المواطنون والصحة العقلية

المواطنون والصحة العقلية

لقد قمنا بظلم المسئولين الذين يقفون ضد تعيين القطريين أو الذين يقومون بتحويل المواطنين إلى التقاعد المبكر، والسبب أنهم عندما يقومون بهذه الأفعال لا يتكرمون علينا ويبررون الأسباب الخفية التي تقودهم لهذا الأمر، أما الآن وبعد أن عرف السبب فإننا نقول لكل هؤلاء المسئولين "شكراً لكم على اهتمامكم على صحة المواطنين العقلية".

فلقد ورد، على صفحات جريدة الراية بتاريخ 18 /3 /2011، خبر مفاده أن دراسة أسترالية جديدة أظهرت أن الوظائف منخفضة الراتب، وعدم الإنصاف في الرواتب، وقلة الأمان الوظيفي يمكن أن تكون جميعها سيئة ولها آثار سلبية على صحة الشخص العقلية، ووجد الباحثون أن الانتقال من البطالة إلى وظيفة من تلك النوعية يرتبط بانخفاض ملحوظ في الصحة العقلية مقارنة بمن لا يزالون عاطلين عن العمل.

ونحن نقول ان الرواتب المنخفضة والغلاء وجشع التجار وعدم التوجيه الحكومي والديون المتعثرة والمخالفات المرورية، جعلت رواتب المواطنين لا تصل بقيمتها إلى نهاية الشهر، مما يقودهم للعيش في دوامة لا يعرفون كيفية التخلص أو الخروج منها. ولا يكتفي المواطن بهذا الهم بل عنده هم آخر وهو كيف سيكون حاله عندما يحول إلى التقاعد ويخسر من راتبه الشيء الكثير. ولهذا فهو يستعمل طاقته العقلية للبحث عن حلول لهذه المشكلة وكلما سلك طريقاً وجد نهايته مغلقة لأن شخصا آخر سبقه لهذا الأمر، مما يجبره على تشغيل عقله بطاقة أكبر للوصول إلى حلول أكثر إبداعية الأمر الذي يسرع من حرق الخلايا بسرعة أكبر.

أما عدم الإنصاف في الرواتب فهو أمر نلاحظه في كل مكان. فغير القطري في الجامعة ومؤسسة حمد وفي المنشآت الرياضية والكثير غيرها، حتى لو أن القطري يمارس نفس العمل أو الحرفة التي يمارسها غير القطري، يتم تمييزه بالرواتب الخيالية والمكانة العالية والتقدير من الجهات المسئولة. لهذا فالمواطن يستعمل قواه العقلية بكل طاقتها للبحث عن السبب في هذا الأمر ولا يجد سببا جوهريا لهذا الأمر مما يحرق الخلايا المخية بسرعة أكبر ويؤثر على صحته العقلية.

أما قلة الأمان الوظيفي فقد خلقها قانون الموارد البشرية المطبق على القطريين دون غيرهم. فالمواطن مهما تفانى في العمل فإنه لن يترقى إلا إذا اتبع الطرق التي تحط من شأنه عن طريق التودد لمرؤوسيه ومسئوليه والكيد لإخوانه بغض النظر عن أدائه الوظيفي، لأن فرص ترقيته مع وجود إخوانه من المواطنين في وظائفهم تكاد معدومة. والمشكلة الأكبر من ذلك أن المواطن يحاسب على أتفه الأسباب بينما غير المواطن كلما أخطأ فإنه يتسلم رسالة تقدير وربما يرقى إلى منصب أكبر بامتيازات أعلى كأن الخطأ لا يصدر منه أبداً. أما الإحالة إلى التقاعد فإنها لا تخضع لشروط محددة، فقد تكون الإحالة لأي سبب مثل أن المسئول لم يعجبه شكل هذا الموظف أو أن الموظف مر على المسئول بدون أن يسلم عليه. ولهذا نجد أن المواطن يفكر ويشغل مخه للوصول إلى حل مناسب للحصول على الترقية بدون أن يحط من كرامته وأن يستمر في الوظيفة بدون أن يتودد أو يتملق للمسئول، مع العلم أن ما يعمله لإرضاء المسئول اليوم هو نفسه الذي قد يسخطه ويغضبه غداً لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك. لهذا فإن هذا المواطن المسكين يفكر ويفكر ويشغل عقله بطاقة تستطيع تشغيل محطات كهربائية لمدن كبيرة والمشكلة أنه لا يصل إلى حل مناسب يرضيه ويرضي رب العالمين مما يؤدي إلى استهلاك عقله بصورة سريعة.

فإننا نؤيد نتائج الدراسة الاسترالية، التي طبقت على حوالي 7000 حالة، ونقول ان البطالة فعلاً تؤدي إلى تكامل الصحة العقلية لأنها تمنع الشخص من الزواج ومن ثم العكننة صباحاً ومساءً مع الزوجة ذات الطلبات التي لا تنتهي، وفي نفس الوقت من تحمل طلبات الأبناء ومن مسئولية بناء الأسرة. أما الإحالة للتقاعد المبكر فإنها تؤدي، بدون شك، إلى تدمير المواطن مادياً مما يعجل، بدون شك، من دخوله إلى السجن ليبتعد عن المجتمع وطلباته التي لا ترحم. وكل ذلك يؤدي إلى تكامل الصحة العقلية للمواطنين.

*****

ملاحظة ختامية:

لقد تم نقدنا عما جاء في مقالة الأسبوع الماضي على عدم إنصافنا لمشروع قانون التقاعد الجديد وذلك لأني اعتمدت على ما نشر فقط على صفحات جريدة الشرق. ولهذا فإنني أسجل هنا احتجاجي على الأمانة العامة لمجلس الوزراء الموقر من جهة والهيئة العامة للتقاعد والمعاشات من جهة أخرى للتعامل بسرية مطلقة مع هذا المشروع المهم لحياة المواطنين. ولنسأل أنفسنا: هل يريد المسئولون أن يطبق القانون الجديد ومن ثم تظهر عيوبه وينتقد ومن ثم تعاد كتابته بنفس الطريقة التي تم التعامل بها مع القانون الأصلي؟ أين هي المساهمة العامة لبناء المجتمع المحلي؟ وأين هي مبادئ الشفافية التي ينادي بها الجميع؟

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع