العنوسة في قطر

العنوسة في قطر

بعد أن استمعت لخطبة الجمعة عن مشكلة العنوسة، قمت بالبحث عن الموضوع، وهالني ما كشفته من أرقام الفتيات المتأخرات عن سن الزواج في البلدان الإسلامية. والذي شد انتباهي أن في المملكة العربية السعودية مليونا وخمسمائة ألف عانس، وفي دولة قطر بلغت النسبة 15 % وفي دولة الكويت 18 % وفي مملكة البحرين 20 % من عدد النساء عانسات. وتلك الأرقام والنسب هي لمّن تجاوزن من العمر ثلاثين عاماً فقط وتتعاظم المشكلة إذا ما علمنا أن "عالم العنوسة" تنضم إليه عشرات الآلاف من النساء الخليجيات سنوياً. وينبغي التذكير بأن كل فتاة عانسٍ يقابلها رجل عانس أو عزب.

قال تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الروم: 21، وهذا رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر"، والذي أعرفه من أجدادنا وجداتنا، رحم الله أحياءهم وأمواتهم، إن المرأة في الماضي كانت عملة نادرة يفتش عنها الرجل في كل مكان ليتزوجها لدرجة أن المرأة عندما تطلّق أو يموت عنها زوجها وتنتهي عدتها فإن الرجال يأتون على باب أهلها وكلٌّ يُمنِّي نفسه بالزواج منها ولذلك ليس بغريب أن تجد المرأة السعودية متزوجة من بحريني والبحرينية من قطري والقطرية من سعودي. فما الذي حدث في المجتمعات الخليجية بشكل عام والمجتمع القطري بشكل خاص ونتج عنه تلك الإحصائيات الخطيرة عن نسبة العنوسة؟، وحتى أصل إلى جواب لهذا التساؤل فقد قمت من طرفي بسؤال العديد من العزاب والعازبات عن الأسباب التي أدت إلى عدم زواجهم حتى الآن، وهذا ما وجدته:

أولاً: أسباب مجتمعية: لقد كان أفراد المجتمع يعيشون في قرىً صغيرة أو في أحياء منفصلة عن الغير، ولهذا كان الجميع يعرف بعضه بعضا ويعرف الكل مَن هي الفتاة التي وصلت إلى سن الزواج فيتقدّم لها المقبلون على الزواج من الرجال. ومع تدفّق النفط وتطور إيراداته وتزايد الثروة عند الأفراد وتشتت سكن العائلات على مختلف الأحياء السكنية فقد سهّل من ظهور ميل نحو حياة محافظة استدعت عزل المرأة في نطاقها العائلي ومع وصول أعداد أكبر من غير القطريين إلى المجتمع القطري للعمل أدى ذلك إلى زيادة متانة الحواجز الحضارية حول المرأة القطرية مما قلّص من إمكانية مشاركتها في الحياة العامة وأصبحت غير معروفة إلا عن طريق الصدفة أو عن طريق "الخطَّابة". ولا ننسى رغبة الفتاة وأهلها في استكمالها تعليمها العالي، وأن الفتاة ذات العشرين عاما ما زالت صغيرة وغير قادرة على تحمّل مسؤولية الأسرة والأطفال، بالإضافة إلى عدم تثقيف الجيل بأهمية بناء بيت مسلم.

ثانياً: أسباب اقتصادية: فعلى الرغم من كتابة مبلغ 10 آلاف ريال قطري كصداق مسمى، لكن القيمة الحقيقية لتكلفة الزواج قد تصل إلى مليون ريال (شبكة محترمة، حفلة خطوبة أولى عند الموافقة وثانية عند الملجة (عقد الزواج)، ثم حفلة العرس، إحداهما للرجال وأخرى للنساء، حفلة ثاني يوم العرس، وهدية الصباحية، ورحلة شهر العسل وتكاليفها). أما الذي زاد الوضع سوءاً، هو تراجع فرص العمل، وتزايد البطالة بين الذكور المواطنين، مع العلم بأن عدد الوافدين في البلاد يزيد على 1.4 مليون نسمة (الوظائف موجودة ولكن غير المواطن هو المفضّل).

ثالثاً: أسباب أخرى: بروز ظاهرة الزواج من الأجنبيات، بالرغم من عدم الاعتراف بالأولاد من هذه الزيجات، وعدم موافقة الدولة على عقد هذه الزيجات إلا في حالات نادرة كارتفاع سن الزوج، أو إعاقة الزوجة، أو زواج الشاب القطري من إحدى قريباته من دولة أخرى. وهناك أيضًا عنوسة اختيارية أصبحت الفتاة الموظفة بموجبها غير مضطرة للزواج من أجل "السترة" لأنه تحت يديها مصادر مالية تعفيها من البحث عن زوج يصرف عليها. أما الشاب فإنه لا يبحث عن الفتاة المتعلّمة وبخاصة إذا كان تعليمه أقل من مستواها. أما أطرف تعليق سمعته من أحد الشباب قوله "إنني لا أرغب في الزواج بهدف قطع نسل أبي من الوجود".

فما هو الحل؟ إن الحل يكمن في قول سيد الأنام صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع وهو مسئول عن رعيته". ومن هذا الحديث الشريف فإن الإسلام ألقى مسئولية حلِّ مشكلة العنوسة في قطر على سمو الأمير المفدى وحكومته الرشيدة. إن الحكومة القطرية يجب أن تعمل على تشجيع الزواج لإحداث زيادة في عدد المواليد، كي يحدث توازن في عدد السكان. إن على الحكومة، أيضاً، القيام بتجفيف منابع البطالة من خلال تأهيل الشباب والعناية بتوظيفهم ودعم المشاريع الصغيرة وإصلاح أنظمة العمل وتحجيم الاستقدام الأجنبي. وعلى الجهات الإعلامية نشر ثقافة المهر المعتدل والزواج المختصر وتشجيع الزواج المبكر. ولا ننسى تقديم المساعدات المالية والقروض الحسنة للراغبين بالزواج، (الكويت تقدم 5000 دينار والإمارات تقدم 70 ألف درهم وتصرف قبل الزواج). وكذلك فإن على الأثرياء والمحسنين دوراً كبيراً في إنشاء صندوق خيري يموّل من قبل الحكومة ومن هباتهم وصدقاتهم وزكواتهم التي يخرجونها سنوياً والتي تذهب، بقدرة قادر، لمساعدة الدول والشعوب الأجنبية، ولا ينتفع بها أهل قطر. وعليهم، كذلك، تشجيع الوقف لصالح برامج المساعدة على الزواج وتشجيع حفلات الزواج الجماعي حتى تنخفض تكلفة الزواج.

وفي الختام نقول إن مشكلة العنوسة كارثة اجتماعية خطيرة يمرّ بها مجتمعنا، وإنني أرى أن تزويج المواطنين هو أهم وأولى من تمويل إعمار بعض المناطق خارج الحدود القطرية، ومن الصرف على برامج الرياضة، والفنون، والمهرجانات، والحملات الدعائية، بل هو أهم من تمويل الكثير من مشاريع البنية التحتية. وعليه فإننا نقول للحكومة ولكل أثرياء قطر ارحموا جيل الشباب وارزقوهم مما رزقكم الله وذلك بهدف استكمال نصف دينهم وحتى يخرج جيل من الشباب الواعي يدعو لكم وليس عليكم.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع