العلاج الطبي بين القبول والرفض

 

د.محمد بن علي الكبيسي

العلاج الطبي بين القبول والرفض

لقد قمت فى وقت سابق بحجز موعد للوالدة أطال الله فى عمرها ومتعها بالصحة والعافية (قولوا آمين) وكنا قاب قوسين أو أدنى من الموعد المقرر وفجأة وصلتنى رسالة عن طريق الهاتف ان الدكتور يعتذر وقد حدد موعداً جديداً لها بعد شهرين. وكان من المترددين على المجلس أحد الأصدقاء وهو دكتور فى مؤسسة حمد الطبية وسألته لماذا تتأجل المواعيد؟ وكأننى فجرت قنبلة شديدة الانفجار فهذا تم الغاء موعده ولم يحدد له حتى الآن موعداً آخر والثانى قد تم تحويله الى طبيب آخر بدون علمه والثالث أعطى لموعد بعد أربعة أشهر والرابع تم تأجيل موعده ثلاث مرات بدون أن يقابل أى طبيب والخامس تم تحويله للتصوير المقطعى حتى الآن لم يحدد له موعد والسادس أعطى نتائج فحوصات مغايرة لحالته والسابع سافر الى دولة أجنبية ليكتشف أن تشخيص المرض الذى تم تحديده فى قطر غير ما يعانيه والثامن أرادوا اجراء عملية لابنه فى رجله اليمنى بدلاً من الرجل اليسرى المصابة والتاسع يحتاج لنوع من الأدوية غير متوافر فى الصيدلية مما تجبره الحالة أن يسافر كل بضعة أشهر لمنطقة الاحساء ليشتريه منهم والعاشر يدفع مبالغ طائلة لاحدى الجهات العلاجية الخاصة و.. و.. وآخر التقليعات أن أحد القطريين دفع لأحد أصحاب الجنسيات الوافدة مبلغا من المال ليتنازل له عن السرير فى طوارئ مستشفى حمد والنتيجة أننا توقفنا عن لعب الورق وقمنا نتحدث طيلة السهرة عما يعانيه الجميع من الخدمات الطبية فى قطر بشكليها العام والخاص.

من منا لم يعان من مرض فى جسده، فيذهب الى المركز الصحى طالباً العلاج الذى يحوله الى مستشفى حمد فيذهب هذا المريض الى الاستقبال لطلب موعد فاذا الموعد لمقابلة الطبيب بعد شهر وعندما يذهب بعد شهر يطلب الطبيب فحوصات وتحاليل ويطلب منه تحديد موعد آخر لمقابلته بعد تنفيذ ما كلف به ويجد أن الموعد الجديد بعد شهر ونصف ليطلعه فقط على نتائج التحليل. والمشكلة الكبرى اذا كانت تلك الفحوصات لم تبين نوع المرض فنجد أن الطبيب يجتهد كما الفقيه فى الدين يجتهد والفرق بينهما أن الفقيه اذا أخطأ فله أجر أما الطبيب اذا أخطأ فللمريض القبر.

وموضوع العلاج الطبى هو واقع يثير عدداً من الأسئلة حول مدى التزام ووفاء المجلس الأعلى للصحة بحق المواطنين والمقيمين فى توفير العلاج الذى تكفلته الدولة وهيأت له موارد مالية ضخمة. ومن ذلك الحق هو الحصول على الرعاية الصحية الجيدة فى وقتها المناسب. وتنص المادة (23) من الدستور القطرى على "تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر وسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة وفقاً للقانون". وأتى القرار الأميرى رقم (13) لسنة 2009 بانشاء المجلس الأعلى للصحة فى مادته (4) على أن "المجلس يهدف بوصفه الجهة العليا المختصة بشؤون الرعاية الصحية فى الدولة الى توفير أقصى مستوى من الرعاية الصحية، وتقديم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية على مستوى يحظى بسمعة دولية وتقدير عالمي، وذلك فى اطار السياسة العامة للدولة"

وعندما قرأت عبارة "وتقديم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية على مستوى يحظى بسمعة دولية وتقدير عالمي" وجدت الاحصائيات الصحية التالية: مرتبة قطر فى عدد الأسرة عالمياً هى 109، ومرتبة قطر فى عدد الأطباء عالمياً هى 54 (الجمهورية اللبنانية والتى تتلقى دعماً مالياً من قطر هى فى المرتبة 29 عالمياً)، ومرتبة قطر فى النفقات على القطاع الصحى من اجمالى الدخل عالمياً هى 184، مرتبة قطر فى نصيب الفرد من النفقات عالمياً هى 32.

ولهذا فلنسأل أنفسنا السؤال البريء: متى آخر مرة قامت الدولة ببناء مستشفى يوازى مستشفى حمد؟ علماً بأن المستشفى افتتح عام 1982 بعدد أسرة تبلغ 616 وذلك عندما كان السكان فى قطر لا يتجاوز عددهم 280 ألف نسمة. والآن وحسب نشرة جهاز الاحصاء بتاريخ 30/9/2010 وصل العدد 235ر642ر1 نسمة ويعنى ذلك بكل بساطة ان أى شخص يطالب فى تحسين أداء الخدمات الطبية يطلب شيئا مستحيلا وبعيد المنال (نسمع عن مستشفى دخان ومستشفى الجنوب لكن لا ندرى متى سيدخلان فى الخدمة)

ويكاد يجمع المواطنون والمقيمون فى قطر على أن الخدمات الصحية فى قطر تعانى الكثير والكثير من ترديها فلكل واحد منهم لديه دليل أو قصة تثبت ذلك، والوقائع تشير الى أن تحقيق رؤية الدولة فى علاج كل مواطن قد تبدو مستحيلة لقلة المستشفيات والكادر الطبى المتخصص الا انه من المهم مواجهة المشكلات الصحية فى أسرع وقت على أساس التخلص من آلام المرض وتوفير الرعاية الصحية. والمرض، كما تعلمون، هو ثالث الفقر والجهل، ولا مجال لتأخير مواجهته بحجة ازدحام المستشفى أو أى حجة أخرى، فهو حق كفله الدستور وقوانين الدولة وتنفيذه يجب أن يكون كاملاً غير منقوص.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع