قطر .. وذوي الاحتياجات الخاصة

قطر.. وذوو الاحتياجات الخاصة

لقد حث ديننا على رعاية شئون ذوي الاحتياجات الخاصة أو ما يطلق عليهم في الإسلام بالزمني (الذين أصيبوا بأمراض مزمنة تعجزهم عن العمل). وكما دعا الإسلام إلى الرفق بهم وعدم إرهاقهم بالطلب منهم ما يفوق قدراتهم وحسن معاملتهم والتلطف بهم وأكبر دليل على ذلك العتاب الإلهي للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى "عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى {3}" عبس. ويؤكد الله سبحانه وتعالى على أهمية التغاضي عن سلوك وأعمال ذوي الاحتياجات الخاصة بقوله تعالى "لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ " الفتح: 17. ونظرة الإسلام هذه مبنية على حفظ الكرامة والمساواة والعدل والموازنة بين الحقوق والواجبات بينهم وبين العاديين وحقهم في العمل والتعليم والتأهيل والتشغيل. كما عني الخلفاء الراشدون بأمورهم وبلغ من اهتمام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحرصه على المقعدين أن بادر إلى إنشاء ديوان خاص للطفولة والمستضعفين وفرضت للمفطوم والمسن والمعاق فريضة إضافية من بيت المال. كذلك أكد عبدالله بن مروان حرصه على فئات المعاقين بسياسة أعطت لكل مقعد خادما ولكل ضرير قائدا ومنعت المعاقين من سؤال الناس، وبلغ من اهتمام الوليد بن عبدالملك أن أنشأ لذوي العاهات داراً خاصة للعناية بهم وأجرى عليهم الأرزاق. وقد ورد أنّ صاحب ديوان دمشق أراد أن ينفق على ذوي الاحتياجات الخاصة صدقة غير محدّدة، فعلم بها الخليفة عمر بن عبدالعزيز، فكتب إليه أن يفرض لهم حقوقاً واجبة لا مجرّد صدقات وإحسانات.

إن الله قد رأف بذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم في دولة قطر فأوصل إلى سدة الحكم سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني صاحب القلب الرقيق والعطوف والمتمثل بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "الخَلْق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" ومع سمو الأمير وصلت سمو الشيخة موزا بنت ناصر التي جعلت هموم ذوي الاحتياجات الخاصة من همومها الخاصة وبدأت بالعمل بشكل جاد لتغيير مفهوم المعاق إلى مفهوم مختلف في المعنى والدلالة فأطلق عليهم "ذوي الاحتياجات الخاصة"، وبدأت حقوقهم تأتي تباعاً. ومن هذا المنطلق الإسلامي ولضمان إعطاء المواطنين جميع حقوقهم فلقد سنّت القوانين الخاصة التي تحث على المساواة والعدل وعدم التفرقة بين الضعيف والقوي أو الفقير والغني أو الصحيح والمريض. ومن ضمن حقوقهم في قطر، كما قام الخلفاء الراشدون وولاة أمر المسلمين في السابق، توفير الضمان الاجتماعي وتوفير خادم يقوم برعايتهم وتم تكليف وزارة الشئون الاجتماعية بتنفيذ هذا الأمر.

إن وزارة الشئون الاجتماعية قد حددت، عندما كانت الأسعار منخفضة، مبلغ 1200 ريال قطري لكل حالة تثبت عجزها طبياً كضمان اجتماعي وقامت بصرف مبلغ 800 ريال قطري بدل خادم - خادمة، بغض النظر عن عمل ولي الأمر ومستوى راتبه الذي يتقاضاه.

والمشكلة إن الوزارة، كما وضح لنا من المقابلات، قلبها حنون جداً، وبالدرجة الأولى، على أموال الدولة، وليس حنوناً بالدرجة الكافية لتنفيذ رغبات وأوامر سمو الأمير المفدى وتوجيهات سمو الشيخة موزا بنت ناصر، بإعطاء كل أصحاب الاحتياجات الخاصة ما يحفظ كرامتهم وهم يعيشون في مجتمعهم. ولذلك فليس بغريب أن الوزارة لم تبادر في رفع قيمة الضمان الاجتماعي الذي لا يغطي سوى تكاليف حفاضات الأطفال لفترة نصف شهر. بل نجد أن الوزارة تقوم بحرمان ذوي الاحتياجات الخاصة من بدل الخادمة إذا ثبت أن ولي الأمر شريك في شركة تجارية، وما أدراك ما هو عطاء الشركات في قطر على أصحابها من همّ وخسائر، وكأن بدل الخادمة يصرف لولي الأمر وليس لصاحب الاحتياجات الخاصة.

إن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة لا تقتصر فقط على تقديم الضمان الاجتماعي ولكن في الواقع إن احتياجاتهم تفوق ذلك فهم يحتاجون إلى خدمات وتقدير جميع المؤسسات وقطاعات المجتمع الخاصة والعامة. ودور وزارة الشئون الاجتماعية القطرية يجب أن يكون دوراً مدافعاً ومقاتلاً لحصول هذه الفئة على حقوقها. ففي السعودية، على سبيل المثال لا الحصر، استطاعت الجهات الرسمية الحصول على تخفيض أجور النقل جواً وبحراً وبراً بواقع 50 % لهم ولمرافقيهم، وقامت أيضاً بإلزام (ونشدد على كلمة إلزام) المؤسسات والمصالح باستيعاب نسبة معينة من هؤلاء في بعض الأعمال التي يقدرون على مزاولتها، وفي نفس الوقت تم استثناؤهم من بعض الأحكام العامة التي يُعامل بها العاملون في الدولة مثل مدة الدوام الرسمي وبعض، إن لم يكن كل، الرسوم الحكومية.

إنّ دولة قطر، بما مكّن الله لها، يمكنها أن تسن من القوانين والتشريعات ما تحفظ به حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وتفرض الأحكام الرادعة على كل من يتعدّى عليهم أو يستغل ضعفهم لمصلحته، ولكن يبقى دور وزارة الشئون الاجتماعية هو المهم لمتابعة تطبيق تلك القوانين والتشريعات. أما أن يقتصر دور الوزارة على صرف الضمان الاجتماعي وصرف أو خصم بدل الخادمة فهو أمر غير مقبول إطلاقاً.

وفي هذا المقام لا يسعنا سوى تقديم الشكر والامتنان للجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة التي، بإمكانياتها البسيطة ومواردها المالية القليلة، تحفر في الصخر لتقديم جميع الخدمات لهذه الفئة من البشر في دولة قطر.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع