وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا

"وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا"

كشف مصدر لجريدة الشرق نشرته بتاريخ 16 /1 /2012 أن قانون التقاعد سوف يصدر في حلته الجديدة بعد التعديل قريباً. وسواء صدق المصدر أو كان من الكاذبين، فالمهم أن القانون، الذي كانت لنا وقفة ضده (انظر الشرق 27 /3 /2011)، سوف يصدر وفي هذا، وإن شاء الله أكون على خطأ، خطر على البلاد والعباد.

إن السبب الرئيسي الذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع، مرة أخرى، هو ما تسرب من معلومات شبه مؤكدة أن القانون في حلته الجديدة، الذي سيصدر تحت مسمى قانون التقاعد والتأمينات الاجتماعية، قد يلغي جزءاً ليس يسيراً من القرار الأميري رقم 50 لسنة 2011 بزيادة الرواتب الأساسية والعلاوة الاجتماعية والمعاشات للموظفين والمتقاعدين القطريين من المدنيين والعسكريين في الدولة وبخاصة أولئك الذين سيحالون إلى التقاعد خلال السنة الأولى من تطبيقه أو التي تليها. فبعد أن استجاب رب العالمين لدعاء المواطنين برفع جزء من صعوبة الحياة الدنيا، ويسر السبل لولي الأمر لإصدار قراره بزيادة الرواتب بمعدل 60 % للمدنيين، 120 % للعسكريين، نتفاجأ بأن الجهات المختصة جاهزة لإصدار التعديل لقانون التقاعد، والذي سيطلق عليه في حلته الجديدة مسمى قانون التقاعد والتأمينات الاجتماعية. وقلت في مقالة سابقة إن هناك أطرافا وقفت ضد زيادة الرواتب (انظر الشرق 4 /12 /2011) ولكن الظاهر أن تلك الأطراف مع أيد خفية أخرى، ممن أنعم الله عليهم بالخير الكثير، تعمل بكل ما أوتيت من قوة على أن يبقى المواطنون في مستوى من المعيشة أقل ما يوصف به أنه في مستوى الصراع من أجل البقاء. ولقد وصف رب العالمين هؤلاء الأشخاص في أبلغ أنواع الوصف بقوله "إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" آل عمران: 120.

ولقد وصل إلى علمنا أن قانون التقاعد والتأمينات الاجتماعية عرف المعاش التقاعدي بأنه متوسط راتب المواطن الذي أحيل للتقاعد خلال السنوات الثلاث الأخيرة وهذا يعني أن المواطن الذي كان يستلم 000ر10 ريال كراتب أساسي قبل الزيادة وأصبح راتبه بعد الزيادة 000ر16 ريال سيصبح راتبه التقاعدي 000ر12 ريال وليس 000ر16 ريال الذي يمثل آخر راتب تسلمه المواطن، وفي هذا ظلم للمواطن. وأيضاً يجب ألا ننسى أن تنفيذ القانون يعد مخالفة صريحة للقرار الأميري بزيادة راتب المدني بمعدل 60 % حيث أن الزيادة للمواطنين المدنيين بهذا الأسلوب لن تتعدى 25 %. أما الموظف العسكري فإن خسارته من الزيادة التي أمر بها ولي الأمر هي أكبر من المدني. الأمر الآخر، وكما فهمناه من التصريحات، بأنه ستتم زيادة اشتراك التقاعد الذي يدفعه المواطن من 5 % إلى 6 %، وهذا بحد ذاته يعني رفع قيمة الخصم الشهري من رواتب الموظفين. والمشكلة الأكبر أنه وفي الوقت الذي يدفع المواطن الاشتراكات الشهرية لصندوق التقاعد بحسب راتبه مهما كان حجمه ولو كان، على سبيل المثال، مائة ألف ريال، فإن راتبه التقاعدي لن يتجاوز مبلغ 50 ألف ريال شهرياً. فكيف يسمح المشرع لنفسه أن يحدد راتب المتقاعد بما لا يتجاوز 50 ألف ريال وفي نفس الوقت يخصم عليه مبالغ أكبر. فيصبح عندنا حسب هذه المعادلة الجديدة كفتان: 1. زيادة الراتب التي أمر بها نائب الأمير في كفة. 2. وضياع جزء من الراتب وزيادة اشتراك التقاعد وتحديد حجم الراتب التقاعدي في كفة أخرى. ونتيجة لذلك فإننا سنجد أن كفة الإجراءات التعسفية ضد المواطنين هي التي ستطغى على كفة زيادة الراتب.

ومن المتوقع، كما قيل لنا، أن دولة قطر ستخالف التوجه العالمي في تأخير سن التقاعد، كما يحدث في دول مثل فرنسا وايطاليا، إلى التعجيل في التخلص من المواطنين حتى قبل أن يصلوا إلى سن 60 عاماً، وهذا يعني بكل بساطة الاعتماد أكثر وأكبر على العمالة الوافدة في كل ميادين العمل. وسيوضع المواطنون، وبجدارة، على الرف لأنهم سلعة، مع ندرتها، انتهت فترة صلاحيتها وسيتعرض من يستخدمهم (أو يوظفهم) للمساءلة من إدارة حماية المستهلك.

إن قانون التقاعد والتأمينات الاجتماعية المخطط له يحتوي العديد من المواد التي لم نطلع عليها ونتمنى أن تكون في صالح المواطنين، ولكن هذا لا يمنعنا من الاستغراب من نهج بعض أعضاء الحكومة القطرية بزيادة هموم المواطنين أكثر وأكثر. ونتساءل لماذا يقوم بعض أعضاء الحكومة بتجاهل حقوق المواطنين؟، نحن نعلم علم اليقين، والحمد لله، أن ولي أمرنا، مهما طالت أصوات الحاقدين، لا يتراجع في قرار اتخذه لصالح الوطن والمواطنين. والعجيب أن سمو نائب الأمير حفظه الله يكرم الشعب القطري ويأتي من هو أقل من سموه في المقام والدرجة لحرمان الشعب القطري من تلك المكتسبات.

وفي الختام نقول إن قطر دولة عدل وحق وخير وليست دولة ظلم، والعالم أجمعه يشهد على سلوك دولة قطر هذا المسلك الطيب ويجب ألا نسمح لحفنة من الحاقدين استمرارهم بمس مصالح الوطن والمواطنين. واستغرب من عدم نشر مسودة القانون، كأنه سر من أسرار القنبلة الذرية (حتى القنبلة الذرية لم تعد سراً)، لمناقشته وعقد ندوات حوله ومشاركة الجميع في إعادة صياغته قبل أن يصل لمرحلة التوقيع والاعتماد من صاحب السمو أمير البلاد أو نائبه حفظهما الله.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع