الهيئة العامة للتجارة العادلة

الهيئة العامة للتجارة العادلة

حاول التلفزيون القطري أن يستضيفني في برنامج الدار لتسليط الضوء على موضوع الادخار والاستثمار واعتذرت لأن الوقت المقترح يتصادف مع موعد محاضراتي بالجامعة ومن خلال النقاش الهاتفي لإقناعي باللقاء سألني أخي تيسير عبدالله هل إدارة حماية المستهلك في وضعها الإداري الراهن قادرة فعلا على حمايتنا من كل ذلك الغلاء؟ وهل فصلها وإعطاء الإدارة خصوصية واستقلالية هو الحل في رأيك؟

وهذا السؤال جعلني ارجع بذكرياتي للأيام التي كنت أحضر فيها درجة الدكتوراة في بريطانيا وكيف كانت رغبتي في معرفة أوجه التقدم والتطور في أوروبا وبالأخص بريطانيا وفرنسا. ولهذا السبب قمت بزيارة العديد من مواقع الصناعات والمؤسسات التنظيمية أو على الأقل قمت بالاتصال الهاتفي مع بعضها ومن ضمن ممن قمت بالاتصال معهم مكتب التجارة العادلة الذي يعرف باللغة الإنجليزية باسم Office of Fair Trading. (وكلمة Office أو المكتب في العرف البريطاني هو إدارة حكومية لا يرأسها وزير ويتم إنشاؤها للاضطلاع بمهام تنفيذية نيابة عن الحكومة والمكتب في أعماله مسؤول أمام البرلمان الإنجليزي). ولقد أنشئ مكتب التجارة العادلة في منتصف سبعينيات القرن الماضي بهدف جعل الأسواق تعمل لصالح المستهلكين وخلق نوع من الضمان القوي لوجود منافسة عادلة بين الشركات ومنع الاحتكار. وأغلب أعماله تتعلق بتحليل الأسواق وتطبيق قانون حماية المستهلك وقانون المنافسة. وهو الذي يمنح تراخيص ترويج القروض الاستهلاكية وحملات الترويج للسلع والخدمات ويشرف على مكافحة غسل الأموال وعنده القوة في مراقبة عمليات الاندماج بين الشركات وفي رفع القضايا ذات العلاقة ويقوم بنشر المعلومات وحملات توعية المستهلك وتقديم المشورة للحكومة بشأن كيفية تحقيق النظام الأكثر فعالية للمنافسة والمستهلكين. ومن الأمور اللافتة للنظر أن هناك تواصلا خطيرا بينه وبين المستهلكين لدرجة أنه يوجههم لما فيه نفعهم ويستمع إلى مشاكلهم ويتفاوض مع الشركات باسمهم. يعني أنه قوة ضغط حقيقية على الشركات فيما بينها وعلى الشركات لصالح المستهلكين.

ويعمل المكتب، كما أتذكر، مع جميع الوزارات والهيئات الحكومية التي لها علاقة بالمجتمع الاستهلاكي مثل الغاز والماء والاتصالات والطيران المدني والبريد حتى علاقة الناس بالوزارات الرسمية. وله الصلاحية، من خلال المحكمة، في إقالة مديري الشركات أو الإدارات الحكومية وهو ينشر البيانات الدقيقة لتكاليف السلعة أو الخدمة التي تقدم للجمهور من جميع الأطراف. وكل ذلك من مبدأ التزام الحكومة بالشفافية المطلقة، وهذا هو نفس الأمر الذي يطالب به سمو أميرنا المفدى.

ورداً على سؤال الأخ تيسير فإنني أستطيع القول وبثقة إن إدارة حماية المستهلك القطرية-مقارنة بما يقوم به مكتب التجارة العادلة الإنجليزي- ضعيفة لأنها تأتي تحت عدة مستويات تنظيمية وهي ليست مساءلة من مجلس الوزراء أو مجلس الشورى. فالإدارة يرأسها مدير يعلوه في الهيكل التنظيمي الإداري وكيلان مساعدان ثم وكيل وزارة ثم وزير وبعد كل ذلك يأتي مجلس الوزراء. ولا ننسى أن المشرع القطري خلق عدة لجان تعمل في نفس المجال ولكنها بعيدة عن السلطة المباشرة لإدارة حماية المستهلك. وهذا التسلسل الإداري وتشتت الأعمال المتصلة بحماية المستهلك يضعفان عمل هذه الإدارة ويجعلانه محدوداً بشكل كبير ولولا وجود شخصية قوية في منصب مدير الإدارة لكبلت يديها عن العمل.

إن سلطنة عمان الجارة الشقيقة تنبهت لهذا الأمر المهم، فقامت السلطات العمانية في عام 2011 وبموجب المرسوم السلطاني رقم 53 لعام 2011 بفصل إدارة حماية المستهلك من كونها إدارة تتبع وزارة التجارة والصناعة العمانية إلى هيئة عامة تتبع مجلس الوزراء تحت مسمى الهيئة العامة لحماية المستهلك والقيام بإشراكها في اللجان والبرامج المرتبطة بالمستهلك في الوزارات والهيئات الحكومية المعنية بالسلع والخدمات. وأوضح بيان لمجلس الوزراء العماني أن هذه الخطوة تندرج ضمن تدابير أخرى تعمل عليها الحكومة العمانية لتوفير أفضل الخدمات للمواطنين في مناطق السلطنة.

إن دولة قطر، العضو في معظم -إن لم يكن كل -التجمعات الدولية سواء كانت من خلال الأمم المتحدة أو منظمة العمل الدولية أو منظمة التجارة الدولية، هي في حاجة لإنشاء هيئة عامة مستقلة تتبع مباشرة لمجلس الوزراء الموقر وتستمد قوتها منه وتقوم بتنظيم الأسواق ولها سلطة تنفيذية وليس تشريعية تتابع من خلالها تنفيذ القوانين والمراسيم التي تسنها الدولة لحماية المستهلكين واستخدام كل الأدوات المتاحة لتحسين عمل الأسواق لصالح المستهلكين وتنظيم مبدأ المنافسة الشريفة وكسر الاحتكار وتوكل إليها جميع الاختصاصات التي لها علاقة بالمستهلك من توعية وحماية حقوقه والدفاع عنه في جميع المحافل ولها الصلاحية في اقتراح التشريعات القانونية التي تحمي حقوق المستهلك من جهة والتاجر من جهة أخرى وذلك من المبدأ الإسلامي العظيم "لا ضرر ولا ضرار" ولهذا نفضل تسميتها باسم الهيئة العامة للتجارة العادلة تجمع تحت إدارتها كلا من إدارة حماية المستهلك ولجنة تعيين الحد الأقصى للأسعار ونسب الأرباح ولجنة حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وآخر العنقود من اللجان وهي لجنة مراقبة الأسعار وتكون هذه اللجان بصورة إدارات في الهيئة. ونقترح أن تكون لها عضوية في جميع اللجان والبرامج المرتبطة بالمستهلك في الوزارات والهيئات الحكومية المعنية بالسلع والخدمات.

وفي الختام نقول إنه من المهم قيام مجلس الوزراء الموقر أقوى سلطة تنفيذية في البلاد بإقامة التوازن العادل بين المستفيد بالسلعة والخدمة وبين المنتج والمقدم لتلك السلعة والخدمة.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع