبة على 25 درهماً فرقا في الفواتير، فإذا كانت المحاسبة تتم على مستوى 25 درهماً فما بالك بالمليارات التي يدعي بها الدكتور ربيعة؟.

إن جامعة قطر هي الجامعة الحكومية الوحيدة في دولة قطر، وكلفها ولي الأمر بأن توفر القوى العاملة المؤهلة التي تستطيع بها الدولة أن تضمن تطورها ونموها، وقد يتطلب ذلك اجراءات تطويرية قد يراها البعض أنها قاسية وغير واقعية. ونحن نثق بأن الجامعة في هذا السياق سوف تستمر في تخريج كوادر مؤهلة لا يعترف بها في دولة قطر فقط بل يعترف بها العالم. ولكننا، في نفس الوقت، نقول ان على الجامعة أن تطور قواعدها وإجراءاتها لتكون في صالح المجتمع الجامعي، من طلبة وأعضاء هيئة وموظفين. وأن لا تنسى العمليات التطويرية الإيجابية التي كانت تطبق في السابق.

وقبل الختام أقول بأنني، والحمد لله، قد قمت بنقل كل أغراضي الشخصية من الجامعة، لأنني سوف أغادرها في 1 /7 /2012 للدخول في فئة المتقاعدين وليس لي مصلحة من قريب ولا من بعيد في الدفاع عنها.. لكن دفاعي عنها أتى لأنني من الرعيل الأول (اخوكم موظف بالجامعة منذ 1977) وساهمت في تأسيس جامعة قطر، ولا أرضى أن ينتقدها من لا يعرفها، وفي نفس الوقت فإنه لا يضيرني أن ينتقدها الجميع طالما إن الانتقاد حقيقي ويسعى للإصلاح. وشخصياً سوف أستمر في نقدها إذا شعرت بأن هناك ظلما وقع على طلبة الجامعة أو موظفيها أو أساتذتها.

وفي الختام فإني ألقي بعض اللوم على جريدتنا الحبيبة الشرق، بأنها سمحت لمثل هذه المقالات بأن ترى النور على صفحاتها تحت ما يسمى الحرية الإعلامية وحرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور القطري، ولنسأل أخي العزيز رئيس التحرير: هل ما ذكر في هذه المقالة يأتي في بند الإصلاح أم بند التشهير؟!..

والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع