الدولة والحكومة والأرض المشاع

 

الدولة والحكومة والأرض المشاع

نشرت بتاريخ 21/11/2010

لقد درج المواطنين والمقيمين، في فترة الشتاء، على أخذ أسرهم إلى خارج المدن لقضاء أوقات سعيدة تتآلف فيها العلاقة الأسرية بعيداً عن الروتين اليومي. ولكن في الآونة الأخيرة وجدنا أن المساحة التي يتحركون فيها أصبحت صغيرة جداً وأصبحت غالبية المناطق المفضلة للناس تحجز عنهم باسم "مناطق محمية" فهل من حق الحكومة، ممثلة بوزارة البيئة، القيام بهذا الأمر؟

 

إن جميع أراضي دولة قطر ، كما بينها الإسلام، تعود ملكيتها للدولة، وليس للحكومة (وهناك اختلاف كبير بينهما)، وأعطيت منفعتها لمن يقيمون عليها، وأصل ذلك يعود إلى عهد عمر بن الخطاب عندما فتح العراق ولم يقسم الأراضي المفتوحة على المقاتلين، وإنما أبقى رقبتها ملكا لبيت مال المسلمين، فالذي يملك التصرف في أراضي الدولة الإسلامية هو الحاكم المسلم، وليس له، عند المالكية والشافعية والحنابلة، إقطاعها أو تمليكها لأي شخص لأنها صارت ملكاً عاماً للمسلمين وخالفهم الأحناف في ذلك اعتماداً على أن للإمام أن يعمل ما يراه خيرا للمسلمين وأصلح، والأرض عندهم بمنزلة المال فإذا مُلِّكت هذه الأرض لمن هي بيده صارت ملكا له ودخلت في الميراث الذي يقسم بعد وفاته.

 

أما الأرض الموات فهي لمن أحياها بالسقي أو الزرع أو الغرس أما من أدار حول الأرض تراباً أو أحجاراً، أو حاطها بحائط صغير، لم يملكها بذلك لأن الملك بالإحياء وليس هذا بإحياء، لكن يصير أحق الناس به؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فهو أحق به". فالأرض الموات تصير بعد إحيائها مملوكة لمن أحياها وإن مات فوارثه أحق به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من ترك حقا أو مالا، فهو لورثته.." وروى أن عمر رضي الله عنه قال "من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين، فجاء قوم فعمروها، فهم أحق بها"

 

من كل ما سبق يتضح لنا أن الأرض إما أرض عامرة وإما أرض ميتة ولا يوجد قسم ثالث وهي ملك مشاع لكل المواطنين والمقيمين كقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "العباد عباد الله والبلاد بلاد الله" يستعملها الناس عند الحاجة بأسلوب "لا ضرر ولا ضرار". فالأرض كلها إذن، يطبق عليها الإسلام مبدأ ملكية الإمام، وبالتالي ملكية ذات طابع عام

 

والأرض في عمومها، وفقاً للنصوص التشريعية والفقهية،  ملك الدولة، وحتى الأرض الموات لا يكون سبب الإحياء حق تملّك الفرد رقبة الأرض ملكية خاصة تخرج بها عن مبدأها الأول، وإنما ينتج حقاً للفرد، يصبح بموجبه أولى بالانتفاع بالأرض التي أحياها من غيره، بسبب الجهود التي بذلها في الأرض. ويظل للإمام وفقاً للنص الفقهي ملكية الرقبة، وحق فرض الضريبة على المحيي، فقد ذكر الفقيه محمد الطوسي "فأما الموات فأنها لا تغنم، وهي للإمام فإن أحياها أحد كان أولى بالتصرف فيها، ويكون للإمام طسقها"

إن وزارة البيئة، كما أراه، قد خرجت عن المبدأ الإسلامي عندما قامت بحجز الأرض عن كل المواطنين والمقيمين، ما عدا فئة قليلة، بأسلوب المحميات فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" والحق، كما نفهمه من الشريعة الإسلامية، هو الإحياء. وللأسف لم تكتفي وزارة البيئة بحرمان البشر من استخدام الأرض بل امتدت سلطتهم لحرمان الحيوانات من الرعي في تلك المناطق. والكل يعرف ما هو أثر الحيوانات في تجديد صلاحية التربة

 

إن الدول المتقدمة تنشئ محميات طبيعية ولكنها لا تحرم الناس والحيوانات من دخولها بل طورت تلك الدول محمياتها لتكون موقعاً لقضاء الأوقات السعيدة وفي نفس الوقت مكان للسياحة والتعلم وإجراء البحوث. إن من حق الدولة، ممثلة بوزارة البيئة، أن تفرض ما تراه من قواعد منظمة لاستخدام تلك الأراضي، كما عملت وتعمل مع المخيمات، لكن ليس للوزارة الحق في منع الناس من التمتع بما خلق رب العالمين الذي قال في محكم تنزيله "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى" طه: 53. ولقد توعد الله تعالى المخالفين عن أمره بقوله "فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ" البقرة : 59 .

 

وفي هذا المقام فإننا نتوجه لمقام سمو أميرنا المفدى ونقول لسموه لقد وصل الحال بالموطنين والمقيمين وأصحاب الماشية أن تغلق بوجوههم معظم أراضي الدولة البرية والبحرية الصالحة للاستخدام لدرجة أنهم قاموا برفع أيديهم إلى الخالق البارئ يتساءلون: أين الأرض التي سخرتها لنا يا رب العالمين؟

*****

وفي النهاية أقدم شكري الجزيل لأخي العزيز سعادة الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني وزير الدولة للشئون الداخلية ولجميع منتسبي وزارة الداخلية الذين بدلوا حزننا الكبير، في وقت قياسي يكاد لا يذكر، إلى فرح أكبر عندما خرج حفيدي حفظه الله من كل سوء وضل طريقه إلى المنزل وبمجرد الاتصال بهم تم إشعارنا في فترة تقل عن خمس دقائق أن حفيدي موجود لديهم وطلب منا الذهاب للمركز لتسلمه وفي نفس الوقت أود أن أسجل اعتذاري الشديد لأخي أحمد بن يوسف المالكي الذي دخل حفيدي مجلسه وعاث فيه، عن سبق إصرار وترصد، تكسيراً لكل ما خف وزنه وغلا ثمنه.

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع