بدل السكن .. والوداع الصيفي

بدل السكن.. والوداع الصيفي

مساكين المواطنون المتقاعدون.. نجدهم معززين ومكرمين، نوعاً ما، وهم على رأس عملهم، ولكن ما أن يحالوا للتقاعد حتى تنزع منهم حقوقهم التي هي حق مكتسب لما بذلوه من جهد متواصل طيلة فترة عملهم.

إن القانون رقم (24) لسنة 2002م بشأن التقاعد والمعاشات وفي المادة (1) التعريفات، عرف القانون الراتب الأساسي: بأنه الراتب الذي كان يتقاضاه الموظف أو العامل عند إحالته للتقاعد، المحدد بجدول الرواتب الخاضع له، ولا يشمل البدلات والمخصصات والتعويضات أيا كان نوعها. ونحن، بدورنا، لا نختلف مع القانون عندما حدد ألا يشتمل الراتب الأساسي على بدل طبيعة العمل لأن هذا البدل مرتبط بأداء العمل، ويجب أن يكون الموظف على رأس عمله حتى يستحقه، أما أن يشتمل التعريف على كل البدلات الأخرى فإني أرى أن هذا يجر نوعاً من أنواع الظلم على المواطن. فمن حق المواطن على الحكومة أن تكرمه بعد هذه السنوات الطوال من العطاء، ومن حق المواطن على الدولة كما نصت عليه المادة (34) من الدستور أن تساويه مع الآخرين في الحقوق والواجبات العامة.

وعندما كان المواطن على رأس عمله كان متزوجاً وعنده أولاد فمن العدل أن تستمر العلاوة الاجتماعية بعد أن يحال إلى التقاعد، وفي نفس الوقت فإن هذا المتقاعد كان يسكن في منزل يضم العائلة، وهذا السكن ـ كما هو معروف ـ يتطلب مصاريف كبيرة وكانت علاوة السكن تغطي الشيء الكبير من هذه المصاريف في ظل الغلاء الفاحش الذي تمر به الأسواق المحلية، وإنه ليس من العدل إلغاء بدل السكن بمجرد إحالة المواطن إلى التقاعد، كأن الحكومة تقول لهذا المواطن "أعطيناك علاوة سكن عندما كنت تعمل، والآن اسكن في الشارع" وبالقياس فلو كان الأمر بيد الحكومة ولهدف قطع العلاوة الاجتماعية، لقالت لنا: "سمحنا لك بالزواج وأنت موظف والآن طلق وعش أعزب". إن العلاوة الاجتماعية وعلاوة السكن هما من حق المواطن الذي بذل الكثير لإيصال البلاد إلى ما هي عليه من التقدم والرقي.

إن الدستور في المادة (30) يقول بأن العلاقة بين العمال وأرباب العمل أساسها العدالة الاجتماعية. وينظمها القانون. ونحن نقول: أين هي العلاقة التي أساسها العدالة الاجتماعية؟. إن فكرة العدالة الاجتماعية تشير إلى نوع من المساواة له أهميته الجوهرية في تحقيق الصالح العام. وتتجسد هذه المساواة في تطبيق الأحكام والقوانين على الجميع بالتساوي سواء كانوا يعملون أم متقاعدين. فالعدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه. ولكنني أرى أنه ما أن يحال المواطن للتقاعد فإن الجهات المختلفة تقوم بنزع حقوق المواطنة منهم، تطبيقاً للمثل الشعبي "أخذناك لحماً ورميناك عظماً". وعلى فكرة ـ وكما صرحت الجهات الرسمية ـ فإن فائض الميزانية القطرية للستة الشهور الماضية وصلت إلى خمسين مليار ريال قطري، ونحن، بدورنا، نتمنى أن يستغل ولو جزء يسير منها، بشكل مباشر، لصالح المواطنين في بلادهم بلاد الخير بدلاً من أن يحلق جميع فائض الميزانية القطرية عالياً في السماء ليحط رحاله في بلد آخر، ربما في يوم من الأيام يتنكر لقطر كما حدث مع العديد من الدول الأخرى.

وفي الختام، وبعد مرور سنة ونصف السنة تقريباً على الكتابة بصورة مستمرة، ودخول الإجازة الصيفية ولأمور أخرى عديدة، نتوقف عن كتابة المقال الأسبوعي، الذي خلق لي الكثير من الأصدقاء والمؤيدين. والعجيب أن هناك عدداً كبيراً من المسؤولين، ممن انتقدت جهاتهم الرسمية، يشجعونني على الاستمرار في هذا الأمر، لأنهم يريدون وببساطة معرفة مدى قيام جهاتهم بإنجاز الأعمال، وعلى رأس هذه القائمة تأتي سعادة الأستاذة الدكتورة رئيسة جامعة قطر.

وفي هذا المقام فإنني أتقدم بالشكر الجزيل لسمو الأمير المفدى وسمو ولي العهد الأمين، ومعالي رئيس مجلس الوزراء لاستجابتهم الصادقة لما كان يكتب في هذا الموقع من الجريدة. وطبعاً لا يفوتني أن أشكر كل مسؤول صادق وأمين يحاول أن يجعل من مؤسسته ـ التي وُكِّل بها من ولي الأمر ـ كخلية نحل نشطة لتوصيل الحقوق لأصحابها من مواطنين ومقيمين. والحمد لله أن الكثير من المواضيع التي عالجتها في المقالات تم حلها أو في الطريق لحلها.

والشكر موصول لكل القراء الكرام الذين كانوا يمدونني بالطاقة والمعلومات الصحيحة، والنقد البناء، للسير في هذا النهج الذي لم أقصد منه سوى التقرب إلى العلي القدير بقول الحقيقة المطلقة لعلاج الأوضاع، التي كانت تؤذي البلاد والعباد،

والشكر الخاص لأخي رئيس تحرير جريدة "الشرق" وجميع العاملين بالجريدة لتفهمهم الواضح لأهداف المقالات، وللسماح لي بتجاوز الخطوط الحمراء، التي لا أعتقد شخصياً بوجودها في هذه الجريدة، لتوصيل كلمة الحق لولي الأمر الذي كان دائماً يبادر إلى قراءتها وتفهم معانيها والقيام بمراعاتها.

بارك الله فيكم أجمعين وإلى اللقاء معكم في المستقبل القريب إن شاء الله.

والله من وراء القصد،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع