أيهما أقوى .. منطق السوق أو منطق الحكومة

أيهما أقوى.. منطق السوق أم منطق الحكومة ؟

كنت من المستمعين، في الأيام الماضية، لبرنامج "وطني الحبيب.. صباح الخير" ومن المتابعين لما ينشر في الصحافة حول قرار الوزارة بحرمان المستهلكين من الشراء المباشر من السوق المركزي وقصره فقط على التجار الذين معهم كل الحق في بيع ما يتم شراؤه بأرباح تصل ما بين 100 % إلى 400 % وذلك لمقابلة مصروفاتهم الجارية التي تحمل على المستهلك البسيط. والسبب الرئيسي في تلك المتابعة هو أنني كنت أرغب في سماع أن الوزارة قد عدلت عن قرارها لأن ما قامت به هو مخالفة صريحة لمرئيات سمو أميرنا المفدى حفظه الله الذي قال في مؤتمر الدوحة للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة: "تبقى القضية الثالثة التي تمثل ركناً أساسياً في فعاليات هذا المنتدى وهي التجارة الحرة، التي تعزز من قيمة التنمية الشاملة. وهكذا نجد أنفسنا إزاء مواجهة مثلثة الزوايا، "ديمقراطية" لها وسائلها من القوة، "وتنمية شاملة" تقف وراءها، وهي تختص بترتيب شؤونها، لكي تكون سندها، "وتجارة حرة" تشد من أزرها. وهي أيضاً مخالفة لتوجه معالي رئيس مجلس الوزراء عندما ذكر في اللقاء التشاوري الرابع "بأن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام عدم استقرار السوق، واستغلال المواطن، ولن تسمح أو تتغاضى عن الممارسات الاحتكارية واستغلال المواطنين". وأضاف معاليه: "إن الدولة بدأت باتخاذ خطوات جدية لمنع هذه الممارسات، وسوف تتم ملاحقة ومعاقبة المخالفين بشدة وحزم". فبماذا نفسر قرار الوزارة بالمقارنة مع توجهات سمو الأمير ومعالي رئيس الوزراء؟. وللأسف نجدهم بدلاً من معاقبة المخالفين بشدة وحزم قاموا بمعاقبة المواطنين واستغلالهم.

إن الاقتصاد الحر الذي يسعى سمو الأمير له وينفذ آلياته معالي رئيس مجلس الوزراء هو الاقتصاد الذي يعتمد على تسعير المنتجات من خلال آلية العرض والطلب، وغير خاضع لسلطة الدولة، وغير قابل للتأميم.. بمعنى آخر هو السوق المتحرر من تدخلات الحكومة وقيودها، ويقتصر دور الحكومة فيه على الحفاظ على النظام القانوني، وحماية الممتلكات العامة. فالسوق الحر ـ أو التجارة الحرة ـ هو تعبير اقتصادي يتضمن فيما يتضمنه:

• تجارة السِّلَعِ بدون ضرائب وحواجز تجارية.

• عدم فرض سياسات الاحتكار التجاري الذي يعطي بعض الشركات فائدة على الآخرين.

• عدم تمكين الشركات لتحريف الأسواق من خلال الاحتكار المفروض من الحكومة.

• ضمان الدخول الميسر والمجاني إلى جميع أنواع الأسواق.

وكان الاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث أول من طالب في نظام السوق الحر بألا تتدخل الحكومات في معظم الأعمال، وأن يعتمد الناس على الحكومة في سن القوانين التي تُؤمِّن العدالة الاقتصادية. وترمي هذه القوانين إلى منع الناس والشركات من الاستفادة من أوضاعهم الخاصة على حساب الآخرين. وعليه يصبح دور الحكومة في نظام التجارة الحرة هو:

• سن وتنفيذ القوانين التي تنظم النشاط الاقتصادي.

• إنشاء الصناعات الخدمية العامة.

• توفير السلع والخدمات للجمهور.

• العمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وفي الاقتصاد الحر، تؤدي الادخارات والاستثمارات الخاصة دوراً مؤثراً في النمو الاقتصادي، فحين يدخر الناس جزءاً من دخلهم، يصبح من الضروري عليهم أن ينفقوا أموالاً أقل على السلع الاستهلاكية والخدمات. ومن هنا يمكن للمدخرين إيداع أموالهم في المصارف التي تقوم بدورها بإقراض مشاريع الأعمال. كذلك يُمكن للمدخرين أن يستثمروا أموالهم في الأَسهم والسندات التي تطرحها الشركات. وبأموال هؤلاء المستثمرين، يُمكن للمنشآت أن تزيد من مواردها الصناعية. وفي الاقتصاد الرأسمالي، تعتمد سرعة نمو الاقتصاد اعتماداً كبيراً على مدى استطاعة المستهلكين وشركات الأعمال الادخار والاستثمار. أما في قطر فالقليل من الناس لديهم الأموال الكافية لشراء كل ما يريدونه، وفي الوقت الذي يريدونه. وعليه فإنه يتعين على السكان في قطر أن يختاروا أفضل الطرق لاستعمال مواردهم وأموالهم، حتى يتمكنوا من توفير جزء ولو حتى يسير منها، ولكن مثل هذه القرارات لن تمكن القطريين من توفير أي درهم واحد من رواتبهم الضئيلة التي تدخل جيوب التجار قبل أن تدخل في جيوب من كد واجتهد في تحصيلها.

إنه من المعروف "إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع".. وما حدث من منع المستهلكين من دخول السوق المركزي يأتي في فئة بـ "ما لا يستطاع". إن الحكومة، يا سادة يا مسؤولون، عندما تفرض نفسها على السوق فإن الناس سرعان ما يبتكرون سوقاً موازية تعرف باسم "السوق السوداء" وهي السوق التي تعكس حقيقة الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الناس بعيدة عن سيطرة الحكومة، ولا تخضع للإشراف المهني لنوع البضاعة التي تباع. وعلى هذا فإن منطق السوق هو أقوى من منطق الحكومة.

وفي الختام نقول بأننا كنا في ظل حكم اعتاد الناس فيه على قيام الدولة بتوفير جميع ما يحتاج إليه المواطنون من مسكن، ومشرب، ووظيفة، ومساعدات.. وبعدها جاءتنا حقبة زمنية جديدة ركز فيها أولياء الأمر لتكون حقبة اقتصاد حـر وسوق حر متحرر بعيداً عن تدخلات الحكومة وقيودها. أما توجه الوزارة بقرارها الحالي فإنه يشير إلى حقبة أو توجه مختلف تماماً، توجه تراجعت عنه، وبدون رجعة، الكثير من الدول التي كانت تطبقه وعلى رأسهم الاتحاد السوفيتي.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع