افرحوا يا تجار .. الحكومة تحميكم

افرحوا يا تجار.. الحكومة تحميكم

لقد بدأت أكتب عن كلية المجتمع التي برزت عليها علامات استفهام كبيرة عن الدور السلبي الذي بدأ بالظهور على السطح وبخروجها الصريح عن توجهات سمو الشيخة موزا بنت ناصر نائب رئيس المجلس الأعلى للتعليم، ولكن وقبل أن أصل لنهاية مقالي عن هذه الكلية، فاجأتنا جريدة الشرق القطرية بنشر قرار منع بيع الخضار والفاكهة بالتجزئة بالسوق المركزي (الشبرة) للمستهلكين مباشرة على أن يسمح بالبيع بالتجزئة فقط من خلال محال الخضار والسوبر ماركت التي لديها ترخيص من وزارة البلدية بالتعامل مع السوق المركزي بل وصل الأمر إلى أنه تم اعتبار المنطقة كأنها منطقة عسكرية محرمة وعليه فإنه سوف يتم اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لمنع دخول أي فرد من المستهلكين إلى السوق للشراء. وفي نفس الوقت قامت الوزارة بإجبار سائقي الشاحنات على توفير الرجل الخارق (سوبرمان) لإنزال البضائع لمدة ساعتين ومن ثم تحميلها على الشاحنات لأنه سيبدأ المزاد، للتجار فقط، من الساعة 30ر6 صباحا إلى الساعة 30ر8 صباحا ولن يسمح بوجود أي بضاعة داخل السوق بعد هذا الموعد.

إننا لا نختلف مع الجهات الحكومية بأن البيع تحت الشمس الحارقة يعرض المستهلكين لأخطار صحية وفي نفس الوقت يعجل بفساد الخضر والفواكه مما يؤدي إلى أضرار أكبر على الصحة العامة. ولكننا يجب أن نعرف أن المستهلك، مقيما أو وافدا، على استعداد لمواجهة المخاطر الصحية في سبيل توفير ما تحتاج إليه عائلته من مواد تموينية يستطيع شراءها في ظل الغلاء الفاحش الذي طال كل السلع والبضائع والخدمات مقارنة بالراتب الذي يتقاضاه والذي لا يزال "مكانك سر". ولا نختلف مع الوزارة بأن أي شخص يعمل في أي شكل من أشكال التجارة يجب عليه الحصول على التراخيص اللازمة. ولكننا يجب أن نعرف أن من يعمل في السوق لا يستطيع ممارسة مهنته بدون وجود إقامة وترخيص وإلا تعرض للتسفير من الأراضي القطرية.

لقد درجت الكثير من العائلات ومنذ عشرات السنين، وبالأخص كبيرة العدد منها، على الشراء المباشر من السوق المركزي لما لهذا السوق من حسنات أهمها الأسعار المنخفضة والتي من المستحيل أن تسمع عنها أو تتخيلها خارج هذا السوق. إن دور السوق المركزي (الشبرة) مهم جداً لحياة الناس ففيه يتم تسويق حوالي ثلثي البضاعة الواردة يوميا من الخضر والفاكهة إلى المستهلكين من الأفراد والعائلات في حين يتم بيع الثلث الأخير إلى المحلات التجارية التي تقوم بدورها ببيع البضاعة من خلال فروعها داخل مدينة الدوحة بنظام التجزئة بأسعار جديدة تصل الزيادة فيها من 100 % إلى 400 % من أسعار السوق المركزي.

إن منع الشراء مع قصر فترة البيع سوف يؤدي بلا شك إلى احتكار التجار لسلعة مهمة يحتاج لها المواطن والمقيم مما سينتج عنه تضاعف أسعار الخضر والفواكه في محلات السوبر ماركت بدون وجود منافسين لهم. وما شاء الله، تجارنا، بحماية الجهات الحكومية كما هو حاصل الآن، يفتشون عن أي فرصة لحلب المواطنين والمقيمين، وبدون رحمة، للقضاء على ما يتبقى، إن تبقى شيء، من رواتبهم لأنهم يشعرون بأنهم أحق بهذه المبالغ من الموظفين والعاملين الذين يكدحون ليلاً ونهاراً للحصول على الرزق الحلال الذي يستر حالهم. لقد كان رفع الأسعار على جميع أنواع السلع والبضائع، في السابق، حقا مشروعا لكل تاجر لسكوت الجهات الرسمية. أما الآن فلم تعد تلك الجهات الرسمية ساكتة على رفع الأسعار بل تشارك فيه. لقد أجمع تجار السوق المركزي على أن هذا القرار سيرفع الأسعار ويخفض الكميات المستوردة من الخارج وبدوره سيقل المعروض مما يرفع، مرة أخرى، الأسعار. أما المستهلكون المغلوبون على أمرهم فقد أجمعوا على أن هذا القرار سيزيد من الأعباء المالية على العائلات.

إن التفكير الخلاق والقرارات التي تصدر بعد دراسة معمقة هو المطلوب لدولة قطر التي تطمح لمقارعة الدول الكبرى في التوجه الحضاري المستقبلي. إن القرارات العشوائية التي تخدم فئة معينة من البشر دون الأخرى هي السمة الشائعة في الدول المتخلفة ونحن في قطر قد تجاوزنا هذه المرحلة بمراحل. وكان على الوزارة المعنية بهذا الأمر، والتي من المفروض قيامها بحماية السكان من المواطنين والمقيمين، أن تبادر إلى:

• تجهيز المكان المناسب الذي يحمي الناس والبضائع من حرارة الشمس والرياح المحملة بالأتربة والأمطار المفاجئة.

• توفير الكادر المناسب من المفتشين الصحيين للتأكد من سلامة البضائع المعروضة في السوق.

• تحديد أسعار الخضراوات والفواكه ونسبة الربح المناسب من المبدأ الإسلامي "لا ضرر ولا ضرار".

• تعديل وضع التجار العاملين بالسوق وإجبارهم على الحصول على التراخيص اللازمة من صحية ورخص تجارية وخلافه.

وفي الختام نقول إننا نتمنى أن يلغى هذا القرار لأنه يسير في عكس توجهات سمو الأمير المفدى حفظه الله والتي أعلن عنها مراراً في كثير من خطبه ولقاءاته بأن الحكومة سوف تستمر في اتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة للهبوط بمستوى الأسعار ورفع القوة الشرائية للدخل الفردي وذلك بهدف دعم الاقتصاد المحلي. إن هذا القرار، كما أراه ويراه غيري، سيحمل عباد الله ممن يعيشون على هذه الأرض الطيبة أعباء مالية إضافية قد تكون لها آثار قاتلة على البعض منهم.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع