أمير الكويت وزكاة الركاز

 

أمير الكويت وزكاة الركاز

ورد هذا الخبر عبر وكالة الانباء الكويتية وهذا نصه:

أعلن وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بالكويت مساء اليوم (16 /1 /2011) أن سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت أمر بصرف مكرمة أميرية بواقع 1000 دينار كويتي (حوالي 800ر12 ريال) لكل مواطن حتى مواليد 1 / 2 / 2011. وأضاف الوزير في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) أن المكرمة الأميرية تشمل صرف المواد الغذائية بالمجان لكل حاملي البطاقة التموينية من تاريخ 1 / 2 / 2011 حتى تاريخ 31 / 3 / 2012.

ولكن الملاحظ أن الشعب في الكويت أطلقوا على هذا الأمر أنه "مكرمة أميرية". ولكني أرى أن أمير دولة الكويت في هذا الشأن إنما أحيا سنة من السنن الإسلامية التي اختفت في العالم المعاصر وهي دفع زكاة الركاز وهي الزكاة التي لا تصرف في الأبواب المحددة للزكاة ولكنها تصرف في المنافع العامة. والركاز كما عرّفه علماء المسلمين هو كل مال مدفون في الأرض، بغض النظر عن صفة المعدن ونوعه، أي أنه لا يختص بالذهب والفضة. وفي المفهوم الاقتصادي الحديث هو ما استخرجته الدولة من باطن الأرض وهو ملك عام لجميع أبناء الشعب لهم حصة فيه لأنه مال الله استخرجته الحكومة، وبهذا فإن لعباد الله حقا في مال الله ويتم إخراجه كزكاة ركاز. وقال الشافعي: "وإذا وجد الركاز فوجب فيه الخمس فإنما يجب حين يجده كما تجب زكاة المعادن حين يجدها؛ لأنها موجودة من الأرض". ولقد اتفق الجمهور على أنه لا يشترط في الركاز الحول، ولا اعتبار للنصاب، وإنما يجب إخراج الخمس في الحال وعلى الفور، قلَّ أو كثُر، نصيبا مفروضًا، لقوله صلى الله عليه وسلم "وَفِي الرِّكَازِ الخُمُس"، وهي تدفع لولي الأمر ليسخرها لطاعة الله عز وجل لتوزيع ما يجب توزيعه على مستحقيه ويصرف غالباً في المنافع العامة ومصالح المسلمين، فإن تعذر، فعلى السائل والمحروم من الفقراء والمساكين وغيرهم. قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ.." البقرة: 267. وقال تعالى "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ.." البقرة: 177. ولقد أوجب الإسلام قيام ولي الأمر أو ما يطلق عليه في عصرنا الحاضر رئيس الدولة، برعاية الناس عامة وأصحاب الحاجة خاصة حتى ولو كانوا من أهل الذمة، وجعله مسئولاً ومؤتمناً عن ذلك أمام الناس ثم بين يدي الله تعالى، قال جل جلاله "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.." النساء: 58. ونلاحظ أن القرآن لا يحض على فعل الخيرات فقط بل يؤكد أيضا على أهمية المسارعة فيها كما لو كان الإنسان في سباق مع الزمن فقال تعالى "أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" المؤمنون: 61

وبما أن الزكاة هي ركن من أركان الإسلام فإن ولي الأمر مسئول مسئولية مباشرة أمام رب العالمين عن تحصيلها سواء من الحكومة أو من جميع فئات الشعب وفق القواعد العامة للشريعة الإسلامية وضمان عدم التلاعب أو الغش فقال تعالى "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" التوبة: 103. ونحن في حاجة قصوى، في الظروف الحالية التي نعيشها، إلى إقامة مؤسسة قوية لإدارة جمع الزكاة بكل أنواعها. فالمسلمون في العصر الحديث هم أحوج إلى وجود نظام إداري إسلامي متكامل يضمن تحصيل الزكوات ومن ثم توزيعها على مستحقيها. ان الدولة الإسلامية بإخلاصها وصدقها تحمل معها أينما قامت مفاتيح الحلول لكل مشكلات الأمة ومن أهمها قضاؤها على مشكلة الفقر في الدولة الإسلامية.

وفي هذا المقام فإنه تحضرني سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز الذي تولى الخلافة مدة ثلاثين شهراً فقط ولكنه من خلال سياسته المالية بزيادة الإنفاق على عامة الشعب، وإنفاقه على المشاريع الزراعية، ومشاريع البني الأساسية، وعلى الرعاية الاجتماعية لجميع طبقات الشعب. ونجده في الوقت نفسه قام بإلغاء الضرائب الظالمة، فرفع الجزية عمَّن أسلم، وألغى الضرائب الإضافية التي كانت تُؤخذ من المزارعين، وألغى المكوس والقيود، كما حافظ على حقوق بيت المال المسلوبة. وفي الوقت نفسه أصدر أوامره بأخذ الزكاة من جميع الأموال التي تجب فيها وأكد عمر على أحقية كل قوم بزكاتهم إذا لم يستغنوا وعندما أحضر العمال الزكاة إلى عمر أمرهم بردّها وتوزيعها في البلاد التي جمعت منها.

لقد ساهمت سياسة عمر بن عبدالعزيز الاقتصادية في زيادة تحصيل الزكاة، فتوفيره لأجواء الأمن والطمأنينة، واهتمامه بإقامة المشاريع، الأساسية للزراعة والتجارة وإتباعه لسياسة الحرية الاقتصادية المقيدّة، وإلغاؤه للضرائب الظالمة، أدَّت جميعًا إلى ازدهار التجارة والزراعة وإلى زيادة حصيلة الزكاة وفاض الخير على الجميع إلى درجة أن بعض الولاة أرسلوا إليه يستشيرونه فيما يفعلونه بأموال الزكاة التي جمعوها ولم يجدوا فقراء يوزعونها عليهم. ومن هذا كله يتضح أنه كلما استقام أمر الدولة وسارت على نهج الشريعة الإسلامية الغرّاء فاض ميزانها المالي، ولم يشعر أفرادها بعسف ولا إرهاق.

ويعد ما قام به أمير دولة الكويت لمواطنيه بادرة طيبة ونحن نبارك للأشقاء في دولة الكويت على هذا الأمر الذي يحض ويحث عليه الدين الإسلامي. ونسأل العلي القدير أن يتنافس بقية رؤساء وأمراء الدول العربية والإسلامية في الخير ليشملوا العباد بخير البلاد وقد قال تعالى ".. وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" المطففين: 26

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع