وزارة الشئون الاجتماعية

 

وزارة الشئون الاجتماعية

تم النشر بتاريخ 22/8/2010

القرآن كتاب عظيم وعظمته أتت لأنه تنزيل من رب العالمين "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{42}" فصلت. ومن الأمور التي تناولها القرآن في العديد من الآيات الكريمة هي حقوق الوالدين وحقوق ذوي القربى. فما هي حقوق ذوي القربى؟

 

قال تعالى في محكم تنزيله "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى.." النساء: 36. وقال تعالى " وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا" الإسراء: 26. والآيات التي تتحدث عن ذوي القربى كثيرة. ومن القرآن والأحاديث النبوية نستطيع أن نعرف حقوق ذوي القربى. إن حقوقهم تكون بموالاتهم ومحبتهم، والاجتهاد في إيصالهم كفايتهم بطيب نفس عند فقرهم، والإسراع إلى مساعدتهم ومعاونتهم عند حاجتهم ومراعاة جبر خاطرهم مع التلطف والتعطف بهم، ومداومة مودتهم، ونصحهم في كل شؤونهم، والبدء بهم في الدعوة والضيافة قبل غيرهم، وإيثارهم في الإحسان والصدقة والهبة على من سواهم.. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "والذي بعثني بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون لصلته ويصرفها لغيرهم.. والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة".

 

وأفراد المجتمع القطري عندما كانوا يسكنون القرى والأحياء السكنية الخاصة بقبائلهم وعوائلهم كانوا يطبقون التعاليم الإسلامية بشكلها الكامل لأن كل فرد منهم كان يعرف ما يحدث في بيت قريبه الذي يكون في العادة إما ابن عم أو ابن خال ويعرف أحوالهم. وكان إذا تخلف أحد أفراد المجتمع الصغير عن المسجد أو عن الحضور إلى المجالس ذهب أبناء القرية أو الفريق إلى منزله ليسألوا عن أحواله. ولكن مع تطور قطر وانتهاء الأسرة الممتدة التي تعيش في بيت واحد ومن ثم تفرق سكن أفراد القبيلة أو العائلة على مناطق مختلفة من الدوحة وغيرها قد أضعف هذا التلاحم والترابط بين الأفراد لدرجة أن الأخ لا يرى أخاه سوى في المناسبات العامة أو الدينية أو من سنة إلى أخرى، وبهذا فقد ضاعت حقوق ذوي القربى. وحتى يعود المجتمع إلى أصوله فقد ركز الدستور الدائم للبلاد على التوجيهات الربانية فذكر في المادة (20) بأن تعمل الدولة على توطيد روح الوحدة الوطنية، والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة. أما المادة (18) يقوم المجتمع القطري على دعامات العدل، والإحسان، والحرية، والمساواة، ومكارم الأخلاق.

 

وعندما أنشئت وزارة العمل والشئون الاجتماعية تفاءلنا بخير بأن المكتسبات الوطنية والأعراف المجتمعية سوف يتم التركيز عليها وتفاءلنا أكثر عندما انفصلت الشئون الاجتماعية عن العمل كوزارة مستقلة. ولكن فرحتنا خابت أو طارت والسبب في ذلك أن الوزارة حسب اختصاصاتها لم تغطي الدور الرئيسي في توفير الحقوق الأساسية لذوي القربى. فمع كل الوحدات والإدارات التابعة للوزارة لم نجد لأي منها أي علاقة قريبة أو بعيدة لتطبيق التعاليم الإسلامية أو لوضع بنود الدستور موضع التطبيق.

 

إن للوزارة، وكما تعلمون، دوراً أساسياً في إنشاء الجمعيات الخيرية فلماذا لم تعمل أو تشجع حتى الآن على إنشاء الصناديق الخيرية للقبائل والعائلات أليس رب العالمين ذكر في القرآن "وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" النور: 22 وقال تعالى "مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى .." الحشر: 7. ومن هذه الآيات وغيرها الكثير يتضح أن السبب الرئيسي في تأكيد رب العالمين على ذوي القربى لأنهم يمثلون الحلقة الاجتماعية الأولى ويشكلون وحدة اجتماعية هامة، وكلما كانت هذه الوحدة متعاونة ومتلاحمة، كلما كانت أقدر على مواجهة المصائب والمصاعب، ومواجهة تحديات الحياة عموماً. إننا فعلاً بحاجة ماسة للغاية في مجتمعنا الإسلامي إلى تجمعات أُسرية قائمة على أساس الإيمان، لتكون بمثابة المصدات بوجه أمواج التحلل والتفرقة والتضييع الذي نعيشه في هذا الزمن المادي الأغبر. ومن المهم تحقيق قول رب العالمين "..قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" الشورى: 23. أي أن تودوا قرابتي وتحسنوا إليهم، فأمرنا بالإحسان إلى ذوي القربى، وصلتهم والتودد إليهم وعدم مقاطعتهم لأن الرحم معلقة بعرش الرحمن تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله. ولا ننسى إن من أهم مزايا صلة ذوي القربى انها تستدر الرزق، وتستنزل الرحمة وتدفع المكروه وتبارك في العمر.. لذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه"

 

إننا ندعو أن تقوم وزارة الشئون الاجتماعية بالخروج عن الدور التقليدي الذي تقوم به، والذي لا يتعدى دراسة الحالات التي ترد إليهم لتقرير أهليتم بالحصول على المساعدة الاجتماعية من عدمه أما الأعمال الأخرى، والتي ذكرت أنها من اختصاصات الوزارة، فإنني أرى أن تبتعد عنها الوزارة لأن المجلس الأعلى لشئون الأسرة، بحسب اختصاصاته التي ذكرت في قانون إنشاؤه، كفيل بالقيام بها. إننا لا نريد أن تتبعثر الجهود وتتضارب الاختصاصات بين الوزارة والمجلس الأعلى لشئون الأسرة

 

إن تشجيع الوزارة لإنشاء الصناديق الاجتماعية للقبائل والعائلات والإشراف عليها ومتابعتها في تنفيذ توجهات الدولة لهو أمر مهم جداً حيث ستعمل هذه الصناديق على:

·        رفع المستويين الاجتماعي والمعيشي للفرد داخل القبيلة أو العائلة مما سينعكس أثره على المجتمع ككل

·        تحقيق كل ما من شأنه زيادة التعارف بين أفراد المجتمع وتنمية وتوثيق الروابط الاجتماعية للكل

·        مساعدة المحتاجين من أفراد القبيلة أو العائلة الذين يواجهون طوارئ أو مصاعب.

·        مساعدة المحتاجين من أفراد القبيلة أو العائلة، كالأيتام، الأرامل، وذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم.

·        مساعدة غير القادرين من الشباب على الزواج بإعطائهم منحاً أو قروضاً.

·        تلبية الاحتياجات المالية لأفراد القبيلة أو العائلة بتقديم المنح لهم أو إقراضهم

·        إعالة أفراد القبيلة أو العائلة الذين انقطع عنهم مورد رزق عائلهم في مستوى معيشة يحفظ كرامتهم.

·        رفع المستوى المعيشي لذوي الدخل المحدود من أفراد القبيلة أو العائلة

·        مساعدة أفراد القبيلة أو العائلة لمواجهة المصائب والمحن التي تحدث قضاءً وقدراً

·        دعم كل عمل نافع وصالح بغية رفع مستوى أفراد القبيلة أو العائلة من كافة النواحي الحياتية والدينية والثقافية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية.

·        تأسيس قوة اقتصادية بين أفراد القبيلة أو العائلة

·        إنهاء الاتكالية ووضع خطط مستقبلية شاملة لكل الأهداف.

 

ونرى أنه لا يستفيد من صندوق القبيلة أو العائلة الاجتماعي كل من كانت حاجته ناتجة عن أعمال مخالفة للشرع أو لأنظمة الدولة، أو قام بمغامرات وتهور نتج عنها خسارة مادية.

 

إن السبب وراء هذا الاقتراح هو أن الكثير من القطريين يتمثلون بقوله تعالى "..يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا.." البقرة: 273. ولهذا فإن هؤلاء لا يستطيع معرفتهم أو يحدد مشاكلهم إلا فرداً آخر من أفراد القبيلة أو العائلة. إن نظام الصندوق الاجتماعي للقبيلة أو العائلة معمول به لدى العديد من المجتمعات حتى الغربية منها. فهي موجودة في أمريكا وأوروبا وأفريقيا حتى أنها موجودة في بعض دول الخليج العربية، وهي تعتبر نوع من أنواع التكافل الاجتماعي الذي أقره الإسلام. لأن الإسلام، وهو دين الرحمة، أوْجبَ على الموسرين الإنفاق على أقربائهم المعسرين انطلاقًا من أنّ هذا المجتمع هو في حقيقته مجموعة أُسَر فإذا كفِلَتْ كلّ أُسرة أفرادها فقد عاش المجتمع في بحبوحة ، وفي سعةٍ ، وفي مودَّةٍ ، وقد نجا من الحِقْد ، والحسد، والشحّ

 

فيا وزارة الشئون الاجتماعية، ونحن في هذا الشهر الفضيل، بادري إلى تبني كل ما هو ايجابي لصالح البلاد والعباد ولا تركزي على صرف المعونة الاجتماعية فقط، بل انطلقي إلى ترجمة حقيقية لأوامر رب العالمين والتوجهات الأساسية التي خطها الدستور

 

والله من وراء القصد ،،

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع