الطلبة وشهادة التوفل

 

الطلبة وشهادة التوفل

تم النشر بتاريخ 6/6/2010

ونحن ننظر إلى أبنائنا وهم يقدمون امتحانات الشهادة الثانوية ويعترينا، هم ونحن، الخوف والقلق من المستقبل وتمر علينا أسئلة عديدة ولا نجد الإجابة الشافية لها ومن هذه الأسئلة: هل سيقبلون أولادنا في الجامعة؟ هل سيجتازون متطلبات شهادة التوفل بالدرجة المطلوبة؟ .. الخ.

 

والتوفل، لمن لا يعرفه، هو امتحان في اللغة الإنجليزية معروف باسم TOEFL وهو اختصار لكلمة Test Of English as a Foreign Language ويعتمد أسلوب امتحان التوفل على طريقة الخيارات المتعددة وهو في مجمله يغطي ثلاثة أقسام وهي القراءة والسمع والكتابة. والتوفل شهادة معتمدة تطلبها العديد من الجامعات في خارج دولة قطر وكل الجامعات في داخل دولة قطر لأن حصولك على شهادة التوفل هو في حد ذاته دليل إتقانك للغة الإنجليزية بشكل عام وليس إتقانك للغة الإنجليزية بشكل متخصص لان امتحان التوفل لا يعلم الطلبة اللغة الإنجليزية لأنه امتحاناً عاما ولا يتناول المفردات الأكاديمية المتخصصة والتي نحن في أمس الحاجة إليها.

 

ويأتي امتحان التوفل كعبء إضافي على خريجي الثانوية فالطالب يقضي فترة من الزمن قد تمتد لأكثر من عام كامل في اجتياز التوفل بالدرجات المطلوبة (بعض الطلبة من أصحاب النسب العالية قضوا سنوات) ولهذا يعتبر التوفل قيداً من القيود الكثيرة للتقليل من عدد المتقدمين للدراسة الجامعية ولذلك فإن التوفل، في وجهة نظري ونظر الكثير ممن قابلت، يعتبر حجر عثرة في طريق الطالب المتفوق الذي لا يجيد اللغة الإنجليزية بسبب المناهج التعليمية التي مر عليها من المرحلة الابتدائية إلى نهاية المرحلة الثانوية

 

إن الشروط التي وضعتها جامعة قطر وجامعات المدينة التعليمية للقبول في الدراسات الجامعية عديدة ولا تتوفر لدى الكثير من الطلبة. وإنه لا بد من القول بأن من حق الجامعات أن تكون حازمة في تطبيق القواعد المنظمة بقبول وتسجيل الطلبة وذلك حفاظاً على مصداقيتها ومكانتها العلمية ولكن من وجهة نظري فإننا أمام مشكلة حرمت الدولة والمجتمع من عدد كبير من القوى العاملة المواطنة في مجتمع يعاني من ندرة خطيرة بأعداد الثروة البشرية المواطنة

 

إننا لا نطالب أن يتم إيقاف تعلم اللغة الإنجليزية فهي مهمة جداً لكل من يتعامل بالتقنيات المستوردة حيث أن جميع الخرائط والرسوم والشرح لهذه التقنيات تكون باللغة الإنجليزية لأن هذه التقنية وببساطة انبثقت من بيئة غربية ولهذا يعتبر امتحان التوفل مهماً ويبقى مهماً للطلبة الذين يلتحقون بالكليات التكنولوجية والكليات العملية وفي الوقت نفسه فإن اللغة الإنجليزية مهمة لكل القطاعات الوظيفية التي لها اتصال بالعالم الخارجي مثل البنوك والطيران أما أن تفرض اللغة الإنجليزية على طلبة كلية الشريعة والكليات الأدبية فهذا ظلم كبير لأننا لا نريد أن يعلوا أحد الخطباء المنبر ليلقي علينا خطبة الجمعة باللغة الإنجليزية (على فكرة فإن بعض مجموعات مقرر الثقافة الإسلامية يدرس باللغة الإنجليزية)

إن جامعة قطر، كما أعلم، تقدم لطلبتها مقررات من خلال البرنامج التأسيسي لتعلم اللغة الإنجليزية والعجب العجاب بأن الطالب حتى ولو اجتاز جميع مقررات اللغة من المستوى الأول إلى المستوى الرابع بنجاح (يعني ضياع أربع فصول دراسية = سنتين دراسيتين) فإنه مطالب بالحصول على درجات في التوفل لا تقل عن 450 درجة وهذا يضعنا في إشكالية كبيرة جداً لأنه يعني بأن الجامعة نفسها لا تعترف بالمقررات الدراسية التي تقدمها لطلبتها ولا بمستواها الدراسي والتدريسي وعلى هذا، وحسب ما جاء في أحكام الشريعة الإسلامية، فإن على الجامعة أن تقنن اختباراً دولياً لكل مقرر من مقرراتها الدراسية سواء العامة أو التخصصية فعدم الاعتراف بالجزء يعني عدم الاعتراف بالكل (ولنا وقفة قادمة مع البرنامج التأسيسي وأهدافه)

 

والسؤال المحير لماذا هذا الإصرار على التوفل؟ ولماذا اللغة الإنجليزية؟ ولننظر لجميع من ترقى في العمل ووصل بجدارة إلى المناصب العليا في البلاد ولنسأل أنفسنا هل كل هؤلاء لديهم شهادة التوفل؟

 

إن الإجابة على هذه التساؤلات سوف تقودنا بلا شك إلى إن الأمر لا يعدوا عن كونه افتتان العديد من أفراد المجتمع القطري وكل مجتمعات دول الخليج باللغة الإنجليزية إلى أن وصل الأمر إلى التفاخر بها، وللأسف أتى هذا التفاخر على حساب لغة القرآن، اللغة العربية فهذا أراه بأنه ضعف وسيؤدي حتماً إلى استيلاد مجتمع ناشز ليس له إرتباط بالمعطيات الإسلامية والثقافية والحضارية لأسس بلاده ومن الأمثلة على ما يحدث فهذا بنك ... مملوك لدولة قطر بالكامل ويعمل على المستوى المحلي فقط، يطلب من السماكين (الذين يصيدون السمك) والراغبين في الانتفاع من قرار سمو الأمير المفدى بتشجيع ودعم الصناعات الغذائية أن يقدموا طلباتهم لشراء القراقير والشباك باللغة الإنجليزية

 

أما على الجانب الآخر فنجد أن كتلة كبيرة من الدول المتقدمة مثل ألمانيا وفرنسا .. الخ، تحافظ على لغتها بل تصل إلى العنصرية في هذا الأمر حتى أمريكا فإنها لا تمنح الجنسية إلا للذين يتقنون لغتها فلنسأل أنفسنا هل هم أفضل منا حتى نتنكر لأصلنا ولغتنا وديننا بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب؟ فنحن المسلمون من أفضل الأمم على وجه الأرض ويشهد بذلك رب العالمين فقال تعالى" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" آل عمران :110 وكلمة "كنتم" ليست فعل ماضي بل كما ذكر اللغويين تعني الاستمرارية

 

لقد أحسن سمو ولي العهد الأمين في قراره عندما أجبر كل من يلتحق بالمدارس الحكومية باللباس القطري ولقد أحسن مجلس الوزراء عندما وجه أوامره لكل الجهات باعتماد اللغة العربية في جميع المخاطبات والمراسلات وأعتبر شخصياً بأن هذان الأمران هما قمة في التقدم والرجوع إلى الأصول الحقيقية للمجتمع القطري وليس كما يراه البعض قمة في التخلف والرجعية. ولكن هذه القرارات تحتاج من يراعيها ويتابعها

 

 

 وفي هذا المقام فإنه يجب أن نتذكر:

·        إن التوفل ليس أقوى من الشهادات الجامعية لأنه يقيس مكتسبات الأفراد من اللغة الإنجليزية العامة وليست المتخصصة في ميادين التقنيات والعلوم العملية وهذا الجزء هو المهم لنقل التكنولوجيا ومجارات الدول المتقدمة

·        إن عدم معرفة الألمان والفرنسيين وغيرهم من مجتمعات العالم باللغة الإنجليزية لم يؤخر في تقدم تلك الدول ولا في تحقيق الإنجازات المشهود لها في كل الميادين

·        من المهم المحافظة على كل العناصر البشرية القطرية بسبب ندرة القوى البشرية المحلية ومن الطبيعي متابعة ما هو الأفضل لتنميتها وتطويرها لضمان الحصول على العمالة في جميع المستويات وليس عرقلة خطاها علماً بأن هناك الكم الهائل من الوظائف العامة والخاصة لا تحتاج اللغة الإنجليزية في تأدية مهامها

·        إن عدم قبول أو تأخر تخريج أي مواطن واحد سينتج عنه حاجة لجلب خمسة رؤوس من العمالة الوافدة وتخيل الهدر الكبير في ميزانية الدولة لتوفير المرافق الحكومية لهذه العمالة الوافدة الإضافية

·        إن عدم الحصول على العمالة المواطنة سينتج عنه استمرار الاعتماد على العمالة الوافدة مع ما ستجلبه من آثار سلبية على المجتمع والبيئة

 

وفي الختام أقول إذا كنت تريد أن يتم قبولك في أي جامعة بدولة قطر أو ترغب بالحصول على وظيفة ممتازة براتب عالي ومكانة مرموقة وتضمن الترقي لازم تجيد اللغة الإنجليزية وتنجح بشهادة التوفل بالدرجات المطلوبة وتنسى أنك تعرف اللغة العربية

*****

لقد أعجبني خطاب معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في اللقاء التشاوري الرابع مع رجال الأعمال وغرفة صناعة وتجارة قطر ولنا وقفات عديدة لكل ما جاء في الخطاب الصريح والواضح ولا نقول سوى بارك الله لنا في معاليكم وسدد رب العالمين خطاكم لما فيه صالح الوطن والمواطن والمقيم

 

ونبارك في هذا المقام لكل الوزراء الجدد ونسأل الله أن تكون فترتهم هي فترة عطاء متواصل لخير البلاد والعباد

 

والله من وراء القصد،،

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع