الانهيار الكبير للبورصة القطرية

 

الانهيار الكبير للبورصة القطرية

نشرت بتاريخ 6/9/2010

بداية التهافت على البورصة القطرية تعود بالتحديد عقب تخصيص شركة الاتصالات القطرية (كيوتل) وقيام الحكومة بطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، وبعد انتهاء الاكتتاب ارتفعت أسعار أسهم الاتصالات وحققت أرباحا كبيرة، وذاق حينها المكتتبون طعم الأرباح، وبدأ الناس يعرفون طريقهم لصالات الأسهم. تبعه بعد ذلك طرح صناعات قطر المملوكة للحكومة للاكتتاب العام بعدها أصبحت حمى البورصة تسري كالنار في الهشيم داخل المجتمع القطري، حتى أصبح الأب يحث أبناءه على استثمار أموالهم بالبورصة، والزوج يشجع زوجته، والشباب يبيعون ما يملكون بل ويستدينون للاستثمار في البورصة. خصوصا أن التجارب السابقة أعطت مؤشرات إيجابية في سرعة استرداد الأموال بأرباح كبيرة خلال فترة قصيرة.

 

سقوط السوق

إن السبب الرئيسي الذي يقف وراء الخسارة التي لحقت بالبورصة القطرية هو القلق والخوف من التداعيات التي ستخلفها الأزمة المالية العالمية. ومما دعم هذا القلق والخوف صدور تصريحات رسمية بإلغاء أو تأجيل بعض مشاريع البنية التحتية وتأجيل البدء في مشروع جسر قطر والبحرين تبع هذا الأمر شح السيولة بعد اكتتاب الشركة الدولية وفودا فون ومزايا، هذه الأمور جعلت هناك تأثير نفسي على المستثمرين ، وبدأت سيكولوجيا الشائعات تنتشر في المجتمع القطري وهذا أدى إلى خلق تدهور في قيمة الأسهم حتى أننا لاحظنا عمليات بيع لأسهم بأسعار تصل إلى نصف قيمتها الاسمية مع العلم بأن الشركات المدرجة في السوق المالي كانت ولا تزال تحقق أرباحا قوية تدعم أداء السوق في ظل الاقتصاد القطري القوي.

 

فما هو الحل للحصول على بورصة قطرية قوية تعكس قوة الاقتصاد القطري وتعكس أداء الشركات المدرجة بشكل حقيقي؟

 

كان هذا السؤال هو محور حديثي مع أخي الذي أعتز به الفاضل حسين بن إبراهيم الفردان في مزرعته بالشمال والذي كان يركز في حديثه على أهمية وجود سوق قوي للأسهم القطرية والذي يعتبره المرآة الحقيقية لأداء الاقتصاد القطري ومن بين النقاط المهمة دار حولها النقاش مع أخي الفاضل هو:

 

غياب صناع السوق

إن عدم وجود صناع سوق في سوق الأسهم القطرية هو أمر خطير حيث أن الموجودين في السوق هم فئتين إما مستثمرون وهم يقومون بحجب الأسهم عن التداول أو مضاربون وهؤلاء وللأسف يقومون عن قصد بعكس عمل صانع السوق ويتسببون في تذبذب السوق. إن صناع السوق يتم منحهم من قبل إدارة السوق بموافقة حكومية امتيازات غير قانونية في الأصل كالاحتكار أو البيع على المكشوف أو التفرد في الدعاية لنفسه دون السماح لغيره.

 

ومن النقاش مع رجل فاضل واقتصادي محنك مثل الفردان، ما شاء الله وعيني عليه باردة، وجدت أن هناك العديد من المزايا التي يحققها صانعي السوق في الدول المتقدمة مثل:

·        توفير الطلبات والعروض للأسهم غير المتداولة في السوق الرئيسية.

·        توفير أسعار للأسهم بشكل مستمر وحقيقى.

·        توفير الكميات اللازمة سواء في حالة الشراء أو البيع.

·        صناعة السعر من خلال إدخال طلبات أو عروض.

·        الإعلان عن وجود عرض أو طلب على سهم معين دون الإشارة إلى السعر.

 

أن سوق قطر أحوج ما يكون خلال هذه الفترة إلى صناع السوق ، وذلك في ظل تراجع السواق والتقلب الشديد في مؤشراته نتيجة حال التخوف والترقب وانتشار الإشاعات مما عرض صغار المستثمرين لخسائر جسيمة. وخيراً فعلت دولة قطر أن سمحت للبنوك بالدخول كمستثمرين في البورصة ولكن هذا، من وجهة نظري، لا يكفي

 

النصب والاحتيال

إن سوق الأسهم القطرية لا يخضع لنظريات أسواق المال والاقتصاد؛ لأنها لا تتبع القواعد الاقتصادية المعروفة، بل ليس لها نظرية أو قاعدة يستطيع المستثمرون في سوق الأسهم الاعتماد عليها؛ حيث تأخذ ظاهرة المضاربات أشكالا عديدة وشخصيات جديدة كل يوم يزيد فيها جني المضاربين للأرباح على حساب صغار المستثمرين الذين لا يفقهون أساسيات الاستثمار في سوق الأسهم. ويساهم كبار المضاربين بدرجة كبيرة في تذبذب أسعار الأسهم؛ حيث يقومون بعمليات وهمية تدفع البسيطين من صغار المستثمرين لاتخاذ قرارات بعيدة عن الصواب؛ وهو ما يؤدي إلى خسارتهم.

 

وللقضاء على تذبذب أسعار الأسهم بسبب المضاربين فإنه لزاماً إيجاد "صناع سوق" بهدف حفظ توازن السوق والمحافظة على انسيابيته وعدم تعريضه للارتفاعات أو الانخفاضات الشديدة بسبب الإشاعات والمضاربين

 

مؤشرات البورصة:

خلال الفترة الأخيرة ورغم تراجع معظم الأسهم بأكثر من 50% من أسعارها السوقية ألا أن المؤشر ألوزني خسر 40% تقريبا من قيمته، وهذا يؤدي إلى أهمية تغيير المؤشر بمؤشر أكثر مصداقية ليعكس الأداء بشكل صادق ومقارب للواقع، فإن بقي المؤشر على ما هو عليه، فإنه وبعدة صفقات محدودة تستطيع تغيره، وبهذا يكون غير ذو جدوى من قراءته ويبقى المتعامل بالسوق يراقب الأداء أول بأول وبنفسه ويقيسه من خلال انطباعه فقط.

 

بعض الدول المتقدمة تحوى مؤشرات تباع وتشترى حالها حال الأسهم، تكون مكونة من عدة أسهم ومن يشتريها يكون قد اشترى بشكل متساو من الأسهم التي تحويها، ونحن لازلنا لا نملك مؤشرا قويا يعطى صورة صادقة وحقيقية للتداولات.

 

المحافظ الأجنبية

إن التراجع المسجل والضربات الموجعة التي تلقتها بورصة قطر هدمت كل المكاسب التي حققتها ، وللمحافظ الأجنبية دور واضح في ذلك فهي تقوم:

 

·        بتخفيض أسعار الأسهم إلى أدنى مستوياتها ثم معاودة الشراء مجددا

·        ببيع أسهمها كمحاولة للحصول على السيولة

 

وواصلت المحافظ الأجنبية البيوعات في عدة جلسات تداول مما أدى إلى انخفاض أسعار أسهم عدة شركات إلى ما دون أسعار الاكتتاب

 

إن حكومات بعض الدول تجبر المحافظ الأجنبية بالاحتفاظ بأي سهم تشتريه لمدة قد تمتد إلى شهر وفي بعض الحالات لمدة ستة أشهر وذلك بقصد دخول تلك المحافظ إلى السوق كمستثمر وليس كمضارب لجني الأرباح

 

تراجع أصول الشركات:

وبسبب ترابط الشركات في سوق واحد فتداعيات تراجع أسعارها السوقية بسبب الأزمة المالية إضافة إلى سيكولوجية السوق السلبية، تراجعت أصول كثير من الشركات فتراجعت قوتها الائتمانية مما جعلها في بداية الأمر بلا سيولة، ودارت مجموعة من الشركات في فلك عجز كبير في سد أقساط وائتمان قروضها، وان تباينت قوة الشركات المالية إلا أن بعضها تأثر بشكل كبير مما جعل بعضها تتلكأ في إعلان أرباحها لوقف أسهمها عن التداول وبالتالي وقف نزيف أصول بعضها البعض.

 

وهذه المسألة تحتاج إلى وقت أطول خصوصا مساعدة الشركات المتعثرة عبر تقييم جديد لأصولها واستراتيجياتها، وذلك حفاظا على أموال المجتمع واستثمارها في شركات بقيمة جيدة واستراتيجيات واضحة وصحيحة. أذن تشديد الرقابة على الشركات المدرجة والتحقق من نشاطها وإعلان مصادر أرباحها عند نهاية كل ربع سنة، والتشديد أيضا في أعطاء رخص لزيادة رأس المال، من أهم الأمور المطلوبة لشفافية أكثر في السوق، وتغليظ الجزاءات سيوقف أي تراخي مستقبلا.

 

هذا جزء يسير مما دار حوله النقاش مع الفاضل حسين الفردان والذي يرى أن أسعار الأسهم هي مؤشرات مستقبلية للأحداث الاقتصادية التي ستسود في أي بلد وعليه فإنها تعكس الوضع الاقتصادي مما يساعد راسمي السياسة الاقتصادية من اتخاذ التدابير الصحيحة التي قد تؤدي مزيد من النمو الاقتصادي والاجتماعي

 

والله من وراء القصد ،،