مع زيادة رواتب الشئون

مع زيادة رواتب الشئون

لقد كتبنا قبل رمضان الماضي عن المساعدات، أو ما يسمى بالرواتب، التي تصرفها وزارة الشئون الاجتماعية لكل من الأسر المحتاجة، والمطلقات، والزوجات المهجورات، والأرامل، وذوي الاحتياجات الخاصة، والعاجزين عن العمل، والأيتام. وبينا كيف أن حجم تلك الرواتب يعتبر وصمة عار على جبين الدولة النفطية التي عم خيرها الكثير من دول ومواطني العالم قاطبة. ومع أن القرار الأميري رقم 50 لسنة 2011 بزيادة الرواتب الأساسية والعلاوة الاجتماعية والمعاشات للموظفين والمتقاعدين القطريين من المدنيين والعسكريين في الدولة لم يشمل هذه الفئة من المواطنين وغيرهم إلا أن الجميع شاركونا فرحتنا بهذه الزيادة ورضوا بالرزق الذي بعثه رب العالمين لإخوانهم القطريين متمثلين بقوله تعالى "كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا {20} انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً {21}" الإسراء.

إن تسلسل الأحداث الذي رافق قرار زيادة الرواتب يبين بما لا يدع مجال للشك بأن هناك من يقوم بحجز جزء من المعلومات عن وصولها لقيادتنا الرشيدة. فعلى سبيل المثال عندما تم الانتهاء من دراسة زيادة الرواتب، في يوليو 2011، ورفعت لمقام سمو ولي العهد لاعتمادها وجد سموه حفظه الله بأن تلك الزيادة لم تشمل المتقاعدين من المواطنين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة البلد، فما كان من سموه إلا أنه قام بإرجاع تلك الدراسة مع تعليمات واضحة بشمول المتقاعدين في أي زيادة محتملة. ونحن على ثقة بأنه لو قامت تلك الجهة أو غيرها من الجهات الحكومية بتقديم مقترح لسمو ولي العهد الأمين لزيادة رواتب الشئون الاجتماعية لما عارض سموه ذلك من مبدأ محبة سموه للمواطنين ورغبته في توفير سبل العيش الكريمة لهم.

وربما قد يتبادر إلى الذهن سؤال: هل من المعقول أن ولي الأمر لا يعرف بأمر من يتلقى المساعدات الاجتماعية؟ ونحن نقول سواء يعلم ولي الأمر أو لا يعلم فإنه من باب الأمانة أن يقوم المسئول الذي كلفه ولي الأمر برعاية تلك الفئات، بالنيابة عن سموه، أن يبادر بالمطالبة بحقوقهم. ونحن والحمد لله قد أنعم الله علينا بأولياء أمور يبادرون بعمل وفعل الخير في كل مكان في العالم فكيف إذا تم إشعارهم بحالة مواطنيهم الذين يتبادلون معهم الحب والوفاء.

إننا نعلم أن رب العالمين فرق بين دخل الأفراد عندما قال تعالى "وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ" النحل: 71، ولكن هل نحن ملزمون أن يعيش جزء من المواطنين القطريين في مستوى من العيش يشابه إلى حد كبير معيشة الأفراد في الدول الفقيرة، في حين أن بلادنا فيها خير كثير. إنه لشيء يحزن ويدمي القلب أن نرى مثل هذه الحالات في دوله غنية جداً مثل دولتنا.

إنني، والحق يقال، أتسلم وبشكل شبه أسبوعي العديد من رسائل الإيميل والمسجات والمخاطبات الهاتفية التي تطالبني بأن أسلط الضوء على قضية رواتب الشئون الاجتماعية وذلك لسبب بسيط جداً وهو أن هذا الراتب لا يفي بأدنى متطلبات الحياة الكريمة لأي كائن (انظر المقالة المنشورة بجريدة الشرق بتاريخ 19/6/2011). إن إهمال هذه الفئة ينذر بأثر اجتماعي خطير وهو زيادة نسبة الفقر والفقراء داخل المجتمع القطري الذي صرح أحد المسئولين قبل رمضان الماضي بوجود فائض في الميزانية القطرية لفترة الستة شهور الأولى من عام 2011 يبلغ 50 مليار ريال قطري. ولمعرفة نسبة الفقر في قطر فإنه علينا حساب عدد الأفراد الذين يتلقون رواتب الشئون الاجتماعية بالإضافة إلى من رفضت طلباتهم والذين لم يتقدموا أصلاً للوزارة للحصول على مثل تلك الرواتب. والنتيجة أن الأرقام سوف تصل إلى نسب مخيفة ومروعة والمشكلة أنها لا تتقلص بل تزيد سنة عن سنة، مع العلم بأن تلك الرواتب، مع تدنيها، لا تصرف لتلك الفئات إلا بعد أن تقوم الجهات المسئولة ببهدلتهم وتعطيلهم كأن تلك المبالغ تصرف من جيوبهم الخاصة وليس من الدولة الراعية لشئونهم.

ولكي نستطيع مسايرة الوضع الاقتصادي العام للدولة ومستوى أسعار السلع والخدمات الملتهبة فإنني أقترح أن يتم وضع معايير اقتصادية تحدد الحد الأدنى لرواتب الشئون الاجتماعية بحيث لا تقل عن 000ر5 ريال قطري في الشهر مع الأحقية بزيادتها بمبلغ 500ر1 ريال عن كل فرد إضافي في العائلة وبحد أقصى للراتب يصل إلى 000ر12 ريال وذلك فقط لضمان توافر الحد الأدنى من أسباب العيش الكريم لمواطني دولة قطر ولإبعادهم عن مستوى خط الفقر ومذلة السؤال من ما يسمى بالجمعيات الخيرية.

وفي الختام نقول أنه مهما زادت رواتب الشئون الاجتماعية فإنها لن تؤثر على ميزانية الدولة ولا على العوائد المالية المتحققة للدولة من النفط والغاز، وعليه نكرر دعوتنا بأن تمتد الأيادي الكريمة والخيرة لتشمل رواتب كل الفئات التي تتلقى ما يسمى رواتب وزارة الشئون الاجتماعية. ونقول للفئات التي لم تشملها الزيادة تمثلوا بقول رب العالمين "وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ" التوبة: 59

والله من وراء القصد،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع