الأموال المهاجرة والديون المتعثرة

 

الأموال المهاجرة والديون المتعثرة

تم النشر بتاريخ 30/5/2010

تأتي إنجازات ومكاسب دولة قطر نتيجة للخبرات المتراكمة ولبعد النظر في الخطوات التي يتخذها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى وحكومته الرشيدة لصالح الوطن والمواطنين. إن الخطوات التي اتخذتها قطر من خلال المساهمة في رأس مال البنوك وشراء المحافظ الاستثمارية وشراء المحافظ العقارية وتحويل حسابات العملاء إلى جهة حكومية تعتبر خطوات جريئة عززت الثقة في الاقتصاد القطري وجعلته يتخطى جزءاً ليس بالبسيط من الأزمة المالية العالمية وعليه فقد كان التدخل الحكومي حاسماً من خلال اتخاذ تلك الخطوات التي أعطت الثقة للمستثمرين في الداخل والخارج

 

والملاحظ بأن الحكومة القطرية درجت منذ تفجر الأزمة المالية العالمية على اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على سلامة واستقرار الجهاز المالي للبلاد والحيلولة دون وقوع الاقتصاد القطري في دوامة التداعيات الناشئة عن الأزمة. ومع الحلول التي تبنتها دولة قطر للتغلب على آثار الأزمة المالية العالمية على المستوى المحلي إلا أن هناك قنبلة شديدة الانفجار ظهرت على صفحات الراية الاقتصادية يوم الخميس 20/5/2010 وستستمر بالظهور على السطح وهي الديون المتعثرة لدى الأفراد وقطاع الأعمال التي لا يكفي دخلهم لتغطية نفقات تشغيلها أو تلك الشركات التي يقل فيها معدل العائد على الاستثمارات بتكلفتها الدفترية عن تكلفة رأس المال، وتعد الشركة متعثرة إذا لم تتمكن من مقابلة التزاماتها المستحقة على الرغم من زيادة أصولها عن خصومها وهو ما يعرف بأزمة السيولة

 

وللديون المتعثرة، كما تعلمون، آثاراً مدمرة على الاقتصاد المحلي والأفراد فعلى الصعيد الاجتماعي قد تؤدي إلى:       

·        انخفاض الدخل المادي، وما ينتج عنه من عدم قدرة المقترض على الالتزام بأعباء معيشية مما يزيد من تعمق الخلافات الأسرية، أو الملاحقة القضائية للشخص المدين، أو حبسه في حال عجزه عن السداد مما يؤدي لتشتت أفراد أسرته وما يصاحب ذلك من أمراض اجتماعية خطيرة.

·        انخفاض مستويات المعيشة لغالبية المواطنين وستكون نتيجتها الحتمية هو تفاقم مشكلة الفقر وهذه المشكلة، وللأسف، بدأت في الظهور لدى فئة من المواطنين

 

أما على الصعيد الاقتصادي فإنها ستؤدي إلى:

·        انخفاض معدل الادخار مما يقلل من إسهام الادخار في تنمية مشروعات الدولة الاقتصادية والاستثمارية.

·        انعكاس سلبي على الملاءة المالية للبنوك، لعدم قدرتها على إعادة جدولة الديون المتعثرة.

·        التأثير السلبي على حركة التجارة الداخلية بسبب نقص السيولة النقدية.

 

أما على الصعيد الأمني فتصبح أكبر المشاكل هي:

·        بروز ظاهرة الشيكات المرتجعة الذي يمثل عبئاً إضافياً على الأجهزة الأمنية مما يقلل من فاعليتها لمعالجة القضايا الجنائية الأخرى بالإضافة إلى التكلفة المالية للأجهزة الأمنية.

·        دخول أعداد كبيرة من المواطنين إلى السجون على ذمة الشيكات المرتجعة مما يؤدي لتشتت أفراد أسرته وفي نفس الوقت يضيف تكلفة مالية على الأجهزة الأمنية.

 

أما على صعيد الخطط الإنمائية فمن المحتم:

·        أن تصاعد حجم الديون المتعثرة بمعدلات لم يسبق لها مثيل سيشكل قيداً أو حملاً ثقيلاً على خطط التنمية المستقبلية، نظراً لابتلاع جانب مهم من السيولة النقدية في خدمة فوائد الدين المتعثر.

 

هذا جزء يسير مما ستجلبه مشكلة الديون المتعثرة على الوطن والمواطن وهناك عوامل عديدة ساهمت في حدوث هذه الأزمة على المستوى المحلي، ومع معرفتنا بها إلا أنه لا داعي لذكرها والأهم من ذلك هو معرفة طريقة حلها وطبعاً حكومتنا الرشيدة تعرف، إذا أرادت، الطرق المناسبة لها والدليل على ذلك سلسلة الإجراءات التي اتخذت لتخفيف الضغط على البنوك المحلية

 

ومن الحلول التي نرى أنها ممكنة هو شراء تلك الديون المتعثرة من قبل الحكومة وإصدار سندات لشراء الأصول المتعثرة وإعطاءها امتيازات معينة من المصرف المركزي مثلما يحدث في بعض الدول كالمكسيك وكوريا. والهدف الأساسي منها هو توفير السيولة اللازمة لمنع انهيار النظام الاقتصادي القطري. أن وجود أدارة حكومية تؤسس خصيصاً لهذا الغرض لتشتري القروض البنكية الحالية وتجمعها في هيئة ضمانات سيساعد في تحقيق الانفراج. في نفس الوقت فإنه لابد من توجيه السيولة النقدية لدى الحكومة من الإيرادات النفطية إلى السوق عن طريق طرح المزيد من مشاريع البنية التحتية التي أعلنت الحكومة بإرجائها لمدة أو مدد غير محددة. وعلى الحكومة في مثل هذه الظروف، ولمساعدة القطاع الخاص إجمالاً، أن تكون أكثر إنفاقاً وتوسعاً في المشاريع الكبرى. فهذا، كما نراه، إنفاق في محله وليس إنفاقاً من دون مقابل. إذ أن من ايجابياته تحقيق نمو للاقتصاد وتنمية البلاد التي هي بحاجة أساساً إلى مشاريع تنموية.

 

أما الحل الأمثل لمعالجة المشكلة فهو بيد هيئة الاستثمار القطرية فلقد درجت الهيئة في السنوات الأخيرة على شراء أسهم في كثير من الشركات الغربية التي تعاني من ضائقة مالية خطيرة مثل شركة السيارات الألمانية بورش وفولكس فاجن وكما ذكرت الصحف العالمية بأن استثمار قطر سيساعد بورش على سداد ديون مستحقة عليها تبلغ 3.3 مليار يورو وسيتيح للشركة الحصول على السيولة النقدية، وهي في أشد الحاجة إليها من أجل تفادي دخولها في أزمة. إننا لا ننكر بأن هذا النشاط وغيره قد حقق نقلة كبيرة في مجال الاستثمارات وتنويع مصادر الدخل بحيث أصبحت الاستثمارات الخارجية مصدر قوة حقيقية للاقتصاد القطري الذي يسعى إلى عدم الاعتماد في المستقبل بشكل كامل على البترول والغاز الطبيعي وقد نجحت قطر في هذا المجال وتضاعفت استثماراتها واقتحمت مجالات إستراتيجية كبرى داخل الوطن العربي وخارجه. إن حصول قطر على استثمارات خارجية قوية لا يعززه سوى اقتصاد داخلي أقوى.

 

إن الديون الداخلية المتعثرة سوف تشكل قصوراً كبيراً في أداء الدولة على المدى القصير والبعيد وقد يجلب معه نتائج اقتصادية سلبية قد تؤثر في الاستقرار الذي تنعم به البلاد تحت قيادة أمير واعي وحكومة متميزة بالعطاء الكبير.

 

إن إحصاءات دولية قد أكدت أن دولة قطر من بين أكثر دول العالم تصديراً لرأس المال وأقلها استيراداً له (سواء بشكل استثمارات أو مساعدات خارجية). وأكد الكثير من رجال الأعمال القطريين حاجة قطر الماسة إلى جزء ولو يسير من تلك الأموال المهاجرة والكثير منهم يرى أهمية إنشاء هيئة حكومية للاستثمار في الداخل مقابل هيئة الاستثمار القطرية القائمة حاليا والموجهة باستثماراتها إلى الخارج.

 

إن معظم استثمارات هيئة الاستثمار محلياً تعتمد على الريع وليس على الإنتاج. وخير دليل تلك المليارات التي وجدت طريقها إلى السوق المحلي من خلال البنوك لتحقيق عائد للمال العام في عز الأزمة وذروة تداعياتها. وها هي الشركات العارفة لفلسفة الهيئة تسعى مجدداً لطلب الأموال القطرية كمساهمات في صناديق جديدة أبرزها صناديق تضم أصول شركات عالمية لمقابلة أزمة ديون. أما الفلسفة الإنتاجية والتنموية الداخلية فهي شبه غائبة عن طريقة العمل والاستثمار. علما أن هيئة الاستثمار تشارك أحياناً في مشاريع إنتاجية خارج البلاد سواء كان ذلك في مدن عقارية أو مشاريع طاقة أو سلسلة متاجر وذلك تلبية لطلبات تأتيها من دول غربية أو شركات أجنبية أو مؤسسات عامة تابعة لدول عدة.

 

والسؤال الذي يبرز على السطح هو: لماذا لا تبادر هيئة الاستثمار بمباركة حكومية إلى تأسيس وإطلاق شركات في مختلف القطاعات كما هو الحال في مساهمات قطاعات الاتصالات والبنوك؟ لماذا ترددت هيئة الاستثمار في المضي قدما ولو بملف واحد من هذه الملفات مقابل جرأة قياسية سجلت لها عندما هبت مسرعة لتلبية نداء استغاثة من بنوك أميركية متعثرة أو شركات تصنيع سيارات غربية تعاني من أزمة ديون؟

 

إننا نرى أن تقوم هيئة الاستثمار القطرية بالدخول كمستثمر في الشركات القطرية التي تعاني من الديون المتعثرة عن طريق إنشاء صندوق استثماري جديد بهدف إيجاد آليات لمواجهة أزمة السيولة والإقراض والاقتراض عبر شراء الدين لدى الشركات المتعثرة وتحويلها إلى وحدات فيها. إن من شأن هذا الصندوق أن يفسح مجالاً للعديد من المستثمرين المتعثرين، ويوفر مجالاً من النقد لاسترداد أموالهم.

 

فهذا كما نراه، استثمار في محله إذ أن من ايجابياته تحقيق نمو للاقتصاد وتنمية البلاد التي هي بحاجة أساساً إلى مشاريع تنموية وبحاجة أكبر لسيولة نقدية لشركات واعدة لو أتيح لها الانطلاق من جديد بعيداً عن الديون المتعثرة التي قد تجرهم إلى مرحلة إعلان الإفلاس.

 

والله من وراء القصد،،

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع