تفعيل القطاع الخاص

 

تفعيل القطاع الخاص

"التوزيع العادل بين دور القطاع الحكومي والقطاع الخاص في صياغة السياسات والخطط الاقتصادية وتقويمها ومتابعة تنفيذها وتوفير الشفافية التامة في كلّ ما يتعلّق بأنشطتهما بل وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في المساهمة ببرامج التنمية". هذه الجملة تعتبر رغبةً من رغبات سمو الأمير المفدى والتي بدأت منذ أن كان سموه ولياً للعهد واستمرّت حتى يومنا الحاضر وتم التأكيد على هذه الرغبة في الدستور الدائم لدولة قطر وذلك كما ورد في نصّ المادة 28: "تكفل الدولة حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية والتعاون المتوازن بين النشاط العام والخاص لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الإنتاج وتحقيق الرخاء للمواطنين ورفع مستوى معيشتهم وتوفير فرص العمل لهم وفقاً لأحكام القانون".

إن القطاع الخاص له أهميته الواضحة حيث تشير تجارب الكثير من الدول المتقدّمة وعلى رأسها اليابان والولايات المتّحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية إلى أن مشاركة القطاع الخاص في الهيكل الاقتصادي مهم جدّاً ويشكّل نسبة عالية من الدخل القومي الإجمالي. إن أنشطة القطاع الخاص لا تنحصر في تحقيق الأرباح وتعظيمها فقط بل يجب أن تكون لديه مسؤولية اجتماعية تجاه البلد وأبنائه وتفرض عليه المبادرة والتركيز على المشاريع التي تمثّل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ولها القدرة على المنافسة والجودة في الأسواق الإقليمية والعالمية.

إن الانفتاح الاقتصادي والمالي الذي تسعى له دولة قطر، كما ورد في خطابات سمو الأمير المفدى، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفتح المنافسة ومنع الاحتكار مع قيام الدولة بتوفير جميع الضوابط الخاصة بعمليات المنافسة وإعطاء شركات القطاع الخاص حرية كاملة في تأسيس شركات ذات طابع تنافسي. ولكن، وكما يعلم الجميع، منعت عن هذا القطاع ميادين استثمارية لأن القطاع العام الحكومي لا يريد أن يفتحها لهم، أو يريد على الأقل فتحها للبعض. إن توجّه سمو الأمير المفدّى وقناعة معالي رئيس مجلس الوزراء في دفع أعمال القطاع الخاص توجّه حميد ومطلوب. وإن اجتماعات معالي رئيس الوزراء مع رجال الأعمال بشكل متواصل والقيام بتذليل المعوقات لم يأتِ سوى باقتناع الحكومة بتوجهات رئيس الدولة. ونحن لا ننكر أن الحكومة قدّمت ولا تزال تقدّم حوافز متنوّعة للقطاع الخاص ولكن لا تزال هذه الحوافز لا تفي بحاجات القطاع الخاص لأنها حوافز منحت للبعض وليس للكلّ ولهذا نجد أن بعض الشركات منعمة والبعض الآخر لا يزال تحت وطأة العوامل المختلفة التي تعيق تقدّمه.

ولقد صدمت عندما وجدّت سعادة وزير الاقتصاد والمالية، في أحد اللقاءات التشاورية، يقول "إن ارتفاع كلفة الإنتاج بعد كلّ هذا الدعم يعود إمّا إلى خلل في إدارة الشركة أو في تركيبة رأس المال". ونحن بدورنا نقول لسعادة وزير الاقتصاد والمالية ماذا يعني:

• زيادة الرسوم المفروضة على القطاع الخاص (سجل، رخص، إقامات،.. الخ)

• زيادة الرسوم الجمركية ورسوم المصادقات على الواردات

• تكاليف تحديد جنسيات العمالة الذين يتم تسفيرهم بعد فشلهم

• تحديد مواقع مكاتب الشركات وارتفاع تكلفتها

• تحديد مواقع سكن العمال وزيادة إيجاراتها

• الهدم لأكثر مناطق الأسواق التي يتركز فيها النشاط الاقتصادي بدون إيجاد البديل بالسعر المناسب

• عدم وجود أراضٍ في المناطق الصناعية (حيث فرض المستأجرين الحاليين مبالغ خيالية على المستأجرين من الباطن)

• إلغاء أو تأجيل تنفيذ بعض المشاريع الرئيسية

وفي نفس الوقت وللموارد المالية المحدودة للقطاع الخاص نجد أن عدّة جهات حكومية (وزارات ومؤسّسات) تتعمّد البطء في إجراءات البت في المناقصات وفي أحيان تقوم بإلغاء بعض المناقصات بعد الإعلان عنها وما يجرّه ذلك من أعباء إدارية ومالية. ولو قمنا بسرد كلّ ما يتعرّض له القطاع الخاص لطالت الصفحات. وبعد ذلك كلّه لنسأل سعادة وزير الاقتصاد والمالية هل ما يحدث من ارتفاع كلفة الإنتاج أتى بسبب خلل في إدارة الشركة أو في تركيبة رأس المال، أو كما هو واضح، بسبب عوامل خلقتها بعض الجهات الحكومية أمام القطاع الخاص؟

إننا نرى أهمية أن ينتقل مستوى الشفافية والصراحة والإرادة لدى قيادتنا وحكومتنا الرشيدة ورؤيتها للارتقاء بدور القطاع الخاص إلى القيادات التنفيذية في مختلف الجهات الحكومية حتى نتمكّن من إيجاد الحلول للمعوّقات بالسرعة المطلوبة لخلق قطاع خاص قوي وشريك حقيقي في التنمية وذلك تحقيقاً لكلمات أخي معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بقوله إن "الدولة تسعى لتفعيل مساهمة القطاع الخاص في عملية التنمية الشاملة للدولة وتحمل مسؤولياته بالشكل الملائم الذي يسمح أن يكون ركيزة أساسية يعتمد عليها مستقبلاً".

وفي الختام نقول إن قيام عدّة جهات رسمية وشبه رسمية بمخالفة مواد دستور البلاد والسير بعكس توجّهات سمو الأمير المفدى وقناعات معالي رئيس مجلس الوزراء سينتج عنه خطر كبير على الموارد المالية العامة للدولة وخطر أكبر على القطاع الخاص وأرزاق العباد.

والله من وراء القصد

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع