الشهادة الجامعية ومعادلتها

الشهادة الجامعية ومعادلتها

لقد أحزنني ما سمعته بتاريخ 13 /12 /2010 من خلال البرنامج الإذاعي الناجح "وطني الحبيب صباح الخير" الذي يبث هموم وأشجان المواطن والمقيم. وما سمعته من أحد المواطنين، وهو يتكلم بحرقة وألم كبيرين، عن أنه ذهب مع صديقه المصري لإحدى الجامعات المصرية للدراسة وبعد حصولهما على البكالوريوس من نفس الجامعة تم تعيين المصري في وظيفة حكومية بشهادته الجامعية المصرية أما القطري فلم تعادل شهادته الجامعية المصرية حتى يومنا هذا وتم تعيينه على أساس الشهادة الثانوية، والسبب أن المصري حصل على شهادته من جامعة تعترف بها الحكومة المصرية أما أخونا القطري فقد حصل على شهادته من جامعة رسمية لا تعترف بها الجهات الرسمية القطرية. والذي جذب انتباهي في كلام هذا المواطن الذي يشعر بأسف وحزن أن حقوقه مسلوبة في بلاده وأن المقيم مقدم عليه بدون وجه حق. والسؤال هو: ألم يتعلم كلاهما بنفس الجامعة؟

لقد بدأ التعليم العام الحكومي في دولة قطر في فترة الخمسينيات من القرن الماضي وعينت قطر مجموعة من المدرسين الأشاوس بمختلف اتجاهاتهم السياسية الذين امتهنوا التعليم حباً في التعليم فكان الطالب عندما ينتهي من الصف الأول ابتدائي يعرف القراءة والكتابة بشكل جيد مما مكن أهالي القرية أو الحي السكني من الاعتماد عليه في كتابة الرسائل والعقود. وعندما ينتهي الطالب من المرحلة الابتدائية يكون أمله أن يعين في احدى الجهات الحكومية بدرجة كاتب (كانت تلفظ باللهجة المحلية كيتب) وهي درجة وظيفية لا يفخر بها الشخص وحده بل جميع أهله. وكان الشائع للكثير من الموظفين العمل بالنهار وتلقي التعليم بالليل. وكلما حصل على شهادة مرحلة من المراحل التعليمية كان يترقى في وظيفته. وأقصى تعليم محلي كان في ذلك الوقت هو مستوى الثانوية العامة أما الذي يرغب في أكثر من ذلك فكان يبعث لجامعات الخارج على نفقة الدولة ومع مرور السنين فتحت جامعة قطر. وكانت الجامعة في بداية افتتاحها تقبل كل طالب ناجح من الثانوية بأي نسبة مئوية أما بالنسبة للموظفين فقد استمروا بغرض استكمال دراستهم بالدراسة عن طريق الانتساب وذلك لعدم ملاءمة توقيت الدراسة بجامعة قطر مع أوقات العمل حيث أن كليهما كان في الفترة الصباحية. وحتى تقوم الدولة بإلغاء نظام الانتساب، وبسبب مطالبات المجتمع لإيجاد تعليم جامعي بديل للذين يزاولون العمل في الجهات المختلفة، فقامت جامعة قطر وأدخلت ما يسمى بالتعليم الموازي "المسائي" الذي أتى كحل مناسب لهؤلاء الموظفين بعد أن أغلقت الدولة أمامهم باب الانتساب. وبعد مدة من الزمن قامت الجامعة بإغلاق التعليم الموازي ولكن الدولة لم توفر الحل البديل لهؤلاء الموظفين واستمر المنع من الاعتراف بدراسة الانتساب. والذي يحز في القلب أكثر أن هناك خريجين مواطنين كانوا في التحاق كامل، وليس بالانتساب، بمعاهد وكليات بدول خليجية لم تعادل شهاداتهم بأنها أكاديمية بل عودلت وظيفياً مما حرم الخريجين فرصة دراسة الماجستير والدكتوراه مع أن تلك الدول الخليجية تعترف رسمياً بشهادة تلك المعاهد والكليات بأنها أكاديمية وليست مهنية.

ومن الملاحظ أن الجهات التي تقوم بتوظيف القطريين تطبق مبدأ معادلة الشهادات والدرجات العلمية على القطريين فقط لا غير في حين أن غير القطري عندما يقدم شهاداته لنفس جهات العمل لا يطلب منه معادلة شهاداته وحتى ان الجهة التي ستقوم بتعيينه لا تكبد نفسها العناء للسؤال عما إذا كانت شهادته أصلية أو مزورة. فكم من الحالات عرضت على القضاء القطري لأشخاص لديهم شهادات مزورة كانوا يمارسون بها العمل في الجهات الرسمية ولسنوات طويلة حتى ان البعض منهم، ممن سمعنا، كانت لديه شهادة طب بيطري وبقدرة قادر تحولت إلى طب بشري ولم تكتشف تلك الحالات إلا بعد سنوات مارسها من العمل على المواطنين والمقيمين. ولكن عندما يتعلق الموضوع بالمواطن فقبل أن يتم التعيين يطلب منه أن يصدق شهادته من قبل المجلس الأعلى للتعليم "وزارة التربية سابقاً"

إن من حق المواطن المطلق، دستورياً، أن يتم الاعتراف به أولاً ككيان له حقوق المواطنة الكاملة وثانياً أن يتم الاعتراف بكل مكتسباته ومن ضمنها الشهادة الجامعية طالما أن هذه الشهادة صادرة من جامعة تعترف بها دولة المنشأ. وذلك على قياس ان دولة قطر تعترف بكيان تلك الدول. فالاعتراف بها يجب أن يشمل الاعتراف بجميع مؤسساتها الرسمية. وفي نفس الوقت، وبما أن جامعة قطر قد ألغت التعليم الموازي، فإن على الدولة إيجاد البديل المناسب لتلقي الموظفين التعليم المناسب لضمان تقدمهم العلمي ونموهم المهني أو على الأقل إلغاء المنع من الانتساب للتعليم الجامعي الخارجي. أما بقاء الحال كما هو فإن فيه ظلما على الموظف المواطن الذي يريد أن يعمل وعنده الإمكانية أن يتعلم ويطور نفسه حتى ولو كان على حسابه الخاص. إننا لا نطلب المستحيل ولكننا في دولة تعاني من نقص حاد بالقوى العاملة وعليه فإنه لزاماً علينا أن نرفع مستويات المواطنين حتى يترقوا في الوظائف ليصلوا إلى المناصب الإدارية والإشرافية العليا بدلاً من تبعثرهم على الوظائف الدنيا التي تقاد ولا تقود.

إن لدينا الكثير من النماذج المشرفة لمواطنين وصلوا إلى أعلى المناصب القيادية والوزارية وكان كل تعليمهم الجامعي بالانتساب وليس بالالتحاق فلماذا لا نعتبر هؤلاء قدوة لنا في تطوير الموظف القطري.

أما السؤال البريء فهو لماذا تستمر الدولة في تعيين الوافدين كأطباء وكمدرسين وإداريين وفي مختلف الوظائف وهم متخرجون من جامعات، عربية وغربية، لا تعترف دولة قطر بشهاداتها؟ أليس في هذا تناقض أم المسألة أن القطري هو "الطوفة الهبيطة"؟

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع