دور إدارة حماية المستهلك

 

دور إدارة حماية المستهلك

كل ما أفتح الراديو على برنامج وطني الحبيب أو أقلب صفحات الجرائد المحلية أو أتصفح بعض مواقع الإنترنت القطرية أجد المشاركين ينتقدون عمل إدارة حماية المستهلك وأنها لا تحمي المستهلكين من ارتفاع الأسعار أو تفاوت تلك الأسعار من مكان إلى آخر، وفي معظم الأحيان يقارنون أسعار السلع والخدمات في قطر مع أسعار ما يقابلها في دول المنطقة. وهنا نشأ سؤال كبير وهو: هل باستطاعة إدارة حماية المستهلك التحكم في الأسواق ومخالفة الشريعة الإسلامية والقوانين القطرية؟

يعتبر السوق من الموضوعات المهمة عند المسلمين لأن النشاط الاقتصادي يدور حول السوق ولهذا نجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قام بعد بناء المسجد النبوي في المدينة المنورة ببناء السوق الإسلامي ووضع له شروطاً مهمة وهي:

• أمر بشكل واضح وصريح بأنه لا خراج ولا رسوم على المشترين والداخلين إلى السوق لأن الله عز وجل فرض حق المال وهو الزكاة أما الضرائب وهي المكوس فإنها محرمة بشكل صريح.

• نهى عن الاحتجاز أي حجز مكان محدد لتاجر محدد لأن ذلك يعني تحول السوق كله مع الوقت إلى ملكية تجار محددين وإغلاقه أمام القادمين الجدد.

• نهى عن الاحتكار فقال "لعن الله العبد المحتكر إذا أرخص الله الأسعار حزن، وإذا أغلاها فرح".

• نهى عن بيع الحاضر للباد أي منع ما يشبه الوكلاء التجاريين أو الوسطاء هذه الأيام لأن ذلك يقطع العلاقة بين المستهلك والبائع الأساسي فيرفع السعر بواسطة الوسيط.

• نهى عن تلقي الركبان بمعنى ملاقاة قوافل البضائع خارج السوق وشراء هذه البضائع منهم قبل أن يعرفوا أسعارها في سوق المدينة لأن ذلك ينشئ سوقاً خاصة خطرة على المنتج والمستهلك.

• نهى رسول الله عن أنماط محددة من التجارة وأنواع من البيوع التي تؤدي إلى غش في الكمية والنوعية.

وفي نفس الوقت شجع التجار على الأمانة والنصيحة والإحسان والتجاوز عن الإعسار والتهاون في الأسعار.

ولهذا فإن السوق في الإسلام يقوم على أساس المنافسة الحرة ولكنها ليست حرية مطلقة أو منفلتة ولكنها حرية منضبطة بميزان الإسلام. ويقتضى نظام المنافسة الحرة في السوق أن تكون الأسعار نتيجة للعرض والطلب. ولذلك فالأصل في الإسلام عدم التسعير إلا لضرورة تقتضيها ظروف المجتمع. فالإسلام بهذا الفكر حرك السوق لكي تتحقق فيه المصلحة لكل من البائع والمشترى.

وليس ببعيد عن هذا التوجه الإسلامي ما ذكره سمو الأمير المفدى في خطابه أمام مجلس الشورى بتاريخ 1 /11 /2011 قائلاً: كما يجب الحرص على عدم ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، وذلك بزيادة العرض في مواجهة الطلب، ولا بد من تنافس المزودين في الجودة وفي السعر، ووضعهما سوية تحت رقابة الدولة. والدول التي تفرض فيها الأسعار من أعلى هي الدول التي توجد فيها احتكارات وليس في دول الاقتصاد التنافسي "الحر". حتى أن المشرع القطري عندما سن اختصاصات إدارة حماية المستهلك لم يخالف الشرع الإسلامي فذكر أن من اختصاصات إدارة حماية المستهلك مكافحة الغش التجاري، وحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وتوعية المستهلك وإصدار التراخيص للتخفيضات والتنزيلات. أما اختصاصات الإدارة في الأسعار فهي لا تتعدى مراقبة أسعار السلع والمواد والخدمات في الأسواق، وإعداد التقارير اللازمة عن اتجاهات تطورها محليًا ودوليًا.

ومما سبق كله يتضح أن دور إدارة حماية المستهلك ليس له علاقة بحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار أو تفاوت تلك الأسعار من مكان إلى آخر وهنا لا بد أن نتساءل متى تتدخل الدولة في فرض الأسعار وتحديد مقدار الربح؟.

إن الأصل في المعاملات في التشريع الإسلامي، كما ذكرنا، أن تكون حرة، أي لا يجوز للدولة أن تتدخل في إرادة المتعاقدين وأنه لا يجوز لولي الأمر أن يتدخل في تحديد الأسعار، ويجب عليه أن يتركها حرة يحددها قانون العرض والطلب الذي يسير عليه التجار تحقيقاً لقوله تعالى ".. إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ.." النساء: 29. إلا إن التسعير في بعض الأحيان واجب، وذلك عندما تستدعيه الضرورة العامة وحماية مصالح الجماعة، لأن بعض التجار يتلاعبون بالأسعار فيحتكرون السلع ثم يفرضون سعراً معيناً مما يضطر الناس إلى الشراء بهذا السعر الذي قد يكون أكثر بكثير من الثمن الحقيقي. وهنا تبيح قواعد الشريعة أن تتدخل الدولة لتمنع هذا الاستغلال، ولتحمي مصالح الجماعة أمام استغلال تلك الطبقة من التجار لأن مصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الأفراد، فإذا أدت تلك الحرية إلى الإضرار فعندئذ لا خلاف بين العلماء في ضرورة التسعير. ولكن هذا الأمر لا يجبر التجار على البيع، ولكن يمنعهم من البيع بغير السعر المحدد.

وفي الختام نرى أنه يجب عدم إلقاء اللوم على إدارة حماية المستهلك بل يجب أن يطلب من الدولة أو من ولي الأمر القيام بتصميم برامج للدعم الحكومي المسموح تتماشى مع السياسة النقدية ومشاريع الأمن الغذائي والاجتماعي وغيرها.

ونذكركم ونذكر أنفسنا بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وهو في السوق دخل بها الجنة".

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع