خيرنا لغيرنا

خيرنا لغيرنا

في صباح أحد الأيام كانت هناك مجموعة من القطريين يجالسونني في مكتبي بالجامعة وكنا نتحدث عن مقالة "وزارة البلدية ضد الوطنية" التي نشرت بتاريخ 25/3/2012 وكان الحديث مركزاً على الامتيازات التي تمنح لغير القطريين وأنهم مفضلون في كل الجوانب على المواطن. وتدخلت إحدى الأخوات القطريات قائلة: لقد أخذت ابنتي الطفلة لتسجيلها برياضة (..) لدى أحد الاتحادات المخصصة للمرأة، فما كان منهم إلا أن رفضوا تسجيل ابنتي بحجة أنها إذا كبرت سوف تلبس حجابا ولن تمارس الرياضة مع العلم أن شعار الاتحاد الأفضلية للقطريات. وبينما هي خارجة من مقر الاتحاد صادفت إحدى النساء العربيات التي وفقها الله في تسجيل ابنتها في نفس الاتحاد وبادرتها هذه السيدة العربية بالقول: إنني أتعجب منكم أيها القطريون، توفرون للمقيمين كل خيرات البلد وتحرمون منها المواطنين مع العلم أننا في يوم من الأيام سوف نغادر قطر نهائياً إلى موطننا الأصلي. ومن تعليق السيدة العربية انتقل الحديث إلى وجهة أخرى وهي ما هي الخيرات التي حرم منها المواطن الذي عرف عنه طيبة قلبه. وبسؤالي عدة أفراد من المواطنين عن هذا الموضوع تلقيت هذه الإجابات:

أحد الأشخاص في مؤسسة حكومية كبيرة يقول لي: أنا أشتغل في (..) ولا أزال أدرب وأعلم وافدين في نفس تخصصي وتبلغ رواتبهم مثل راتبي مرتين ولولا زيادة الرواتب التي أمر بها سمو نائب الأمير حفظه الله لكان الفرق أكبر. وقال آخر: موظف وافد يعمل في (..) راتبه عال جداً مع سكن وسيارة آخر موديل فل اوبشن وبدل جوال ومكافآت وتدريس أولاده على حساب الدولة وتذاكر سفر...الخ، وأنا المواطن الذي أمارس نفس عمله، لا أمنح أي شيء مما ذكر لأني في بلادي والوافد مسكين متغرب. ولاعب مواطن يقول: أحد اللاعبين الأجانب في نادي (..) يتسلم راتبا شهريا خرافيا، وراتب شهر واحد يعيشني أنا وعائلتي عدة سنوات في بحبوحة لا تتصورها (راتب هذا المواطن الشهري لا يتعدى 1 % من راتب ذلك اللاعب الوافد). أما الصدمة الحقيقية هي ما ذكره أحد المواطنين بقوله: لقد ملئت الصحف ببرنامج تقطير الوظائف وأن الأفضلية في التعيين هي للقطري وعلى هذا قدمت أوراقي لجهة حكومية وفي نفس الوقت تقدم معي لنفس الجهة ثلاثة من الوافدين وقد تم تعيينهم ورفض طلبي بحجة أنه لا توجد شواغر وقمت بالسؤال عن أسباب قبول الوافدين ورفضي فتم تحويلي إلى أحد الوافدين للإجابة على تساؤلي، وعندها عرفت أن الحل والربط بأيدي الوافدين، الذين يتهمون المواطن بأنه غير مؤهل وغير قادر على العمل ولا يحترم قوانين العمل، وليس بيد المسؤول القطري. أما أطرف التعليقات التي سمعتها فهي القول بأن هذا النوع من المعاملة يعتبر من الظلم الجماعي للمواطنين قصد منه عدم خلق حساسيات بينهم في التفضيل مصداقاً لما ورد في جزء من المادة (19) التي تؤكد على.. تكافؤ الفرص للمواطنين، والمادة (34) المواطنون متساوون.

إن العمالة الوافدة، التي توصف بأنها المسكينة المتغربة، هم أكثر سيطرة وأكثر ثراء في قطر ولكن عندما ننظر إلى نسبة استثماراتهم داخل قطر نجدها تقل عن 5 % بالمقارنة مع نسبة تحويلاتهم إلى موطنهم الأصلي. يعني هم، ما عدا قلة قليلة منهم، لا يصرفون شيئا داخل قطر. ونجدهم في كثير من الأحيان هم المسيطرون على نشاطات القطاع الخاص التي سببها التستر من قبل المواطنين. والمشكلة أنه إذا نافسهم احد من المواطنين في نفس المجال دمروه وخسروه لأنهم هم تجار الجملة ولديهم شبكات توزيع من نفس جنسياتهم وبالنهاية لن يخسر سوى هذا الوطن الذي تمتص ثرواته للخارج بدون حسيب ولا رقيب. وبحسب آخر إحصائية من مصرف قطر المركزي فإن التحويلات من الوافدين للخارج في عام 2010 وصلت إلى 28.8 مليار ريال قطري في حين أن تحويلات الأرباح الصافية للشركات الأجنبية، المقدمة على الشركات القطرية في كل الميادين، وصلت إلى 58.8 مليار ريال قطري (مجموع التحويلات بلغ أكثر من ثلث الإيرادات النفطية). وفي نفس الوقت يجب ألا ننسى أن دولة قطر هي الأولى في توزيع المساعدات عالمياً، وفي الاستثمار العالمي، وفي جلب المرضى من الدول الأخرى وعلاجهم بالمجان سواء داخل الدولة أو خارجها، وفي حماية حقوق الوافد وليس المواطن. فنحن القطريين نعتبر مثالاً لتقديم غيرنا على أنفسنا متمثلين بقوله تعالى "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" الحشر: 9.

إن التفاعل الكبير الذي لاحظته مع موضوع خيرنا لغيرنا هو مؤشر على عمق المشكلة واستفحالها وينبئ بوجود تذمر شعبي كبير لما يحصل على الأرض القطرية، وبالتالي يجب البدء الفوري في معالجتها حتى لايزداد الوضع سوءاً وتزداد معاناة المواطن. نعم نحن الآن لا نحتاج إلى قرارات متسرعة قد تعود بنتائج عكسية بل نحن بحاجة إلى دراسة واكتشاف الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه المشكلة ومن ثم العمل على حلها وعدم استمرارها حالياً وتجنب حدوثها مستقبلاً لصالح دولة قطر والقطريين والوافدين.

والله من وراء القصد

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع