وزارة البلدية ضد الوطنية

د.محمد بن علي الكبيسي

وزارة البلدية ضد الوطنية

هناك أمر لا أفهمه من تصرف بعض كبار المسئولين من العمل ضد كل ما هو وطني. فهذا يقدم الموظف غير القطري على القطري والآخر يقدم الشركات غير القطرية على القطرية حتى وصل الأمر أن الابتسامة التي ترسم على وجه المسئول لغير القطري أحلى وأجمل من الابتسامة للقطري، هذا إذا أعطاه في الأصل ابتسامة. وآخر التقليعات أتحفتنا بها إدارة من إدارات وزارة البلدية والتخطيط العمراني التي نشرت وباللغة العربية والإنجليزية إعلاناً يطلب من الشركات الدولية (الأجنبية)، ويمنع منعاً باتاً على الشركات القطرية المواطنة، التقدُّم لتأهيلهم بغرض تصميم حديقة روضة الخيل أو ما يسمى سابقاً بحديقة المنتزه.

وأخذت نسخة من الإعلان التحفة وتوجهت لأخي المهندس إبراهيم بن عبدالرحمن الباكر (شيبة المهندسين القطريين)، الذي وجدت قسمات وجهه مليئة بالأسف والحسرة وقبل أن أتحدث إليه بادرني بالقول عما يكابده من تعمُّد الجهات المختلفة بالدولة في إهمال المكاتب الهندسية القطرية وأخرج لي من الدرج نفس الإعلان الذي كان معي ومعه رسالة شكوى موجهة إلى سعادة وزير البلدية والتخطيط العمراني. وذكر المهندس الباكر في تلك الرسالة، التي استطعت النظر في محتوياتها، كم تعاني المكاتب الهندسية القطرية من تحمل مصاريف كبيرة للبقاء والحفاظ على تراخيصها المكلفة مادياً والمستهلكة للجهود نتيجة للإجراءات المطلوبة من أجل التصنيف والتسجيل وتجديد التراخيص. مضيفاً في تلك الرسالة: أنه من أجل المحافظة على ترخيص مكتب محلي درجة أولى يجب أن يكون لدى المكتب عدد من المهندسين لا يقل عن 14 مهندساً درجة أولى في تخصصات المعماري والمدني والكهروميكانيكي، غير العمالة الفنية من مصممين ورسامين وعاملين اوتوكاد أضف إلى ذلك الإيجار وقيمة المنافع الأخرى، ومع تلك المصاريف التي يضخها المكتب القطري في دورة الحياة الاقتصادية في المجتمع المحلي فإنه يتم إهماله إهمالاً كاملاً في مناقصات الأعمال المحلية وتفضل عليه المكاتب العالمية. ويستمر المهندس الباكر في رسالته: والمشكلة أن الإعلان الذي نتحدث عنه لا نعلم إذا كان قد نشر عالمياً ولكنه نشر بشكل علني في الصحف القطرية وموجه فقط للمكاتب الأجنبية وكأن الإعلان في نسخته العربية هو فقط ليقرأه القطريون وتحترق قلوبهم ويتحسروا على ما آلت إليه أوضاعهم في ظل توجه المسئولين القطريين الذين يعشقون كل ما هو أجنبي. وذكر المهندس الباكر في رسالته لسعادة الوزير أنه تقدم بطلب الحصول على المستندات من أجل دراستها واختيار مكتب عالمي مناسب ليتحالف معه بهدف التقدُّم للمناقصة، ولكن الإدارة المختصَّة رفضت ذلك وقالت إن هذا الإعلان للشركات العالمية فقط،

وخرجت من مكتب المهندس الباكر وقد أثقلت بالهموم لهذه الحرب المعلنة على كل ما هو قطري وهذا الاستنزاف للموارد القطرية سواء كانت مادية أو بشرية، وعرفت في هذا الوقت حقيقة حجم العوائق الكبيرة التي تواجه سمو الأمير المفدى في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030. والمشكلة أن هذه العوائق تأتي من قطريين استأمنهم سمو الأمير المفدى لقيادة هذا التوجه الاستراتيجي المهم الذي سينقل دولة قطر نقلة نوعية إلى المستقبل.

إن مثل هذا التوجُّه في أجهزة الدولة سيقود إلى نتيجة حتمية وهي إغلاق جميع المكاتب الهندسية القطرية وبالتالي ستعتمد البلاد على المكاتب الأجنبية وهذا في حد ذاته يناقض السياسة المعلنة من الدولة لخلق جيل تنافسي وطني. فها هو سمو ولي العهد الأمين يعلن صراحة في حفل تدشين إستراتيجية التنمية الوطنية بتاريخ 28 /3 /2011 "تفصل هذه الإستراتيجية السبل والأدوات التي يجب أن تلتزم بها مؤسساتنا لتحقيق النمو المتوازن والمستدام الذي يراعي احتياجات الأجيال القادمة والذي يتطلب الاستخدام المسئول لمواردنا". ويضيف سموه في تلك الكلمة قائلاً: "إن لكل فرد ومؤسسة رسمية وغير رسمية في قطر دورا في تنفيذ إستراتيجية التنمية الوطنية وعلينا جميعا أن نلتزم التزاماً كاملاً بالأهداف الطموحة لهذه الإستراتيجية وان نبذل أقصى الجهود لتحقيقها". أما معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية فقد ذكر، في نفس حفل التدشين،: "أن تحقيق أهدافنا في التنمية المستدامة ليس مسئولية الدولة وحدها بل هي مسؤولية وطنية يجب أن يشارك فيها الجميع"، وحدد معاليه أن الإستراتيجية تواجه "تحديات كثيرة: منها الحاجة إلى اقتصاد أكثر تنوعاً مكملاً لأنشطة النفط والغاز غير المتجددة وإنشاء قطاع خاص حيوي ذي قاعدة واسعة والتعزيز المستمر للتنمية البشرية للاستفادة من فرص المستقبل". وللأسف نجد أن فعل هذه الإدارة، وغيرها ممن ينتهجون نهجها، نسفت كل ما تم التخطيط له من أعلى قيادات الدولة. فهل هذا التصرف سيقود إلى الاستخدام المسئول لمواردنا أو سيؤدي إلى إنشاء قطاع خاص ذي قاعدة واسعة.

إنني أعرف، عز المعرفة، أخي سعادة الشيخ المهندس عبدالرحمن بن خليفة آل ثاني، وزير البلدية والتخطيط العمراني، وأعرف عنه حبه لكل ما هو قطري لدرجة أن شهادته الجامعية، مع قدرته للحصول على بعثة دراسية بالخارج، اكتسبها من جامعة قطر. وأعرف عنه أنه ديمقراطي ولا يحب المركزية ولهذا فقد أعطى لكل مدير إدارة حرية الحركة في مجال عمله بهدف تحقيق الإنجازات بشكل أسرع. وهنا تكمن المشكلة فقد تصرّف البعض منهم، وللأسف، بخلاف ما تخطط له قيادات البلد.

وفي الختام نأمل أن تصحح الوزارة، وغيرها من الأجهزة الحكومية، خط سيرها وأن تعترف بكل ما هو قطري وتعتز به بهدف إنشاء قطاع خاص قطري قوي يستطيع المنافسة عالمياً، وأن نبتعد عن كل ما هو أجنبي لصالح مستقبل البلاد. أما الحل الآخر فإننا سوف نقوم بتغيير هيئاتنا ونرمي الثوب والغترة والعقال ونلبس البدلات والكرفتات ونرطن بالإنجليزي وننشئ شركاتنا في خارج قطر لنعمل في داخل الدولة، وكل ذلك ليس بهدف الكسب المادي فقط ولكن لنضمن أن نطور بلادنا، لحبنا فيها ولها، بأيدينا. يا زينه الدكتور محمد الكبيسي يتمشى على الكورنيش بالبدلة والشعر أشقر بسايل.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع