المواطن وصحيفة السوابق

 

المواطن وصحيفة السوابق

تشترط معظم قوانين الموارد البشرية في العالم ومنها القانون القطري لتولي الوظيفة العامة أن لا يكون المتقدم سبق وان حكم عليه بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة وقد حددت المادة (14) فقرة (7) من قانون رقم (8) لسنة 2009 لادارة الموارد البشرية النص التالي:

7 — ألا يكون قد سبق الحكم عليه نهائياً بالحبس في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد اليه اعتباره. ومع ذلك فاذا كان الحكم مشمولاً بوقف تنفيذ العقوبة، جاز تعيين الموظف بموافقة السلطة المختصة بالتعيين. واذا كان قد حكم عليه لمرة واحدة، فلا يحول ذلك دون التعيين ما لم تقرر الادارة بقرار مسبب من واقع أسباب الحكم وظروف الواقعة أن تعيين الموظف يتعارض مع مقتضيات الوظيفة أو طبيعة العمل.

ويعاني الكثير من المواطنين من عوامل متعددة أتت بسبب الفقر وعدم وجود دخل ثابت يقابل المصروفات التي تزيد شهرياً وليس سنوياً. وبمعنى آخر فاننا لو نظرنا الى أسباب ارتكابهم للجريمة فاننا سوف نجد أن غالبيتهم كانت لأسباب اقتصادية وبيئية واجتماعية أجبرت كلاً منهم على دخول السجن. ولو تصفحنا الجرائد المحلية اليومية لعرفنا أن الأسباب الرئيسية، في السنوات الأخيرة، لدخول السجن ترجع الى الديون المتعثرة والشيكات المرتجعة التي لا يقابلها رصيد قائم وقت الصرف.

ويظل السجين المواطن خائفا من نظرة المجتمع، فلذلك يحرص، بكل ما أوتي من عزم، على ألا يعود لارتكاب أي جريمة لخوفه على السمعة من التشهير. ويعتبر السجن من الأمور المفزعة للمواطن لكن صحيفة السوابق من أكثر الأمور افزاعاً للسجين المواطن، ان أصحاب السوابق، كما يعرف الجميع، هم أناس من أسر كريمة جعلتهم الظروف يقعون في الخطأ ويحاول غالبيتهم، بعد خروجهم من السجن، العودة الى أسرهم وأطفالهم، والعمل بشرف، وترميم ما فات، ومن هنا فالسجين بعد خروجه يحتاج الى مساندة المجتمع وتغاضيه عن الزلات، ومحاولة اعطاءه فرصة أخرى. لكن المشكلة الرئيسية للسجين المواطن لا تنحصر في تنفيذ عقوبة السجن ولكنه وللأسف، ينال مزيداً من العقاب بعد خروجه من السجن، فيحرم من الاندماج المجتمعي، والحياة الكريمة بالرغم من تكفيره عن خطئه، ولا يتوقف الأمر على الرفض المجتمعي فقط، وانما يسهم الرفض الحكومي في ممارسة هذا الدور العقابي فيفصل من وظيفته التي كان عليها ويحرم من الحصول على وظيفة أخرى لأن كل جهة تطلب، بشكل الزامي، شهادة حسن سير وسلوك من وزارة الداخلية. ومن هنا تحدث الانتكاسة لصاحب السوابق فيصبح حانقاً على هذا المجتمع الذي أغلق أبواب التوبة أمامه وقد يؤدي ذلك الى العودة مرة أخرى الى الزلل وارتكاب الجريمة. أن العائد للجريمة قد لا يعود اليها بسبب عامل واحد فقط، وانما نتيجة تداخل عوامل عديدة ومتشابكة يصعب أحياناً الفصل بينها، ومن أهم هذه العوامل عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم ومعاملتهم بالنفور والاهمال. وظاهرة العودة للجريمة تمثل خطراً على أمن المجتمع ومصالحه، وفي نفس الوقت تؤصل الاجرام في نفوس البعض فيجعلهم، من خلال تكرار الفعل الاجرامي، مجرمين محترفين وهذا أمر لا نقبله لأفراد المجتمع.

ان الجمهورية الجزائرية أنشأت لجنة وزارية للسجون واعادة الادماج الاجتماعي للمساجين بغرض تذليل العقبات أمام حصول المساجين بعد انهاء فترة العقوبة للحصول على القروض البنكية والقروض المصغرة لمباشرة أنشطة تجارية وحرفية واعادتهم الى الوسط المهني بهدف خفض نسبة العودة الى ارتكاب الجرائم والمخالفات ومن الاجراءات المتعلقة بادماج المساجين الغاء صحيفة السوابق العدلية. في حين أن مدير سجون المملكة، نائب رئيس اللجنة الوطنية لرعاية السجناء بالمملكة العربية السعودية أكد في صحيفة المدينة بتاريخ 28/6/2009 بدء العمل باتفاقية رد الاعتبار لخريجي السجون والتوجه لالغاء صحيفة السوابق للسجناء المعفى عنهم، مؤكدا أن استمرار العمل بهذه الصحيفة نتج عنه أضرار اجتماعية واقتصادية ونفسية للسجناء المعفى عنهم، وهذا الاجراء يمنع التصاق وصمة السجن بالسجين، وتفتح أمامه باب التوبة واسعاً دون افتضاح أمره.

ان القانون القطري يقرر أن لكل جريمة عقوبة واحدة فاذا كانت الجريمة المرتكبة واحدة فلا محل لتعدد العقوبات وعليه فانه لا يجوز توقيع عقوبتين على صاحب الجرم الواحد فالعقوبة الأولى هي الحبس وتقييد حريته والعقوبة الثانية هي الفصل من الوظيفة لأن صاحب الجرم أصبح من أصحاب السوابق وفي نفس الوقت فان الدستور القطري في المادة (40) يقرر أنه لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون. ولا عقاب الا على الأفعال اللاحقة للعمل به. والعقوبة شخصية. والفصل من الوظيفة وعدم اتاحة الفرصة لأصحاب السوابق بالالتحاق بأي وظيفة جعل العقوبة ليست شخصية بل تشمل العقوبة كل أفراد أسرة صاحب السوابق.

اننا في قطر ننتظر من الدولة والحكومة القطرية أن تبادر الى الغاء صحيفة السوابق عن جميع المواطنين الذين اضطرتهم الظروف الاقتصادية، ليس عن سابق اصرار وترصد ولكن غصباً عليهم، الى أن يرتكبوا جريمة وأن يكون باب التسامح هو الغالب على تصرفات المجتمع حتى نتيح لهم العيش الكريم والتوبة النصوحة الى الله

وفي الختام نقول ان الناس اذا لم يرحموا العاقل فكيف يرحمون صاحب السوابق. اللهم استر حالنا وحال جميع المسلمين تحت الأرض وفوق الأرض وعند العرض اللهم آمين

والله من وراء القصد،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع