قالها وبقوة "أنا كتري"

 

قالها وبقوة "أنا كتري"

تم النشر بتاريخ 23/5/2010

بعد أن كتبت عن صعوبة المواقف في سوق واقف ومخالفات المواقف التي يحررها رجال المرور تجرأت وذهبت مرة أخرى بدون أن اصطحب الأهل معي وفي ثاني لفة في الموقف وجدت مرادي في مكان فارغ أوقفت سيارتي فيه ونزلت من السيارة نزول المنتصر النشوان وعيون أصحاب السيارات الأخرى الذين يبحثون عن موقف ترمقني بنظرات ملؤها الحسد والغيظ

 

على أي حال ذهبت أتمشى في دهاليز السوق أتذكر أيام السوق القديم حتى وصلت إلى دكان إحدى السيدات من خريجي مشروع الأسرة العصرية الذي شاركت مع دار الإنماء الاجتماعي في إنشاءه وجلست على الكرسي الخشبي وجلس خلفي في القهوة المحاذية مجموعة من الشباب (حوالي 7) لا تزيد أعمارهم عن 14 سنة وكانوا يتحدثون باللغة الإنجليزية بطلاقة تامة ولكن عندما تأتي مناسبة التحدث بالعربية فإنهم يقوموا بحرق مش فيوز واحد فقط بل كيبل كامل والذي استرعى انتباهي بأن هؤلاء الشباب كانوا يلبسون الملابس القطرية ومن الفضول سألتهم إلى أي جنسية ينتمون ويا ليتني ما سألتهم ذلك ولم أتحدث إليهم بتاتاً فقد رد أحدهم " أنا كتري". لقد اتضح لي بعد أن ترجمت قوله بأنه "قطري" وجميع من معه هم من القطريين حتى النخاع وينتسبون إلى أشرف القبائل القطرية.

 

وأصدقكم القول بأن أول ما فكرت به هو إسرائيل التي زرعت في قلب الوطن العربي. فإسرائيل، مع أنها تكونت من خليط من البشر غير متجانس ولديه ثقافات متنوعة ويتحدث أفرادها بلغات مختلفة منها العربية والإنجليزية والروسية وغيرها، لكنهم عندما تم استزراعهم في فلسطين اتخذوا اللغة العبرية لتكون لغة الدين والسياسة والاقتصاد والعلم والعمل، ولم تشترط إسرائيل إتقان اللغة الإنجليزية لتعليم مواطنيها ولا لتعيينهم. وفي نفس الوقت فإن كل دول العالم الأول والثاني المتقدم والنامي والمتخلف، بدءاً من أوروبا، ومروراً بدول صغيرة في عدد سكانها مثل اليونان وفنلندا والنرويج، وكل دول أمريكا الجنوبية ودول نمور الاقتصاد الآسيوي يطبقون هذا المبدأ، ويعتمدونه كأحد أهم مقررات الإنجاز التنموي.

 

فهل هؤلاء الشباب "الكتري" يمثلون النخبة في سباق مسيرة دولة قطر بالتنمية الإنسانية فالقدرة على التحدث بطلاقة باللغة الإنجليزية لا يعني على الإطلاق القدرة على الإبداع والابتكار والإنتاج والنجاح فمن الخطورة أن يتم اعتبار إتقان اللغة الإنجليزية مؤهلا علمياً أو ميزة للبعض في أن يصبحوا قادة في مجالات عملهم وللأسف إن كل ما يحدث يتم تحميله من العديد:

 

·        لأثر العولمة من جهة

·        والأثر المباشر للمدارس المستقلة من جهة أخرى.

 

إن العولمة كما يعرفها المطلع على الأمور، تهتم بالمصلحة الأولى والأخيرة للدول الكبرى، أما الصغرى فهي عبارة عن قاعدة إنتاجية للأيدي العاملة والموارد الأولية والسوق لتصريف منتجاتهم ونتج عن هذه الظاهرة هيمنة ثقافية أدت إلى توطيد الانجليزية كلغة عالمية. والعولمة لا تحتاج إلى لغة، لكن العالم النامي في أمنياته يحتاج أن تكون له لغة، وهكذا يفرض على المواطن تعلم الانجليزية للحصول على وظيفة لدرجة أن تعليم بعض الأطفال صار يقتصر على اللغة الإنجليزية وحدها وما شاهدته في سوق واقف لهو خير دليل على ذلك.

 

أما المدارس المستقلة فلقد حذر الدكتور عبدالله بن جمعة الكبيسي مدير جامعة قطر الأسبق في دراسة عن المدارس المستقلة من إعلاء مكانة العلوم والرياضيات على حساب الثقافة الإسلامية والتربية الوطنية ويرى بضرورة التوازن في توزيع المواد الدراسية بحيث يؤدي مجموعها إلى بناء شخصية متكاملة روحياً وعقلياً وبدنياً وفي نفس الدراسة أورد محاذير من التخلي عن التدريس باللغة الرسمية واعتماد لغة التدريس باللغة الإنجليزية فاللغة ليست مفردات بل وعاء لحضارة بأكملها والعبث في الوعاء يؤدي إلى ضياع ما يحويه. أما الخطر الأكبر الذي أوردته الدراسة فهو المتمثل في دور المدرسين الأجانب وتمكينهم من عقول الناشئة بما يحملون من أفكار وثقافات وانحرافات يدسونها في أذهان الصغار حتى في المواد العلمية البحتة مما يعزز من هيمنة الثقافة الدخيلة على حساب الثقافة الأصيلة التي لا تملك إلا أن تضعف وتنزوي

 

ولقد قمت بدوري بزيارة بعض المدارس المستقلة ممن ينتسب لنظامها ثلاثة من الشباب "الكتري" وما وجدته من المشاهدة وما علمته ممن كانت لهم علاقة بالمدارس المستقلة شيء يختلف عن الواقع:

 

·        فهناك المحسوبية في تعيين المدرسين والإداريين

·        الرواتب تحسب بعدة أشكال ففي السجلات غير والحقيقية أقل

·        قبول الطلبة يتم بالواسطة فبعض الطلبة من أصحاب الحي السكني يحرمون من الدخول في حين أن طلبة من مناطق بعيدة تفرش لهم الأرض بالورود والرياحين

·        الطلبة ينجحون بدون أن يستحقوا النجاح (40 % من الدرجات بيد صاحب الترخيص يمنحها كيف شاء)

·        لا توجد لبعض المقررات كتب بل ملازم تقوم المدرسة أو المكاتب الخاصة بتصويرها

·        الإدارة في بعض المدارس أكثر من جامدة ومركزية وهي مركزة في يد صاحب الترخيص أو أحد جماعته

·        عدد من أصحاب التراخيص لم يمارسوا التعليم أو الإدارة التعليمية

 

وهذا فقط قليل من كثير ولو قمنا بكتابة كل ما هو حاصل لجف القلم خجلاً وربما يكون منطلق تجربة المدارس المستقلة صحيح ومرسوم لها أهداف نبيلة وإن قيام دولة قطر بخوض مثل هذه التجربة لهو مؤشر لاهتمامها بقضية التعليم ومستقبل الأجيال وببرامج التنمية المستدامة ونحن بدورنا لا نشكك في النوايا السليمة التي قادت لتقديم مثل هذا النوع من التعليم في قطر ولكن هناك العديد من يستغل توجه دولة قطر الحميد في برامج النمو والتنمية لمصالحهم الخاصة ونراهم يهللون ويمدحون حتى ولو لم يقتنعوا فيه وعلى قول المثل العامي "ما يمدح السوق إلا من ربح فيه"

 

إن الإنسان العادي لا يحتاج إلى لغة إنجليزية ليتفاهم بها داخل بلاده ولن يتحقق الإنجاز التنموي إلا من خلال صهر المعرفة والعمل والعلم والثقافة في لغته الأم، فالإنسان أو المواطن يجب أن يتمتع بالحق الطبيعي في التعلم والعمل من خلال لغته الأم، وأن لا يفرض عليه إتقان اللغة الإنجليزية للعمل على أرض وطنه. إن الاعتقاد بأن التقدم لا يأتي إلا عن طريق إتقان اللغة الإنجليزية هو جزء من الإحساس بالهزيمة ويأتي الاعتزاز باللغة الأم كجزء أساسي من الهوية فاللغة هي الهوية والطابع الذي يتشكل ويبدع من خلاله الإنسان، وحق طبيعي وفطري للإنسان لممارسة العمل والتعليم والإبداع من خلال لغته الوطنية التي نص عليها الدستور في أول مادة منه.

 

نريد من شبابنا، بارك الله لنا فيهم، أن يتقنوا اللغة العربية متمثلين بقوله تعالى "وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ" الرعد: 37 فلا بد من إتقانها تحدثا وقراءة وكتابة واستماعا ، وليسهم كل منا على قدر استطاعته : معلما، ولى أمر ، طالب علم، في إزالة الأسباب التي قد تؤدى إلى ضعف الشباب القطري فيها وندعو الله عز وجل أن تختفي الصورة التي شاهدتها في سوق واقف إلى الأبد وأن نجد شبابنا يقولوا بكل فخر واعتزاز " أنا قطري"

 

وحتى يتحقق لنا ذلك فإنني أقول بأن فرص العمل ستظل لفئات محددة، وستفقد الغالبية من القطريين فرص العمل والترقية والإبداع بسبب عدم قدرتهم على إتقان اللغة الإنجليزية

 

والله من وراء القصد ،،