احترام كبار السن

احترام كبار السن

في احدى الأمسيات ونحن جلوس في المجلس إذ دخل علينا أحد المواطنين من كبار السن ذو هيبة ولباس أنيق فعرفه البعض وجهله البعض الآخر وأنا منهم وبعد التحية والتكريم لمن هم في سنه من قبلنا، دخل في الكلام ووجدت له أسلوباً في الحديث أقل ما يقال عنه انه ممتع. وفعلاً أدخل البهجة في قلوبنا مما سمعنا منه في مختلف المواضيع التي كنا نتحدث فيها. وبعد مدة من الزمن قام الرجل مودعاً وكنا في الحقيقة نتمنى أن يستمر معنا بالجلوس ولكن بسبب الأمراض التي ألمت به لعمره الطويل أجبرنا أن نخضع لطلبه. وبعد ذهابه سألت عنه فقيل لي ان هذا المواطن، مع أنه تزوج ثلاثا من النساء، لم يخلف أيا من الأولاد وجميع زوجاته قبضهن الله منذ زمن بعيد ولا يوجد من يعتني به ويزوره ويكسوه وينفق عليه سوى ابن أحد أصدقائه، عندها تذكرت قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه، بعد أن يولي" وقوله صلى الله عليه وسلم "ما أكرم شاب شيخاً من أجل سنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه". والله لقد أفلح هذا الشاب وضمن مستقبله في الدنيا والآخرة.

وعكس ذلك ما شاهدته في حفلة زواج أحد المواطنين عندما حضر بعض كبار السن ليقدموا تهانيهم للمعرس تكريماً لوالده وأرادوا الجلوس ولكن، وللأسف الشديد، كانت الكراسي القريبة من المعرس يشغلها مجموعة من صغار السن ولم يتحرك أي واحد منهم ليفسح المجال لهؤلاء الكبار بالجلوس على تلك الكراسي حتى قام أحد الموجودين من أهل المعرس بنهرهم للقيام عن تلك الكراسي ولقد قاموا ولكن على وجوههم صبغة من التبرم الواضح والزعل الشديد.

لقد أوجب الإسلام احترام وتوقير كبار السن وحث عليه فقد قال تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {23}وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {24}" الإسراء، وقال صلى الله عليه وسلم "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم"، وقال صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر"

في الماضي كان للمسن في قطر احترامه المطلق وكان محل تقدير وإعزاز من فئات المجتمع قاطبة أما الآن فقد تنكر المجتمع القطري لهذه الفئة فما السبب في ذلك؟

لقد أنجز هذا المواطن المسن، بعد رحلة طويلة من العطاء، أعمالاً باهرة في شبابه لصالح النمو والتنمية لبلاده في وقت لم تكن هناك رغبة من الوافدين للقدوم إلى قطر. وبعد أن زاد خير النفط وعائداته المجزية وانهالت على البلاد أعداد كبيرة من الوافدين وتحولت الصناعة النفطية، منذ 1975، إلى الدولة، ألغيت اللجان العمالية التي كانت تمثل الحكومة للدفاع عن مصالح المواطنين في شركات النفط. وعلى ذلك فقد أصبحت رسائل التفنيش تنهال على المواطنين لأن الحكومة أصبحت هي الخصم والحكم. ومع هذه الرسائل تبدأ أولى خطوات الشقاء والتعاسة. ولهذه الرسالة معان عديدة أولها هو تنكر الحكومة لعطاء هذا المسن. وبما أن الحكومة وهي الجهة التي تعرف مصلحة البلاد والعباد تنكرت للمسن فيترتب عليها تنكر المجتمع والأسرة. ومن أنواع التنكر الحكومي لهذا المسن عدم إعطائه كفايته. إن ما يصرف للمسنين، كمعاشات شهرية لا يتجاوز في أحسن حالاته 5000 ريال قطري. فالمسن كأي فرد يحتاج إلى أساسيات الحياة مثل السيارة والسائق والخدامة والمأكل والمشرب والملبس وأمور أخرى كثيرة ولا أعتقد ان المبلغ الذي يصرف لهم يحفظ كرامتهم ويكسب ودهم. ومن يقل بأن موارد الدولة أو إمكانياتها محدودة فهو قد جانب الصواب، فالحمد لله تزداد كل يوم خزانة الدولة بالإيرادات من النفط والغاز والرسوم الحكومية المتزايدة، وفي نفس الوقت يتمتع أهل الصفوة بالثراء والترف، والمزايا والمرتبات الخرافية، والحوافز والمكافآت التشجيعية. ولكن عندما يكون الأمر خاصا بتكريم كبار السن من المواطنين، نرى يد البخل تتدخل لتحرم المسن من حقه في التمتع بحياة كريمة ولو لفترة قصيرة وهي الفترة المتبقية من حياته على ظهر الأرض.

إن كبار السن في الدول المتحضرة، التي تحاول دولة قطر الوصول لمستوياتها، يتمتعون بمزايا عديدة، منها وليس كلها:

• تسلم معظم راتبه كأنه على رأس عمله.

• تخفيض على فاتورة التدفئة في أيام الشتاء الباردة.

• تخفيض في أجرة المواصلات العامة.

• تخفيض تمنحه شركات الطيران الوطنية للسفر داخل وخارج البلاد.

• تخصيص مقاعد في كل باص أو مترو أنفاق أو قطار لكبار السن.

• تخفيض على رسوم تجديد رخصة السيارة، ورخصة القيادة.

وهناك الكثير والكثير من المزايا غير التي ذكرت، ولكنى أعتقد أن ما ذكر هو خير دليل على جدية الحكومات الغربية في الاعتراف بآدمية المواطن، وتكريمه، ووضع ابتسامة على شفتيه قبل أن يودع الحياة.

والسؤال البريء هو: ماذا قدمت دولة قطر لهذا المسن؟

اللهم اغفر لوالدينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع