تصفية الفروع الإسلامية

 

تصفية الفروع الإسلامية

عندما قرأت في جريدة الشرق بتاريخ 5/2/2011 عن قرار مصرف قطر المركزي بإغلاق وتصفية الفروع الإسلامية للبنوك التجارية التقليدية تذكرت أسلوب بداية الدعوة الإسلامية. فالإسلام بعث لأمة تعبد الأوثان والأصنام فكان من الحكمة أن تكون الدعوة في بداية أمرها سرية، لئلاً يفاجأ أهل مكة بما يهيجهم ويثير حميتهم الجاهلية لآلهتهم وأصنامهم فلذلك لم يكن من الحكمة أن يجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوته إلى الإسلام في هذا المجتمع. وبدأ رسول رب العالمين بعرض الإسلام أولاً على آل بيته وأصدقائه ممن يَعْرِفهم بحب الحق والخير، ويعرفونه بالصدق والصلاح. ثم نشط كل واحد من هؤلاء إلى دعوة من يطمئن إليه ويثق به إلى الإسلام سراً. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم بعيداً عن أنظار المشركين فيرشدهم ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن الكريم، ويثبت الإيمان في قلوبهم. فملكوا الدنيا ودانت لهم، وهدى الله بهم الناس إلى الصراط المستقيم. ولما بدأت عملية تعليم المسلمين، الذين هم حديثو عهد بالإسلام بما يجب أن يتجنبوه من أمور تغضب رب العالمين فقد كانت عملية التعليم الرباني تتم بالتدريج، ففي الأول يأتي بيان خطرها على الفرد والجماعة، ثم الكراهة من الإتيان بها ومزاولتها، وفي النهاية يتم تحريمها تحريماً مطلقاً. هذه هي الرسالة الإسلامية القائمة على إخراج الناس من الغي والضلال إلى الهدى والرشاد، لتكون عزاً ونصراً للمؤمنين ورحمة للعالمين.

ونأتي إلى علاقة موضوعنا ببداية الدعوة فنقول بأنه كان لا يوجد في السابق على أراضي دولة قطر بنك إسلامي واحد، بل كانت جميع البنوك من بنوك المقاصة أو البنوك، كما يسميها البعض، الربوية. وعندما بدأ مصرف قطر الإسلامي وبنك قطر الدولي الإسلامي بالعمل على الأراضي القطرية استبشر الناس خيراً. ومع وجود الكثير من الشكوك حول طريقة عمل هذين البنكين إلا إن اندفاع الناس على التعامل معهما كان كبيراً جداً (على أساس حطها برأس عالم واطلع منها سالم) وانعكس هذا الاندفاع على الأرباح السنوية التي يحققانها مقارنة برأس مالهما. الأمر الذي أدى إلى محاولة البنوك التقليدية إلى الخوض في مجال البنوك الإسلامية وأنشئت في هذا المجال فروع قائمة بذاتها تحمل اسمها المتعارف عليه مضافاً إليه كلمة "الإسلامي".

وكنت من أوائل المتشككين حول عملية المزج بين أعمال بنوك المقاصة والبنوك الإسلامية في هيكل واحد وبدأت عملية التحري الواعي فكان أن وقع اختياري على بنك (..) فوجدت أن هذا الفرع الإسلامي يقدم خدمات حساب التوفير، وحساب الودائع الاستثمارية، ومرابحة السيارات، ومرابحة البضائع، والتورق، بالإضافة إلى خدمات الاعتماد المستندي، وخطابات الضمان، والاستصناع، والإجارة المنتهية بالتملك والصيرفة الإسلامية والخدمات المالية الاستثمارية للأفراد وأصحاب الشركات وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. وعليه فإن هذا الفرع يقدم باقة واسعة من الخيارات والخدمات بالإضافة إلى ذلك فإن لديه هيئة رقابة شرعية تراقب عملياته وتستبعد أي عملية يشوبها عدم الشرعية. أما رأس مال الفرع الإسلامي فإن البنك الرئيسي، مع ان إمكانياته المالية، وحتى لا تختلط الأموال الربوية مع الأموال الإسلامية وبحكم علاقته مع أحد البنوك الإسلامية في الإمارات فقد حصل على قرض حسن لإنشاء ذلك الفرع الإسلامي ليكون مالاً طاهراً لا تشوبه أية شائبة. وبهذا نخلص إلى أن إنشاء وعمل هذا الفرع الإسلامي يتماشى مع الشريعة الإسلامية وفوق ذلك فقد حصل من المصرف المركزي على ترخيص لمزاولة هذا النشاط.

إن حصة البنوك والفروع الإسلامية من السوق القطري، كما أوردها تقرير الشرق، وصلت إلى أكثر من 20 % حاليا ومرشحة للزيادة خلال السنوات القادمة، أما عدد حسابات العملاء فقد تجاوز 100 ألف حساب وذلك في فترة بسيطة من الزمن. وعندما أصبحت غالبية المعاملات معاملات إسلامية وانتشر مفهوم التمويل الإسلامي وجدنا المصرف المركزي ينقلنا من الحالة الإسلامية إلى التعامل مع أسلوب المعاملات الربوية ولو كنا في فترة صدر الإسلام لقلنا ربما وجد المصرف المركزي أن غالبية السكان في قطر هم من حديثي عهد بالإسلام فلذلك فإنه لا يريد أن يرتد السكان عن الإسلام. إن القرار الذي لن نختلف معه هو الأمر بإغلاق وتصفية البنوك التجارية التقليدية وإلزامها بالعمل بالأسلوب الإسلامي البحت وذلك تماشياً مع المادة (1) من الدستور القطري، ولنجعل قطر، كما ذكر أحد رجال الأعمال، مركزاً إقليمياً وعالمياً للصيرفة الإسلامية بدلاً من ماليزيا وسنغافورة.

إنني أرى، وهذه وجهة نظري، بأن فتح المجال للبنوك التقليدية لفتح نوافذ إسلامية أحدث حالة من المنافسة غير المتكافئة مع البنوك الإسلامية التي بدأت بفقد جزء ليس باليسير من عملياتها المصرفية، ومن ثم انعكس هذا الأمر على مستوى أرباحها. والعجيب في الأمر أن قرار المصرف المركزي أتى بعد أن أعلن بنك (..) الإسلامي بأنه حقق أكثر من 900 مليون ريال أرباحاً صافية (ما شاء الله حتى الحسد وصل لأرباح البنوك). ومن المحتمل، والعهدة على الراوي، قيام المصرف المركزي باستثناء بنك (..) من هذا القرار (المجاملة وصلت حتى في القرارات المصيرية).

إن العميل، يا مصرف قطر المركزي، يسعى إلى البنك الذي يحصل منه على أفضل الخدمات وأسرعها، وما دامت الفروع الإسلامية لديها هيئات رقابة شرعية تراقب كافة أعمالها فإنه ليس من اللائق قيام المصرف المركزي بإصدار قرار يتعارض مع سياسة الدولة في دعم المنافسة وفتح السوق أمام الجميع بفرض سياسة حماية لصالح بنوك إسلامية بعينها (نعرفها بالاسم) ولنترك البنوك تتنافس مع بعضها البعض لصالح الأعمال والعملاء، لأن مثل هذا القرار سيضر، وبشكل كبير وواضح، الجميع

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع