مكوك الفضاء .. والزيارة الودية

مكوك الفضاء.. والزيارة الودية

نشرت "الشرق" بتاريخ 24 /5/ 2011 خبرا عجيبا على لسان رئيس قسم الفلك بالنادي العلمي القطري عن عبور مكوك الفضاء الأمريكي "انديفور" سماء الدوحة في الزيارة قبل الأخيرة خلال الأسبوع الجاري (الأسبوع الماضي) قبل أن تتم عملية إعادته إلى الأرض بعد انتهاء مدة خدمته التي زادت على العشرين عاما. وأضاف الخبر أن المكوك الفضائي "انديفور" سيعبر سماء الدوحة ثلاث مرات. ربما هذا الحدث الفلكي جميل ومثير وتاريخي بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ ولكن هذا الحدث كما نراه يؤكد أن القلوب تحن لبعضها البعض، فبما أن المكوك الفضائي سوف يحال للتقاعد فإنه من الأجدى لهذا المكوك القيام بزيارة أصدقائه في قطر ممن سبقه في التقاعد أو ممن ينتظر وذلك حتى يشاركهم في مآسيهم وفي نفس الوقت لاكتساب الخبرة المناسبة من القطريين للدخول في عالم المتقاعدين.

إن قطر، حسبما نقرأه ونراه ونسمعه، تملك أكبر نسبة من المتقاعدين في العالم مقارنة بعدد السكان المواطنين. وبلغت أعداد آخر دفعة جماعية، وليست الأخيرة، تمت إحالتها للتقاعد بأكثر من 150 من المواطنين من المجلس الأعلى للصحة، وذلك بحجة أنهم عمالة زائدة. وقمت بسؤال أحد المسؤولين في الصحة السؤال البرئ جداً: هل جميع الموظفين الآن في الصحة من المواطنين؟ فقال هذا المسؤول: مستحيل أن يقتصر أداء العمل على الموظفين القطريين فقط للنقص الكبير من القوى العاملة المواطنة. فعندها سألته عن عدد الموظفين من غير القطريين الذين تم الاستغناء عنهم فلزم الصمت. وقلت له أما كان من الأفضل تدريب المواطنين المحالين للتقاعد، وهم في ريعان الشباب، على الأعمال التي يؤديها غير القطريين بدلاً من التخلص منهم وخلق ظروف مادية ومجتمعية صعبة عليهم. فلزم هذا المسؤول السكوت مرة أخرى. أما الدفعة الجماعية الأخيرة التي أحيلت للتقاعد فقد كانت من نصيب المواطنين العاملين في جامعة قطر. فقد قام الخبراء الأجانب، الذين عينوا من فترة بسيطة، يسبقهم عدد من المسؤولين، وللأسف، من القطريين بتحويل 54 مواطنا ومواطنة إلى التقاعد بدأً من تاريخ 1 /6 /2011 مع العلم إن العديد منهم أعرفه معرفة شخصية ويشهد لهم الجميع، الأعداء قبل الأصدقاء، بالكفاءة والجدية في تنفيذ الأعمال. ولكن المشكلة أن الخبراء الأجانب وبعض المسؤولين القطريين يريدون تطهير الجامعة من الوباء الخطير جداً والمسمي "المواطن القطري". نعم، لقد أصبح من المهم التخلص من المواطن القطري لأنه وببساطة يعتبر وباء ومرضا خطيرا وغير كفؤ في إنجاز الأعمال وكسولا وضيق الأفق وعالة على غيره.. إلى آخره من الصفات التي لا تليق بشعب له تاريخه وإنجازاته. وتتمثل مشكلة هذا الشعب العربي المسلم الوحيدة أنه يحب ولي الأمر ولا يعصي له أمراً، وهؤلاء الخبراء وبعض المسؤولين القطريين قاموا باستغلال هذا التوجه الإسلامي ليعطوا وهماً للمواطن البسيط، الذي يكدح للحصول على قوت يومه بشرف وأمانة، بأن هذا الإجراء أتى بتعليمات من الجهات العليا لضرورات التطور ولتنفيذ استراتيجية التنمية الوطنية.

إن استراتيجية التنمية الوطنية 2030، وكما فهمتها من خلال خطب سمو الأمير المفدى، وسمو ولي العهد الأمين ومعالي رئيس الوزراء والأمين العام للأمانة العامة للتخطيط التنموي تسعى إلى توفير نمط عيش مزدهر لجميع القطريين من خلال التركيز على تعزيز مشاركة القطريين في قوة العمل للمساهمة في اقتصاد البلاد والحصول على وظائف مجزية. ويستند إعداد استراتيجية التنمية الوطنية إلى خبرة وأفكار وحاجات وأحلام كل فئات المجتمع القطري لضمان أن تكون قطر المستقبل ملبّية لطموحات مواطنيها وتطلعاتهم. وبهذا تكون قطر سرّعت تطورها ووضعت نفسها على المسار الصحيح نحو نمو ثابت ومطرّد ومدروس، بحيث تستمر في تحقيق الانجازات التي تشكّل مصدر فخر واعتزاز للمواطنين القطريين. إن ما يقوم به الخبراء الأجانب وبعض المسؤولين، وللأسف، القطريون منهم، يحطم التصور العملي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية والبيئية لرؤية قطر الوطنية 2030 ويحكم بالفشل الذريع على المسار الذي رسمه سمو الأمير المفدى لجعل قطر أكثر ازدهاراً في المستقبل.

إن دولة قطر، والمعروفة على مستوى المنظمات العالمية بأنها من الدول المانحة، غنية بمواردها الطبيعية قليلة في عدد سكانها الأصليين، ومع ذلك نجد أن هناك عدداً من المسؤولين القطريين والخبراء الأجانب جندوا أنفسهم لتحويل المجتمع إلى مجتمع من المتقاعدين تقذفهم الظروف للدخول في ممر أسود مظلم نتيجته قاسية على الفرد والمجتمع. وإنه لأحزنني حقاً مشاهدة إحدى الأخوات القطريات، ممن سيبدأ تقاعدهن بتاريخ 1 /6/ 2011 (أي بعد يومين)، وهي تبكي بحرقة في ممرات الجامعة من هول الصدمة، التي لم تبلغ عنها سوى منذ أيام قليلة، وهي تردد قول سمو الأمير المفدى "حسبي الله ونعم الوكيل" عندها تذكرت المثل الشعبي "قال من أمرك قال من نهاني" أو المثل العربي "من فرعنك يا فرعون قال محد ردني". ومن هذه الأمثال فإنني أتوجه لأخي العزيز سعادة الشيخ ناصر بن محمد آل ثاني وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بطلب واحد فقط وهو منع أية جهة قامت بتحويل القطريين للتقاعد من تعيين أي موظف بدلاً عنهم من مبدأ أن الاستغناء عن أي مواطن يعمل بجد وتفانٍ هو بسبب عدم حاجة تلك الجهة لتلك الوظيفة.

وفي الختام، وبعد كل ما ذكرناه، نقول أنه من حق مكوك الفضاء "انديفور" أن يعبر سماء الدوحة قبل إحالته إلى التقاعد.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع