الجمعيات الخيرية وإغاثة الملهوف
الجمعيات الخيرية وإغاثة الملهوف
تم النشر بتاريخ 2/5/2010
لقد
استرعى انتباهي ما نقل في صفحات جريدة الشرق بتاريخ 20/4/2010 في صفحة 34 "إن
غياب التمويل منع الهلال الأحمر من تشغيل عيادة سيلين التي كان يستفيد
منها جميع مرتادي المنطقة من مواطنين ومقيمين" علماً بأن عيادة سيلين
في السنة الماضية، وكما ذكر المصدر، قد أسعفت 750 حالة
ما
بين بسيطة ومتوسطة، ونقلت300 حالة
خطيرة
(المبلغ المطلوب لتشغيل العيادة كان فقط
600 ألف ريال قطري لا غير) والمضحك المبكي في آن واحد أن جريدة الشرق القطرية وفي
نفس العدد ذكرت في الصفحة المقابلة (35) الخبر التالي: "جمعية ... تنفذ مشاريع بتكلفة 2.5 مليون ريال في ..." أما على صفحة (33) فقد نشرت الجريدة بأن المجلس الأعلى للصحة يواصل
حملته لمكافحة التدخين في الأماكن المغلقة ويوقع ... مخالفة قيمتها ... وفي نفس
الوقت يرفع من فرق التفتيش من حاملي الضبطية القضائية إلى ...
وفي
هذا يتبادر إلى الذهن العديد من الأسئلة من أهمها
أولاً:
ما هو دور الجمعيات الخيرية العاملة بدولة قطر؟
ثانياً:
ما هو دور المجلس الأعلى للصحة؟
أولاً:
الجمعيات الخيرية:
إن
العمل الخيري في المجتمع القطري، وكما هو معروف، يستمد قيمته من التعاليم الدينية الإسلامية،
وهي تتمثل في صور عديدة منها الزكاة والصدقة والوقف. ويتميز
العمل الخيري في قطر، بميزتين أساسيتين، الأولى: كون ثقافة العمل الخيري محل رعاية
واهتمام سمو الأمير المفدى والثانية: الدور المتنامي لسمو حرم سمو الأمير المفدى
في مجالات العمل الخيري، حيث قدمت سموها أنموذجاً جديداً في جعل المجتمع المحلي
شريكاً إستراتيجياً في العمل الخيري.
واستفادت
الجمعيات الخيرية من هاتين الميزتين من جهة ومن جهة أخرى نجد أن التقاليد
والتعاليم الدينية قد غلفت العطاء الخيري بالسرية الشديدة فكما قال تعالى "إِن
تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ
وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" البقرة: 271 فبدأت الجمعيات تمارس
تحصيل الأموال بأشكال متنوعة وآليات مستحدثة لدرجة أنها بدأت تمارس بجمع الزكوات
الذي هو في الأساس دور خاص مناط بمن يعينه ولي الأمر لهذه المهمة حيث يجمع علماء
الدين والمذاهب الإسلامية على وجوب تسليم زكاة المال إلى الدولة كونها
ولي
أمر المسلمين حسب ما نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى "خذ من أموالهم
صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" التوبة: 103.
والعجيب
أن بعض الجمعيات الخيرية العاملة في دولة قطر تتظاهر بالثراء الفاحش عندما تمد يد
المساعدة لمن يقع خارج حدود الدولة ولكنها تتظاهر بالفقر المدقع عندما يتعلق الأمر
بمساعدة من هم داخل الحدود من مواطنين ومقيمين. ولو تتبعنا عمل بعض الجمعيات
الخيرية في قطر لوجدنا أن حجم التبرعات التي تذهب إلى خارج الدولة تبلغ عشرات الملايين
من الريالات القطرية ولكن عندما ننظر إلى المساهمات الداخلية نجدها لا تمثل سوى
النزر اليسير مما يجمع من أموال المحسنين والمتصدقين القاطنين في الدولة.
إن
الأصل في الجمعيات الخيرية أنهم وكلاء في التصرف فيما يرد إليهم من أموال، والأصل
في الوكيل أن لا يتصرف إلا في حدود ما أذن له موكله، فإذا شرط الموكل شرطاً وجب
عليه الالتزام بشرطه ولم تجز له مخالفته، وإذا لم يشترط الموكل شرطاً معيناً، جاز
للوكيل التصرف بما تقتضيه المصلحة، ضمن الضوابط الشرعية. وفي هذا لنسأل أنفسنا
أليس من الضوابط الشرعية قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم "ابدأ
بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء
فلذي قرابتك، فإن فضل شيء فهكذا وهكذا، يقول: فبين يديك، وعين يمينك وعن شمالك"
أخرجه مسلم. وهذا الحديث الشريف يبين أهمية توفير ما يحتاج إليه أهل البلد وأنه
يجب الصرف على الأعمال الخيرية محلياً وما يفيض منه يتم إرساله إلى المحتاجين
المسلمين في الخارج وليس العكس
إن الجمعيات الخيرية مطالبة بمراجعة العمل الخيري الداخلي والمشاريع
المنجزة خلال السنوات الماضية وإخضاعها للفحص والتقييم، وهل كانت على قدر احتياجات
الفقراء أم لا، إن أي دعوة لمراجعة العمل الخيري الداخلي هي تهدف للتطوير وليس
الانتقاص من الجهود التي تقدمها الجمعيات الخيرية والتي هي محل تقدير كبير من كافة
فئات المجتمع. (ولنا وقفة في مقال قادم عن هموم تغيير وتنمية المجتمع ودور
الجمعيات الخيرية)
ثانياً: دور المجلس الأعلى للصحة
المادة
(23) من الدستور القطري تنص على أن "الدولة تعني بالصحة العامة، وتوفر
وسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة وفقاً للقانون". وبهذه المادة
يتضح مسئولية الدولة عن كل ما يتعلق بتوفير وسائل الوقاية والعلاج. وتنص المادة
(4) من القرار الأميري رقم (13) لسنـة 2009 بإنشاء المجلس الأعلى للصحة على أن
" المجلس يهدف بوصفه الجهة العليا المختصة بشؤون الرعاية
الصحية في الدولة إلى توفير أقصى مستوى من الرعاية الصحية، وتقديم الخدمات الصحية
الوقائية والعلاجية على مستوى يحظى بسمعة دولية وتقدير عالمي، وذلك في إطار
السياسة العامة للدولة، وله في سبيل تحقيق ذلك ممارسة جميع الصلاحيات والاختصاصات
اللازمة لذلك" وبمراجعة أغراض المجلس حسب القرار الأميري لم نجد ما يفيد
بأن مهمة المجلس الأولى والوحيدة هي ملاحقة الناس ومن ثم توقيع المخالفات على
المدخنين بل وجدنا أن المجلس مسئول عن إقرار خطط وبرامج خدمات الصحة العامة
للمواطنين والمقيمين وعلى وضع سياسات واستراتيجيات الرعاية الصحية والخطط والبرامج
ونظم الرقابة والمتابعة اللازمة لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للصحة وفي نفس الوقت
فإن عليه القيام باعتماد الخطط اللازمة لتوفير الكوادر الطبية والصحية والإدارية وإقرار
الموازنة السنوية والحساب الختامي لقطاع الصحة العامة بما في ذلك الإنفاق الحكومي
على مرافق الصحة العامة وموازنات الجهات التي يتم تأسيسها للقيام بأنشطة متعلقة
بقطاع الصحة وتمول من الدولة. لكن يتضح بأن تحصيل الغرامات والرسوم من
المواطنين والمقيمين أصبحت هي المهمة الأولى للعديد من الأجهزة الحكومية ومن ضمنهم
المجلس الأعلى للصحة
على
أية حال، يتضح لنا مما سبق بأن مسئولية تشغيل عيادة سيلين هي من اختصاص المجلس
الأعلى للصحة ولا أعتقد بأن عيادة سيلين هي عيادة خاصة بل هي موقع عام يقوم على
تقديم خدمات الصحة العامة للمواطنين والمقيمين وتقديم خدمات الطوارئ لأي طرف يحتاج
إليها. إننا نعلم بأن مسيعيد لديها مستشفى ولكنه وللأسف غير مؤهل ولكن حتى نقل
المصاب من سيلين إلى مسيعيد قد تؤدي إلى وفاته وذلك إذا لم يسعف بشكل صحيح وسريع.
وليكن
معلوماً لدى جميع القراء الكرام بأنني لا أحمل مسئولية تشغيل
العيادة على
الهلال الأحمر القطري الذي يسارع بصرف الملايين لإغاثة المجتمعات في العالم قاطبة
ولا يصرف 600 ألف ريال لتشغيل تلك العيادة لمنفعة المجتمع المحلي الذي لم يقصر في
مده بالمساعدات المالية والعينية والتطوعية لممارسة نشاطه
وليكن
معلوماً لدى جميع القراء الكرام أيضاً بأنني لا أحمل مسئولية تشغيل العيادة على الجمعيات الخيرية التي تصرف عشرات الملايين في الخارج
متناسية بأن
إغاثة الملهوف تعتبر صدقة لها أجرها وأن الله تكفل لمن يفرج كربة الملهوف أن يفرج
عنه كربة من كرب يوم القيامة ونذكرهم بأن هذا الملهوف هو نفسه الذي يسارع بدفع
الصدقات والزكوات لهم
إن
إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج هي من قبيل شكر الله تعالى على نعمه، وبالشكر تدوم
النعم
والله من وراء القصد ،،
Comments
Post a Comment