مشواري مع جامعة قطر

مشواري مع جامعة قطر

مع أن سن التقاعد تم رفعها في جامعة قطر لتصبح 65 سنة بدلاً من 60 سنة، إلا أنني آثرت، بعد خدمة الجامعة والمجتمع لأكثر من 35 عاماً، أن أغادر الجامعة بنهاية هذا العام الجامعي للدخول، مع من سبقني من الإخوان والأخوات، إلى بند المتقاعدين.

وبداية دراستي الجامعية كانت في كلية التربية للمعلمين والمعلمات في دولة قطر وكنت ضمن أول دفعة تدخل الكلية، وأول دفعة تتخرج منها. ومن الحوادث المثيرة التي مرت علي وأنا طالب زواجي من أم حمد الطالبة بالكلية بنهاية السنة الثانية وقيام الجامعة بتوفير جميع الطاولات والكراسي وإعداد المسرح لحفل الزواج بالمجان "أول كبيسي يتزوج على مسرح". أما الحادثة التي لم أجد لها تفسيرا حتى الآن فهي لماذا تم توجيه أصابع الاتهام لأخيكم في الله، مع طالب آخر، كمحرض لإضراب الطلبة لزيادة الرواتب، ولكن النتيجة المهمة والحلوة أن رواتب الطلبة قد زادت. وبعد التخرج وصلني عرض من الجامعة، بدون أن أتقدم لها، للعمل بها كمعيد، ولأني كنت أرغب في أن أصبح ضابطاً في الداخلية فقد استشرت خالي خليفة بن غانم الكبيسي مساعد مدير الجوازات في تلك الأيام، الذي أصر، رحمة الله عليه، على أن أقبل بعرض الجامعة وأذهب لاستكمال الدراسات العليا. وبعد فترة التجهيز ودراسة اللغة الإنجليزية والتوجيه المستمر من سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله بن جمعة الكبيسي مدير الجامعة الأسبق التحقت بجامعة درهام ببريطانيا. وزاملني في الدراسة بنفس الجامعة أختي سعادة الأستاذة الدكتورة شيخة بنت عبدالله المسند، رئيسة جامعة قطر، التي لم تنقطع قط عن زيارة أختها وزميلتها في جامعة قطر أم حمد. وعندما نذهب لزيارتها كنت أجدها دائماً تدرس وفي بعض الأحيان أجدها تقرأ من مصحف كتبت عليه كلمات إهداء من والدها، تغمده الله برحمته. وتخرجت من بريطانيا في 1984 بشهادة الدكتوراه. ومن الحوادث الطريفة التي حدثت في تلك الفترة أن الطلبة العرب قدموا مذكرة احتجاج لرئيس جامعة درهام على تحويلي إلى درجة الدكتوراه ولم يمض على التحاقي بالجامعة سوى ثلاثة أشهر في حين أن بعضهم له ثلاث أو أربع سنوات ولم يتم تحويلهم. ووجد رئيس الجامعة، بعد التحقيق في الاحتجاج، أن ما قمت به في الثلاثة أشهر يعادل 75 % من متطلبات الدكتوراه. وعليه فقد أطلق علي رئيس جامعة درهام مسمى عمدة الطلبة العرب، والصراحة اني خفت من عيون الحاسدين وقمت بالدراسة على أقل من مهلي.. واستطعت، خلال تلك الفترة، توحيد عمل اتحاد الطلبة العرب "هيمنة عراقية" واتحاد الطلبة المسلمين "هيمنة سعودية" المتنافرين. وعدت لجامعة قطر وكلي حماس للقيام بمهامي كعضو هيئة تدريس. وفي النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي بدأت عملية إحلال القطريين في الوظائف الإدارية بالجامعة وعليه فقد تم تكليف القطريين بمهام وكلاء الكليات الجامعية، واستلمت على هذا الأساس وكالة كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية وبدأنا كقطريين بتطوير العمل من منظور مختلف. وخصصت جزءاً من وقتي لمحاسبة أعضاء الهيئة التدريسية عن تصرفاتهم داخل وخارج الجامعة وقمت لأسباب وجيهة بإنهاء عقود أكثر من 25 عضواً وكان للقائمة بقية. وبما أن الكلية مقبلة على انتخابات العمادة فخافت تلك الفئة الباقية على وظائفها بالجامعة واجتمعت شلة منهم لينسجوا شباكهم بغرض الحيلولة دون وصولي للعمادة. وللأسف نجحت تلك الشلة في تغيير نتيجة الانتخابات "لكن كل الشلة، والحمد لله، أصابتهم عين كبيسي ما ترقعوا من عقبها". وهذا الأمر زادني إصراراً لتطهير الكلية لمصلحة الجامعة والبلد. وبعد أن اطمأن قلبي إلى الكلية تم تكليفي بمهام عميد شئون الطلاب. وبمساعدة أخي السيد بدر السادة تم إكمال تحويل نظام القبول والتسجيل إلى النظام الآلي ووضعنا قواعد الدراسة الجامعية. وبمساعدة أخي السيد سالم المري قمنا بتنظيم الأنشطة الطلابية واستطعنا بمواردنا البسيطة الحصول على المراكز الأولى في جميع البطولات الرياضية والثقافية على مستوى الخليج العربي. وبمساعدة أخي السيد ناصر النعيمي قمنا بترتيب السكن الجامعي لأعضاء الهيئة التدريسية والطلبة. ومع كل ذلك النشاط لم أنس خدمة المجتمع فقدمت الاستشارات لكثير من الجهات الحكومية والمؤسسات ذات النفع العام وأشرفت على تنفيذ الكثير من الفعاليات والبرامج التي تخدم المجتمع القطري. ومن الحوادث التي حصلت في هذه الفترة أن وقع علينا تنظيم بطولة الألعاب الرياضية لجامعات دول الخليج التي شارك فيها أكثر من 470 لاعباً وهو أول حدث بهذا الحجم في قطر والحمد لله كانت البطولة ناجحة بكل معنى الكلمة وفزنا بجميع الألعاب ما عدا واحدة فقط. ومن الحوادث الخطيرة في تلك الفترة قيام العراق بغزو الكويت وكان الخوف منصباً على السجلات الطلابية فقمنا بتخزينها في ثلاثة أماكن متفرقة بالإضافة إلى نسخة في المصرف المركزي. وأتى اليوم الذي شرفني به سمو الأمير المفدى عندما اختارني لأكون ضمن اللجنة التي كلفت بإعداد الدستور الدائم للبلاد.

وبما أن دخولي للجامعة كان مليئاً بالعمل فقد آثرت أن يكون خروجي أيضاً مليئاً بالعمل لخدمة المجتمع والصالح العام، فوقع الاختيار على جريدة "الشرق" لتكون منبراً لهذا العمل واتفقت مع أخي الكريم السيد جابر بن سالم الحرمي رئيس تحرير جريدة "الشرق" على تخصيص عمود أسبوعي هدفه تثقيف الرأي العام ومراقبة وتحسين أداء المجتمع وتجنب العقبات التي قد تعترض تنفيذ خطط التنمية التي أرسى دعائمها سمو الأمير المفدى. وفعلاً الرجل، بارك الله فيه، لم يقصر فوضع إمكانيات الجريدة تحت تصرفي.

وفي الختام فإني أتقدم بالشكر الجزيل لصاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى الذي كان يدعمني بشكل مباشر وغير مباشر في فترة عمادتي لشئون الطلاب، والشكر يمتد ليشمل كل مديري الجامعة السابقين وعلى رأسهم سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله الكبيسي. ولا أنسى أن أشكر كل من وضع يده بيدي بإخلاص، وعددهم ليس بالقليل، لتحقيق آمال وأحلام المجتمع القطري. وأتقدم لكل من أسأت له، طبعاً بدون قصد، أن يغفر لي زلاتي ويسامحني إن أخطأت في حقه وأسأله أن يتوجه بالدعاء لي وليس علي.. اللهم اجعل أعمالي، السابقة واللاحقة، كلّها خالصة لوجهك الكريم وارزقني الإخلاص في القول والفعل والعمل.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع