نمو الدخل وآثاره

 

نمو الدخل وآثاره

"سعد" "اسم رمزي" لمواطن قطري من الذين لم يولدوا وفي فمهم ملعقة ذهبية ولذلك فإنه عندما أنهى المدرسة الابتدائية أجبرته الظروف على أن يتوقف عن الدراسة ويبحث لنفسه عن عمل ليستطيع أن يصرف على نفسه وعلى البيت. ومن حسن الحظ ان "سعد" قد وجد عملاً يدر عليه راتباً شهرياً يبلغ 1400 ريال. ومن أول راتب تسلمه قام وبقصد استبدال الثلاجة التي عفا عليها الزمن والفرن القديم الذي لا تعمل منه سوى عين واحدة بشراء ثلاجة وفرن جديدين بالأقساط المريحة وترك باقي المبلغ ليصرف منه على المواد الغذائية له ولأسرته، وبالكاد كان الراتب يكفي لآخر الشهر. ومر على هذه الحالة حوالي السنة قام من بعدها بالتسجيل في الصف الأول الإعدادي بالتعليم المسائي. ومكافأة على نجاحه في سنته الأولى قامت جهة العمل بزيادة راتبه بحوالي 200 ريال. عندها استطاع "سعد" أن يشتري وبالأقساط المريحة دراجة نارية تعينه على قطع المسافات بسرعة أكبر وبدأ يضيف أصنافا جديدة على المواد الغذائية. وتمت إضافة 200 ريال أخرى لراتبه من جهة عمله عندما أنهى سنته الثانية، عندها استطاع "سعد" أن يشتري غسالة ثياب وتلفزيونا ملونا بدلاً من الأبيض والأسود وأن يأكلوا دجاجتين في وجبة الغداء بدلاً من دجاجة واحدة يتصارعون كلهم على تمزيقها. وقامت الجهة التي يعمل فيها "سعد" بعمل حفلة صغيرة وذلك عندما أنهى "سعد" المرحلة الإعدادية بنجاح وفي نفس الوقت رفعت درجته الوظيفية وأصبح راتبه 2400 ريال. فرح "سعد" بهذا الأمر وقرر استبدال الدراجة النارية، التي أهداها لأخيه، بسيارة صغيرة وطبعاً بالأقساط المريحة. وتوالت قصص نجاح "سعد" في العمل والدراسة وكان كلما يزيد دخله الشهري يقوم بتدليع نفسه بشراء الملبس والمأكل الطيبين وإضافة شيء جديد للمنزل والأسرة وفي نفس الوقت يقوم بدفع الصدقات والزكوات المفروضة عليه من رب العالمين متمثلاً بقوله تعالى"وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" القصص: 77. يعني كلما نما الدخل عند المواطن "سعد" كلما انعكس هذا النمو عليه وعلى أسرته ومنزله ومجتمعه بشكل إيجابي

هذه قصة المواطن القطري "سعد" والذي بمثابرته وجده وصل إلى أعلى المراتب ووصل دخله الشهري إلى مستويات عالية وأصبح من رجالات الدولة المعروفين ولكنه لم ينس في يوم من الأيام أسرته ومجتمعه في كل ما يصل إليه من دخل ومكانة اجتماعية.

وفي الجانب الآخر نجد أن دولة قطر كانت تصدر عن طريق شركات النفط الأجنبية، كمية متواضعة من النفط الخام بسعر يصل الى حوالي نصف روبية هندية عن كل برميل نفط. ومع الأيام زادت كميات النفط المصدرة ومعها زادت أسعار النفط العالمية حتى وصلنا إلى عام 1975 وفيه قامت الدولة بتأميم كامل صناعة النفط وأصبحت صناعة النفط وتصديره ملكاً كاملاً لدولة قطر. وبمرور الزمن دخل الغاز الطبيعي وتصنيعه كمورد إضافي للدخل مما رفع دخل الدولة من الموارد الطبيعية إلى أرقام قياسية ووصل الدخل الفردي السنوي في البلاد ليصبح أعلى دخل، كما يقولون، في العالم. وبتاريخ 3/11/2010 صرح سعادة وزير الاقتصاد والمالية أمام المشاركين في أعمال منتدى قطر العالمي للاستثمار بأن اقتصاد دولة قطر قد تضاعف خلال الاثنتي عشرة سنة إلى الأربع عشرة سنة الماضية بحوالي عشرة أضعاف وتوقع (سعادة الوزير) أن يسجل الاقتصاد القطري نموا بنسبة 21 % خلال العام القادم بسبب الزيادة في إنتاج الغاز. وقال إن قطر تهدف إلى ألا يقل معدل النمو الاقتصادي عن 9 % بعد عام 2014. وهذا الإنجاز جعل الاقتصاد القطري من أعلى الاقتصادات نمواً، وكما يقولون، في العالم. وإذا صدقت كلمات سعادة الوزير، وهو أخ صادق صدوق، عن النمو في الاقتصاد القطري، وبالقياس على ما أنجزه المواطن "سعد" في نمو دخله، فلابد من أن نشاهد آثار ونتائج نمو الاقتصاد القطري على الوطن والمواطن.

إننا لا ننكر أن آثار هذا النمو على الوطن واضحة وجلية ولا يستطيع أن ينكرها إلا الحاسد أو الجاحد للنعمة فهناك المستشفيات تبنى والشوارع تمد والبنية التحتية في أوجها ودور التعليم تفتح إلى آخره من الأعمال التي عم خيرها البلاد كلها. وفي نفس الوقت نجد أن آثار هذه النعمة على المجتمع (المتمثل بالجيران والأصدقاء) كبيرة فالأمثلة كثيرة مروراً بلبنان وفلسطين واليمن وحتى الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن ما آثار هذا النمو على المواطن؟

ولمعرفة الإجابة عن هذا التساؤل فقد قمت بمقابلة العديد من المواطنين ووجهت لهم سؤالاً واحداً (سؤال بريء جداً): هل شعرت بآثار نمو الاقتصاد القطري على مجريات حياتك كما حدث للمواطن "سعد"؟

طبعاً الكثير منكم ينتظر أن أكتب ردود المواطنين التي تلقيتها على هذا السؤال من الموظفين ورجال الأعمال ولكني في هذه المقالة لن أكتب الردود وهي معي وجاهزة لتسطيرها ولكني أريد من كل من يقرأ هذه المقالة أن يفكر ما الردود المحتملة التي تلقيتها على ذلك السؤال البريء.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع