ما هو السن المناسب للتقاعد؟

 

ما هو السن المناسب للتقاعد؟

تم النشر بتاريخ 28/6/2010

 

قال تعالى "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" الأحقاف: 15

 

إن سن الأربعين كما هو واضح من الآيات الكريمة هو سن النضج والكمال والعطاء وأن الرسالة السماوية لم تنزل على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلاّ وهو في سن الأربعين

 

إن التقدم الكبير في الخدمات الصحية قد رفعت من معدل عمر الإنسان إلى ما فوق السبعين عاماً وأننا نعيش الآن في عصر العمل العقلي والآلي وليس العمل العضلي الذي يحتاج إلى القوة البدنية فلذلك يجب أن لا ينظر إلى المواطن كأنه سلعة وضعت على الرف في مجمع تجاري عليها لوحة تحدد انتهاء الصلاحية وبالنظر إلى أنظمة المجتمعات المتقدمة فإننا نستشعر أهمية الإنسان لديهم ففي اليابان على سبيل المثال ارتفع طلب التوظيف على من تجاوز الستين عاماً علماً بأن سن التقاعد في اليابان هو بحده الأدنى 65 سنة وبشرط العمل لمدة 25 سنة أما أمريكا على سبيل المثال لديها خطة لرفع سن التقاعد من (65) سنة إلى (67 ) سنة ابتداًء من عام 2012م ولو تتبعنا اهتمام الكثير من الدول الأوروبية في الحفاظ على خبرات المتقاعدين وتجاربهم لوجدنا أن المتقاعد جزء لا يتجزأ من النظام الجديد لأي تخطيط إداري وعادة ما تتحول وظيفته إلى وظيفة استشارية ولا ينقطع تواصله مع العمل عبر البحوث وتطوير التجارب المختلفة. فلا يعني أن يحال الفرد إلى التقاعد على أن يحال كل ما يمتلكه من خبرات وإنجازات للتقاعد أيضاً لأن العمل لازال مستمراً والنمو يحتاج بالدرجة الأولى لتلك الخبرات الثمينة كمرجعية وقت الحاجة للتزود نحو النمو المتواصل

 

إن الدول المتقدمة، وكما لاحظنا، تهتم بمن ساهم في يوم من الأيام في تقدم مجتمعاتها وتوفر لهم جميع أسباب المساهمة المستمرة في دعم هذا التقدم الذي أحرز. في حين أن المواطن القطري ينتهي دوره عند تقاعده بل ويظلم. وفي كل الأحوال يجب أن لا ننسى بأن هذه النهضة التي نراها أمامنا وفي جميع المجالات والميادين ما هي إلاّ من صنع هؤلاء المتقاعدين وقد قامت على أكتفاهم ويعتبر تهميشهم وإغفال هذه الثروة المتراكمة التي خسرت عليها الدولة نوعاً من الهدر البشري والمادي والمعرفي في تنمية اقتصاد الدولة.

 

إن الهدف العالمي من أنظمة التقاعد، كما نفهمه، هو حث الموظف على البقاء على رأس العمل مادام قادراً على أداء عمله أما تحويل القطرين القادرين على العمل وبشكل إجباري إلى البند المركزي أو التقاعد ومنعهم من الالتحاق بالوظائف المختلفة سيؤدي حتماً إلى استيراد عمالة من الخارج بعدد يقارب أكثر من العدد المفقود وذلك لأن عجلة النمو والتنمية في حركة مستمرة للأمام وكلما تحركت للأمام تطلبت عمالة أكثر وكلما زاد عدد العمالة المستوردة كلما زادت النفقات الحكومية على الخدمات والمرافق العامة في وقت نحن في حاجة، كما تنادي به الحكومة، إلى ترشيد الإنفاق

 

فلا أدري ما المبرر الذي يجعل عملية الاستفادة من خبراتهم الواسعة تكاد تكون معدومة ولا أدري لماذا يتم تنحية القطريين وإزالتهم إلى البند المركزي أو إحالتهم إلى التقاعد واستبدالهم بعمالة وافدة ذات رواتب أعلى وأعمار تزيد عن الستين عاماً مع العلم بأن بعض القطريين الذين تمت تنحيتهم لم تتجاوز أعمارهم عن الأربعين عاماً ونستطيع القول بأن هناك أهداف متنوعة للذين قاموا بالإيعاز لصياغة القوانين بهذا الأسلوب وربما، حسب رأيي، يتمثل في:

 

·        لضمان الوظائف لهم ولأولادهم من بعدهم

·        جعل دولة قطر تعتمد في الوظائف العليا وغيرها على الوافدين

·        خلق نوع من الفرقة داخل المجتمع القطري

·        تضعضع الجبهة الداخلية لدولة قطر

·        خلق القلاقل والاضطرابات وعدم الرضا في علاقة الشعب والسلطة التنفيذية

 

إن الموظف يجد ويعمل ويتعب ولكنه عندما يرى نهاية الطريق لمن سبقه في التقاعد ويشهد الوفاة الأولى لإخوانه وهم في عمر العطاء وهي الإقصاء والتهميش فكيف يستطيع أن يستمر في المثابرة والعطاء. وللأسف ستستمر قضية معانات فئة واسعة من فئات شعبنا وهي تعاني من واقع العزلة والإبعاد والواقع المرير وهنا نقف ونفكر هل علينا أن ننظر إلى هذا اليوم (يوم التقاعد) أو الإحالة على المعاش كأنه يوم من الأيام التي ترتكب فيه جريمة قتل المواطن عن سابق قصد وعزم وتصميم، لماذا لا يكون هذا اليوم يوم احتفال كبير وتكريم بل يوم ولادة جديدة للموظف الذي قدم خدمات جليلة لمجتمعه

 

إن إصدار مثل هذه القوانين الجائرة والمخزية ، إما أنها تمت عن جهل بوضع دولة قطر والقطريين، أو لغرض أثارة الفتنة والفوضى. إذ من يريد الاستقرار لهذا البلد لا يتصرف مثل هذا التصرف. فالمشكلة، حتى الآن، لا تزال إنسانية وليست سياسية، ولو أنها قد تتطور كذلك إن أهملت أكثر

 

ولو كان الأمر غير ذلك فكيف يغيب عنهم بأن إجمالي عدد القطريين لا يتجاوز في أي حال من الأحوال 300 ألف نسمة منهم الأطفال وكبار السن والذين يمثلون تقريباً 180 ألف والباقي البالغ 120 ألف هم النشطين اقتصادياً (ذكور وإناث) جزء منهم ليس بالقليل في القطاع العسكري في حين يبلغ العدد الإجمالي للموظفين المدنيين فقط أكثر من 350 ألف موظف (وليس منهم من يعمل في القطاع العسكري والعمال).

 

وعلى الرغم من وجود تعاطف كبير من المواطنين ومن عدد من الصحف المحلية مع قضية المتقاعدين، ولكن باعتقادي فإن هذا التعاطف لا يتجاوز، في أحسن الأحوال، التحدث أو نقل الأخبار كأنه أمر اعتيادي. إن العتب الأكبر يقع على مجلس الشورى الذي يمثل جميع المواطنين في قطر. إذ لم نره قد تحرك أية خطوة فعالة في نصرة هؤلاء المتقاعدين الذين يعانون الظلم والقهر.

 

إن بلد كبلدنا، أنعم الله عليه بالكثير من النعم، وخصه سبحانه ما يستوجب الشكر والسعي الحثيث للحفاظ عليه فعندنا من النفط الخير الكثير ومن الغاز ما يستمر احتياطيه لمئات السنين وفوق كل ذلك لدينا أمير كريم وأب حنون عم بأفضاله العالم بأسره من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه. أمير لا يشك أحد في مدى إخلاصه وتفانيه للعمل لصالح شعبه وصالح شعوب العالم فالتاريخ العالمي يشهد بوقوف سمو الأمير المفدى مع وحدة اليمنيين ورفع الظلم عن السودانيين وإحلال السلام للبنانيين وغيره من الأعمال الجليلة الكثير وبكل هذه الإنجازات فإنني على ثقة كاملة بأن سمو الأمير المفدى سوف يرفع الظلم عن بضع آلاف من المواطنين القطريين

 

وفي الختام فإننا نطرح التساؤل التالي: لماذا يفرح الأشخاص الذين يحالون للتقاعد في الدول المتقدمة والصديقة والشقيقة، بينما من يحال إلى التقاعد من القطريين يصيبه الهم والجزع والخوف زيادة على هم ارتفاع الرسوم والأسعار، وهم المعاناة اليومية. هل هذا الأمر يعود إلى معنى كلمتي "معاش المتقاعد" والتي تعني "ما عاش ومت قاعد"

 

والله من وراء القصد ،،

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع