الجامعة ومخالفة الدستور

 

الجامعة ومخالفة الدستور

نشرت بتاريخ 11/10/2010

في البداية أرغب أن أسجل شكري وتقديري للكم الهائل من المكالمات والرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني التي وصلت من تفاعل المواطنين مع ما تنشره جريدة الشرق من مواضيع تمس مصلحة الوطن والمواطن. ومن ضمن المكالمات سألني فيها أحد الأصدقاء لماذا يا دكتور تجعل من قضية شخصية قضية عامة؟ فقلت له سوف تجد الإجابة عن سؤالك، إنشاء الله في المقالة الثانية عن الجامعة يوم الأحد القادم (وصل العدد إلى خمس مقالات حتى الآن والعداد شغال)

 

وجواباً على ذلك فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" هذه صفة المؤمنين التي ذكرها رسولنا الكريم فهل أصبح الآن القطريين غير مؤمنين. وعندما استلم سدة الحكم رجل حكيم بمعنى الكلمة وأنشأ دولة القانون والمؤسسات فهل نسمح لحفنة بسيطة أن تقوض البناء الذي أجمع عليه الشعب، من خلال التصويت على الدستور، بأنه هو الأفضل لحاضره ومستقبله. إن ما حدث معي ربما حدث لغيري في السابق وربما قد يحدث في المستقبل فهل نسكت على اختراق القوانين المنظمة لحياتنا ونقول إننا كأفراد بعيدين عن آثارها المدمرة.

 

إن الدستور القطري، يا سادة يا كرام، قد نص في المادة (129) أن أساس الحكم في قطر هو سيادة القانون ومن المعروف أن الذي يصدر القوانين هو سمو الأمير المفدى وهو قد أقسم بالله العظيم باحترام الشريعة الإسلامية والدستور والقانون وأقسم كذلك أن يذود عن حريات الشعب ومصالحه (انظر مادة (74) من الدستور). وبعد ذلك نأتي إلى رئيس الوزراء والوزراء فهم الذين يقترحون مشروعات القوانين والمراسيم على سمو الأمير المفدى وفي نفس الوقت يقومون بالإشراف على تنفيذ القوانين، والمراسيم، واللوائح، والقرارات، وهم أيضاً أقسموا بالله العظيم بالإخلاص للوطن وللأمير وأن يحترموا الشريعة الإسلامية والدستور والقانون وأن يرعوا مصالح الشعب رعاية كاملة. وأن يؤدوا واجباتهم بأمانة وذمة وشرف (انظر مادة (119) من الدستور).

 

بعد ذلك ننتقل من مهام السلطة العامة إلى بعض مواد الدستور الأخرى التي تدعم توجهات سمو أميرنا المفدى للذود عن حريات الشعب. وأول مادة نبدأ بها في هذا الجزء هي المادة (57) التي تنص على أن احترام الدستور، والامتثال للقوانين الصادرة عن السلطة العامة، والالتزام بالنظام العام والآداب العامة، ومراعاة التقاليد الوطنية والأعراف المستقرة واجب على جميع من يسكن دولة قطر، أو يحل بإقليمها. وهذه المادة لا تحتاج إلى تفسير فهي مفسرة نفسها بشكل جيد. والمادة (128) على الوزراء أثناء توليهم مناصبهم أن يستهدفوا في سلوكهم مصالح الوطن، وألا يستغلوا مناصبهم الرسمية بأية صورة كانت لفائدتهم، أو لفائدة من تصله بهم علاقة خاصة. ومصداقاً لهذه المادة فقد رأينا أن سمو الأمير المفدى قد أحال بعض الوزراء وبعض كبار المسئولين بالدولة للمسائلة لأن مصالح الوطن والمواطنين تأتي في المقام الأول من اهتمامات سموه ولأن الوظائف العامة كما نصت عليه المادة (54) هي خدمة وطنية، ويستهدف الموظف العام في أداء واجبات وظيفته المصلحة العامة وحدها. فهل من المصلحة العامة تجميد العمل بالقوانين والاكتفاء بتفسير أصحاب النيات السيئة لهذه القوانين. أما المادة (30) تنص على أن العلاقة بين العمال وأرباب العمل أساسها العدالة الاجتماعية. وينظمها القانون. فالتنظيم هنا، كما ثبته الدستور هو للقانون وليس للمصالح والأهواء الخاصة والتفسيرات الخاطئة.

 

فمن هذا المنطلق نعرف بأن المواطن يقع تحت الحماية الكاملة من الدستور ومن سمو الأمير المفدى وسمو ولي العهد الأمين ومن حكومتنا الرشيدة التي يناط بها إدارة جميع الشئون الداخلية والخارجية التي تختص بها وفقاً لمواد الدستور وأحكام القانون لأنها هي التي تقوم بالإشراف على تنفيذ القوانين، والمراسيم، واللوائح، والقرارات (انظر مادة (121) من الدستور) وعليه، نأتي للسؤال المحير جداً، ما هي هذه القوة الخارقة والتي سمحت للجامعة أن تتجاوز ما سبق من سلطات وتقوم بتفسير القوانين على هواها أو على رغبات الجهات الأدنى من السلطة العامة.

 

ولكننا، في مجتمعنا الصغير المؤمن بالله المحب لوطنه المطيع لولي أمره، نجد بأن هناك أشخاصاً ممن يقدمون تفسيرات للقوانين التي يصدرها ولي الأمر تتماشى مع مصلحة بعض الجهات على حساب المواطن وأبلغ مثال هو ما قامت به الجامعة من جبر الشهر لمعادلته كسنة كاملة. وأعتقد أن نفس تلك الفئة المفسرة للقوانين قد قامت بشرح  المادة (34) من الدستور ، على سبيل المثال، والتي تنص على أن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة. وقامت في الوقت نفسه بتفسير المادة (35) والتي لم تذكر المواطنين بل ذكرت أن الناس متساوون أمام القانون. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين. وعلى تلك الأسس فكل ما يتعلق بحقوق وواجبات المواطنين يجب أن تختلف عن حقوق وواجبات الناس (فسر المفسرون إياهم الناس بأنهم غير المواطنين). وعليه فإننا فعلاً نجد أن قانوني التقاعد والموارد البشرية لم يطبقا حتى الآن على الناس بل طبق على المواطنين فقط. ولهذا فإنه ليس بمستغرب أن تجد الكثير من غير المواطنين، في الجامعة وغيرها، قد تجاوزوا سن التقاعد المحدد بالقوانين وهم لا يزالون على رأس عملهم لأن قانون التقاعد لا يسري عليهم. أما المواطنون فقبل أن يصلوا إلى سن التقاعد المحدد بالقانون يقولون لهم "باي باي". في نفس الوقت فإن هناك مواطنون في وظائف حكومية يأخذوا رواتب أقل من الناس (غير المواطنين) الذين يمارسون نفس الوظائف، لأن المواطنين تم تطبيق الجدول الموحد للرواتب والأجور عليهم في حين أن الناس (غير المواطنين) لم يطبق عليهم هذا الجدول الذي ظلم العديد من المواطنين. وهذا هو أسلوب المفسرين وعليه وبنفس القياس فإنه يحق لي أن أفسر بعض مواد قانون الموارد البشرية بدون أن أراعي النص الصريح. ففي المادة (2) من القانون ذكر بأن أحكام القانون المرفق تسري على الموظفين المدنيين بالوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى والهيئات والمؤسسات العامة، ويستثنى من تطبيق أحكامه:

 

1.    القضاة ومساعدو القضاة وأعضاء النيابة العامة ومساعدو النيابة العامة.

2.    موظفو الديوان الأميري.

3.    موظفو السلكين الدبلوماسي والقنصلي.

4.    أعضاء هيئة التدريس الجامعي.

5.    موظفو قطر للبترول.

6.    موظفو ديوان المحاسبة.

 

وقياساً على تلك المادة وبحسب تفسيري لها فإن السن المحددة للتقاعد والتي تنص على بلوغ سن الستين عاماً والمطبقة على الموظفين المدنيين بالوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى والهيئات والمؤسسات العامة لا تشمل أعضاء هيئة التدريس الجامعي. وحكماً على هذا التفسير فإنه لا يحق للجامعة تحويل أعضاء الهيئة التدريسية للتقاعد إلا عندما يطلب العضو ذلك.

 

في الأسبوع القادم سوف نتحدث عن الجامعة والجامعات الأخرى وزيارتي للمدينة التعليمية والتي أتت بالصدفة بعد إبلاغي برغبة الجامعة بمخالفة مواد الدستور والقوانين التي أصدرها ولي الأمر وقيامها بتبني سياسة جبر الشهر الواحد واعتباره سنة كاملة

 

والله من وراء القصد ،،

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع