بوركت من أمير

بوركت من أمير

كل عام وأنتم وجميع المسلمين في شتى بقاع الأرض قاطبة في سعادة دائمة، وعسى رب العالمين أن يعيد هذه المناسبة والمناسبات السعيدة الأخرى والجميع في صحة وعافية..

لقد أثير تساؤل كبير في المجالس وعلى البرامج الإذاعية المباشرة: هل سمو الأمير المفدى لا علم له بالمشاكل التي يعاني منها المواطن؟ وهل سموه ليس على دراية بما ينشر في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة عن حالة المواطنين؟

وعندما خاطب سمو الأمير شعبه من خلال مراسم افتتاح دور الانعقاد العادي الأربعين لمجلس الشورى قائلاً: "وهذا لا يتم بالوعظ والنصيحة الحسنة فقط، وإنما أيضا بالمراقبة والمحاسبة وتقديم التقارير الحقيقية التي لا تجمل الواقع، بل تطرحه بدقة وأمانة لكي نتمكن من معالجته". وهذا يذكرني بجسد الإنسان حيث يلم بهذا الجسد خلال مراحل عمره بعض الأمراض منها الظاهر الذي نعلم به ومن ثم نقوم بمعالجته حتى يعود الجسد صحيحاً مرة أخرى. وهناك أنواع من الأمراض الأخرى لا نشعر بأعراضها ولأننا لا نعلمها فإننا لا نقوم بمعالجتها إلا إذا تدخل أحد الأشخاص وكشف عن وجودها، فنبدأ بمعالجتها، ولكن لو أن هذا الشخص علم بها ولم يبلغنا بوجودها فسنستمر بالجهل بها ولا نعالجها إلا إذا:

1ـ بلغنا أحد الأصدقاء المخلصين أنه يلاحظ تغيراً واضحاً في حالة الجسد، ومن ثم ينصحنا بالذهاب لإجراء الفحوصات اللازمة، وفي هذه الحالة قد لا يكون المرض قد استفحل ومن الممكن علاجه بيسر وسهولة، أو 2 ـ توقف هذا العضو بالكامل وعندها نحتاج إلى جهد ومال كبيرين لمعالجته، أو 3 ـ تسبب العضو المريض في التأثير على سائر الجسد وتم إدخال صاحبه إلى المستشفى!! وبعد معرفة السبب إما إننا لا نستطيع علاج هذا العضو لأننا تأخرنا كثيراً أو أن العلاج سيأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد لبقية العمر. ولهذا فإن الجميع كما قال سمو الأمير ملزم بالمراقبة والمحاسبة وتقديم التقارير الحقيقية التي لا تجمل الواقع، بل تطرحه بدقة وأمانة لكي نتمكن من معالجته.

إننا لا نختلف في أن سمو الأمير المفدى حفظه الله مسؤول أمام الله عن كل ما يحدث في البلاد وما يتعلق بالعباد. ومن هذه المسؤولية ولعدم قدرة سموه على التواجد في كل مكان وزمان، فقد قام بوضع رجال، يعتقد ونعتقد أنهم أهل ثقة وصلاح (وزراء، رؤساء، مديرون، إلى آخره)، ليكونوا نوابه وعينه الساهرة في كل التخصصات التي تخص البلاد والعباد. والمشكلة الرئيسية أنه إذا حجب أحد هؤلاء أي معلومة (بقصد أو بدون قصد) فلن يستطيع ولي الأمر أن يتخذ القرار السليم لنقص المعلومة لديه. ولقد تنبه سمو الأمير المفدى، في السنوات الأولى من تحمله مسؤولية الحكم، إلى هذه المشكلة العويصة التي تتمثل في هيمنة المسؤول الواحد وبطء القرارات ونقص المعلومات فأراد إعطاء طبقة المسؤولين والمديرين صلاحيات كبيرة وميزانيات محددة للقيام بما يتطلبه العمل بالسرعة الممكنة بدون الرجوع إلى سموه لاتخاذ القرار. ولكن مشكلة هذا الأسلوب أنه يقلل من الرقابة. ولهذا أنشأ سمو الأمير المفدى عدة جهات رقابية سواء على الأموال أو الممتلكات أو شؤون الموظفين. ولكن المشكلة أن الذين قادوا هذا التطوير الإداري هم من أصحاب الأفكار التقليدية في الإدارة، وهو نهج ـ وللأسف ـ متواجد في عالمنا العربي حيث يفضل كثير من المسؤولين المركزية، حتى يتمكن من الرقابة والتحكم في كل شيء.

إنني أعتقد جازماً ولا أشك مطلقاً بأن سمو الأمير المفدى يحاول قدر استطاعته خلق أنظمة إدارية تتيح الشفافية المطلقة، وانتقال المعلومة الصحيحة بشكل واضح وسريع، ولا تسمح بحجب أي معلومة عن الجميع، ويعاونه في ذلك كل من سمو ولي العهد الأمين، ومعالي رئيس مجلس الوزراء. ولكن وبسبب وجود (بعض) المسؤولين العابدين للمركزية والذين ائتمنهم ولي الأمر على البلاد والعباد ينقلون لولي الأمر أن وضع البلاد والعباد كله أكثر من تمام، بل تراهم يتعاونون فيما بينهم لإبراز الوجه المشرق لإنجازاتهم في خدمة المواطنين والمقيمين. ويحاولون في نفس الوقت خلق حاجز أو سور كبير بين ولي الأمر وشعبه، حتى لا يصل صوت الشعب لسموه، متناسين أن الشعب هو الأمير وأن الأمير هو الشعب، وأنه لا توجد قوة تستطيع فصل الاثنين عن بعضهما، وها هو سمو الأمير يصرح في خطابه: "لقد اعتمدنا على الله وعلى شعبنا الصلب وقناعته الراسخة بحتمية تطور وتحديث قطر"، ويؤكد مرة ثانية "مسؤولية جيلنا في تأمين مستقبل الاقتصاد القطري"، ومرة ثالثة يحدد سموه فيها نوعية المواطن المطلوب وهو "الإنسان القطري القادر على خوض تحديات العصر وبناء الوطن"، ومن أشكال التلاحم بين ولي الأمر والشعب هو الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم، فها هو سموه يصرح: "فنحن نفرح لارتفاع مستوى معيشة المواطنين القطريين، وهذا حقهم"، وفي موقع آخر من خطابه يؤكد على ربط القول بالفعل، فها هو يقول: "ويجب ألا تبقى هذه مجرد شعارات تكرر لإثارة الإعجاب، بل أن نهتم بتطبيق هذه الشعارات"، وعندما نسأل لماذا أكد سموه على ربط القول بالعمل؟ نجده يحاول شرح ذلك من خلال قوله:

ـ لتذكير أجيالنا الصاعدة بالجهد المبذول بموجب رؤية شاملة.

ـ على أساس الفائدة المتوخاة للأجيال القادمة.

وفي الختام بوركت يا سمو الأمير على هذه التوجهات الحميدة، ولابد أن يعرف كل مواطن، مهما كانت درجته الوظيفية ومكانته الاجتماعية أنه يمثل بطانة لولاة الأمر، وعليه واجبات الوظيفة، وواجبات المواطنة، وهو مؤتمن على أدائها. أسأل رب العالمين أن يوفق ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه، وأن يهيئ لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على نشر الخير والمحبة في البلاد وبين العباد.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع