قضاتنا وقضاتهم

 

قضاتنا وقضاتهم

تم النشر بتاريخ 25/7/2010

كنت في زيارة لأحد الأصدقاء في المجلس الأعلى للقضاء وعرف عن هذا الشخص بأنه قليل الزيارات وحتى لو دعي إلى وليمة غداء أو عشاء يجلس يحقق مع الداعي كأنه شخص من التحقيقات الجنائية يحقق في جريمة قتل كل ذلك حتى يضمن الحيادية في إصدار الأحكام القضائية. المهم لقد وجدته جالساً في مكتبه مع أحد القضاة في فترة استراحة قصيرة وبدون موعد أو مقدمات دخلت مكتبه وبعد السلام والجلوس وجدت الحديث بينهما يدور حول العلاج الطبي الحكومي المتوفر من خلال مؤسسة حمد الطبية الذي، كما يعلم الجميع، يحتاج أي شخص إلى شهور للحصول على موعد مع الدكتور المناسب. وتطرق النقاش حول سرعة استجابة العيادات الخاصة للمواعيد ولكنها تتصف بتكاليف علاجها الباهظة. فقلت لهما لماذا لا تستعملوا بطاقة التأمين الصحي في العيادات الخاصة؟ ولأول مرة أعرف أن قضاتنا المحترمين ليس لهم تأمين صحي. وبعد المغادرة ذهبت إلى صديق آخر من القضاة وجلسنا نتحدث وجاءه السائق الخاص به وقام بتحرير شيك وقلت له على سبيل المزاح: لا تنسونا من الشيكات. ورد علي ضاحكاً: إن هذا الشيك البالغ قيمته حوالي 40 ألف ريال هو يمثل رسوم فصل دراسي واحد للمدرسة التي يذهب إليها ابني. وقلت له ألا يدفع لك المجلس الأعلى للقضاء رسوم تعليم ابنك؟ وأجاب بالنفي على ذلك.

 

ومع إني من المشاكسين مع إدارة جامعة قطر ودائماً في خلاف معهم في ما يخص مستقبل الطلبة واستمراريتهم في الجامعة إلا إنني أقف احتراماً وتقديراً لإدارة الجامعة وأوجه شكري لسمو رئيس مجلس أمناء الجامعة وأعضاء المجلس الموقرين وشكر خاص لسعادة رئيس الجامعة على ما يتم بذله من جهد صادق لتوفير أقصى الإمكانيات والحوافز لمنتسبي الجامعة.

 

مساكين يا قضاتنا الموقرين ومع أنكم مستثنين من قانون الموارد البشرية لكنكم تعانون ثلاثة هموم. أحدهم الخوف من حكم الله عليكم فقد قال تعالى: "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" ص: 26. وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم "قاض في الجنة وقاضيان في النار". أما الهم الثاني فهو فقدكم الحياة الاجتماعية الطبيعية والضغوط المجتمعية المختلفة من الأهل والأقارب والأصدقاء عندما تتولون إحدى القضايا على أفراد المجتمع القطري. أما الهم الثالث فهو استقطاع جزء كبير من رواتبكم الشهرية لمواجهة متطلبات الحياة التي تزيد يومياً ولا رادع لها.

 

أما حكم الله عليكم فلا نستطيع التحدث عنه لأنه أمر بينكم وبين رب العالمين والذي يأتي نتيجة للحكم بين الناس بالحق. أما مجتمعكم وعلاقتكم به فنقول كما قال رب العالمين "فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ" والله يعينكم على "مط البوز عليكم والزعل منكم". أما الأمور الأخرى مثل الراتب والبدلات والامتيازات فنستطيع التحدث عنها.

 

نأتي أولاً لنتحدث عن الموارد المالية للقاضي. قضاتنا بارك الله فيهم لا يتعيشون سوى برواتبهم الضئيلة وممنوع عليهم البحث عن موارد مالية إضافية إلا من خلال الشركات المساهمة العامة وحتى هذه فإنه ممنوع عليهم الدخول كأعضاء مجلس الإدارة حيث أن الكيكة الكبيرة موجودة بها.

 

وحتى لا نظلم عملية المقارنة فسوف نقارن الرواتب مع جهات لا تختلف عن أوضاع قطر من ناحية الغلاء وجشع التجار مثل إمارة دبي أما الامتيازات والحوافز فسوف نقارنها بمن هم أقل من دولة قطر في القدرة المالية مثل جمهورية السودان ولندع جانباً الدول المتقدمة التي يحظى قضاتهم بالمكانة العالية في الرواتب والامتيازات

 

من المعروف أن إمارة دبي تنوء تحت ثقل الديون الكبيرة في حين أن دولة قطر، كما نشاهد ونسمع، لديها فائض مالي كبير وتساهم في الشركات والاستثمارات العالمية فلو عقدنا مقارنة بين رواتب قضاتهم وقضاتنا لوجدنا فرق السماء والأرض بينهما والجدول التالي يظهر هذا الفرق


جدول الراتب الأساسي (قضاتهم= إمارة دبي وقضاتنا = دولة قطر)

 

قضاتهم

قضاتنا

 

الحد

الأدنى

الحد

الأعلى

الحد

الأدنى

الحد

الأعلى

مدير المحاكم

67.500

73.500

؟

؟

نائب مدير المحاكم

55.500

61.500

؟

؟

قاضي تمييز

45.000

51.000

30.000

31.000

قاضي استئناف أول

39.000

42.000

27.000

28.000

قاضي استئناف

34.500

37.500

20.000

21.000

قاضي ابتدائي أول

30.000

33.000

17.000

18.000

قاضي ابتدائي

24.000

27.000

13.000

14.000


العلاوات والبدلات* (قضاتهم= إمارة دبي وقضاتنا = دولة قطر)

 

قضاتهم

قضاتنا

 

الحد

الأدنى

الحد

الأعلى

الحد

الأدنى

الحد

الأعلى

العلاوة السنوية

600

1200

250

250

علاوة السكن

3500

10000

3000

5000

علاوة الانتقال

1000

5000

800

1500

علاوة معيشة

500

500

0

0

علاوة اجتماعية

500

800

1600

4000

علاوة الأبناء

900

600 **

0

0

بدل طبيعة العمل

5000

5000

7800

12000

المجموع

12000

23100

13450

22750

*        يعتمد الحد الأدنى والأعلى للعلاوات والبدلات على الدرجة الوظيفية للقاضي

**      عن كل ابن لدى الموظف

***    60% من الراتب الأساسي، وبما لا يجاوز (12000) ريال


وأعتقد أنه أصبح لديكم فكرة كاملة عن وضع رواتب وعلاوات وبدلات قضاتهم وقضاتنا بمجرد الإطلاع على تلك الجداول ولا ننسى أن جميع العلاوات والبدلات لقضاتنا تنتهي، ما عدا الاجتماعية، بمجرد التقاعد. يعني الله يعين قضاتنا بعد التقاعد على متطلبات المعيشة وبخاصة إذا كانت لديهم أقساط قروض يجب تسديدها

 

بعد ذلك ننتقل معكم إلى دولة إمكانياتها المالية ضعيفة جداً ولكن قدراتها لإنصاف قضاتها قوية جداً وما حققته هذه الدولة يعتبر حلماً من الصعب تحقيقه أو الوصول إلى جزء منه لقضاتنا في قطر ونعني بها جمهورية السودان. فمجلس القضاء الأعلى في السودان لديه أندية في كافة الولايات يمارس فيها القضاة أنشطتهم، وفيها حضانات ورياض أطفال لأبنائهم وصالات وقاعات كبيرة ومخابز، ويتنقل أولاد القضاة إلى مدارسهم وجامعاتهم من خلال وسائل نقل تابعة لمجلس القضاء الأعلى تشرف عليها إدارة خدمات القضاة وهي التي تمد القضاة بالمواد الغذائية باسعار التكلفة، ولديهم مزارع للابقار والدواجن يوزع انتاجها على العاملين بسعر التكلفة، ولديهم مزارع للخضروات في العاصمة والولايات. ولمجلس القضائي السوداني موارد مالية خاصة به تديرها وحدة استثمار يتبع لها العديد من المزارع والمتاجر والصيدليات والعيادات الصحية لخدمة القضاة بأسعار زهيدة، وتعود أرباحها عليهم، ومن خلال تلك الاستثمارات تم شراء سيارات لجميع قضاة السودان وتوفير سائق لكل قاض، وفي مجال الأبنية فالخطة تقضي بأن يكون لكل قاض سوداني بيت مستقل له لا يدفع عنه أقساط قروض حسنة أو غيرها، وقد أنهى المجلس القضائي توفير الأبنية لقضاة المحكمة العليا والآن وصل الدور الى قضاة الاستئناف، وضمن خطتهم توفير الأبنية لكافة القضاة حسب التسلسل الوظيفي. والقضاة السودانيين يتمتعون بتأمين صحي خاص داخلي وخارجي، ولكل قاضي سوداني الحق في تعزيز مكتبته القانونية بمبلغ عشرون ألف جنيه سوداني سنويا. ومن الامتيازات الأخرى للقاضي السوداني فإنه عند تقاعده يأخذ كافة الامتيازات التي كانت له أثناء الوظيفة بما في ذلك السيارة والبيت. أما في قطر فلا يوجد للقضاة اندية خاصة بهم، ولا جمعيات تعاونية او اجتماعية تجمعهم، ولا يوجد لهم سيارات حكومية تابعة للمجلس القضائي، ولا يوجد لهم تأمين صحي ولا رسوم لتعليم أبنائهم، أما المساكن فقد حصلوا عليها بصفتهم أنهم قطريين ويعملون لدى جهة حكومية.

 

إن إنجازات القضاء السوداني رغم الظروف التي تواجهها الجمهورية السودانية محلياً ودولياً مدعاة للفخر والاعتزاز وأتمنى أن يقوم المجلس الأعلى للقضاء بدولة قطر بتطبيق رواتب إمارة دبي على قضاتنا وأن يضع تجربة السودان الشقيق نصب عينيه وأن يحاول الاستفادة بأقصى ما يمكن من كل ما هو من شأنه رفع مكانة القضاء والقضاة.

 

إننا لا نستطيع منع قضاتنا من البحث عن عمل آخر يوفر لهم المزايا الكبيرة التي تعطى لغيرهم من حيث الراتب الكافي والسيارة والسكن والتعليم للابناء وغير ذلك من المزايا ، ولكننا نستطيع دق ناقوس الخطر من الآن بأن تسرب الكفاءات القضائية القطرية من المجلس الأعلى للقضاء سيصبح حقيقة واقعة إلا إذا تم تعديل الأوضاع. ولا ننسى بأن قضاتنا محظور عليهم قانوناً ممارسة اية أعمال أخرى، وفي الوقت نفسه عليهم التزامات أسرية واجتماعية مختلفة. إن تعديل كادر القضاة وامتيازاتهم بما يتناسب مع مكانتهم سيدعم سياسة المجلس الأعلى للقضاء في عملية التوطين والاحلال وهي الاستراتيجية والرؤية التي يتبناها مجلس الوزراء وسيقوم هذا التعديل في الوقت نفسه على توفير الحياة الكريمة لهم ويعطيهم راحة البال في العمل ويكونون غير محتاجين ويتفرغون لأداء عملهم على أكمل وجه وبمنجى من ضغوط الحياة التي نعيشها. ونحمد الله أن سمعة دولتنا مشرفة في كل الميادين ومنها القضاء.

 

والله من وراء القصد ،،

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع