إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع

 

إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع

تم النشر بتاريخ 18/4/2010

نشرت جريدة الشرق بتاريخ 13/4/2010 على لسان مصدر في إدارة المرور والدوريات ما خلاصته بأن نسبة المخالفات المرورية قد زادت بنسبة 30 % والتي أتت بسبب تكثيف دوريات التفتيش لرجال المرور في الأسواق وأمام الوزارات، لمخالفة أي سائق يرتكب مخالفة مرورية، ونوه المصدر إلى أن أكثرية المخالفات هي تجاوز السرعة المحددة، والوقوف في الأماكن غير المسموح بها.

 

وحاولت الحصول على أحدث الأرقام من جهاز الإحصاء القطري ولكن وللأسف وجدت أن أحدث الأرقام تعود لسنة 2005 حيث بلغت المخالفات المرورية 116ر133 مخالفة في حين أنها كانت تبلغ فقط 494ر49 مخالفة في عام 2001 أي بزيادة تبلغ أكثر من مرتين ونصف المرة وأعتقد جازماً بأن أعداد المخالفات المرورية ستكون خيالية لو توفرت أرقام المخالفات لسنة 2009.

 

وعلى الجانب الآخر فإننا نجد بأن مجموع المخالفات في إمارتي دبي وأبوظبي والتي يزيد فيهما عدد السكان وعدد السيارات عن قطر قد وصلت في الربع الأول من عام 2010 إلى حوالي 68 ألف مخالفة مرورية

 

إنني لا أنكر المجهود الكبير الذي يبذله كل من أخي سعادة الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني وزير الدولة للشئون الداخلية وأخي العميد محمد بن سعد الخرجي مدير إدارة المرور لتوعية الجمهور، وحثهم على المشاركة في نشر ثقافة السلامة المرورية، للحفاظ على أرواح الجميع وأشدد على أيديهم في توقيع أقصى أنواع المخالفات على كل من يستهتر بآداب المرور، ولكن الذي استوقفني من الخبر هو المخالفات التي تفرض على الوقوف في الأماكن غير المسموح بها.

 

فقبل أيام ذهبت مع عائلتي إلى مطعم شهير في سوق واقف وبعد أخذ تذكرة الدخول إلى الموقف قمت أبحث عن فراغ لأركن فيه السيارة ولكن بعد مرور فترة من الزمن طويلة باءت جميع الجهود بالفشل الذريع قررت أن أنزل الأهل ويذهبوا للمطعم ويبدؤوا بطلبات ما لذ وطاب على أمل بأنه خلال فترة تجهيز الطلبات أكون قد حصلت على موقف للسيارة لدرجة أنني حاولت مع من يشرف على الموقف أبو 100 ريال، مع عدم إقناعي بذلك، ولم أوفق بالحصول على موقف. وبعد مرور دفعة أخرى من الوقت المهدور وصلني اتصال هاتفي من الأهل بأنهم قد انتهوا من العشاء ويطلبون حضوري لدفع الفاتورة.

 

وخلال فترة البحث المضني شاهدت العجب العجاب من شرطة المرور فوجدتهم يتسابقون، وكأنهم في سباق عالمي لموسوعة جينيس للأرقام القياسية، بوضع الملصقات على زجاج السيارات التي عجز أصحابها في الحصول على الموقف المناسب وركنوها عند الأرصفة بشكل لا يعيق الحركة المرورية ولكنها أماكن لا يسمح بالوقوف بها.

 

ولنأخذ على سبيل المثال إدارة العمل، ولاسيما وأن خدمات العملاء بهذه الإدارة تغلق أبوابها أمام الجمهور في تمام الساعة 11:30 صباحاً. إن المواقف التي تم تخطيطها تصل في حدها الاستيعابي إلى 20 سيارة فقط في حين أن المترددين على هذه الإدارة يبلغوا الآلاف من المواطنين والمقيمين. حتى جني مصباح علاء الدين لا يستطيع أن يوفر مواقف لهؤلاء الآلاف في مساحة 20 موقف. ومثال آخر مستشفى حمد العام والذي يعتبر المستشفى الحكومي والوحيد لسكان مدينة الدوحة البالغ عددهم أكثر من مليون نسمة أما المولات والمجمعات التجارية فحدث ولا حرج يأتي السائق ويقوم بإنزال النساء ومن ثم يذهب بعيداً إلى منطقة خارج المول لأن المواقف لا تستطيع استيعاب الكم الهائل من السيارات وعندما تتصل النساء بالسائق لأخذهن من بوابة المول فالشاطر من يستطيع الصعود إلى السيارة لأن مجرد محاولة الوقوف هناك ستعرض السائق للمخالفة من قبل شرطة المرور، ويبدو أن الحل الوحيد للنساء هو تعلم فنون الركض والقفز ليتمكنوا من ركوب سياراتهم بدون الحصول على مخالفة أما العجائز وكبار السن والسيدات الحوامل أو حتى من يحمل بعض الأغراض التي تعيق حركته فعليهم التحلي بالصبر الطويل

 

وحتى نعرف من الذي يقع عليه اللوم فإنه من المهم معرفة بعض الحقائق الإحصائية التي نشرتها جهات حكومية رسمية. فلقد أوردت إحصائيات قطر بأن عدد السكان في عام 2004 كان يبلغ 744 ألف نسمة في حين أن التقدير السكاني كما هو في 31/3/2010 يبلغ 045ر677ر1 نسمة أي أن عدد السكان قد أزداد بحوالي مليون نسمة إضافية في خلال أقل من ست سنوات ومن ناحية أخرى فقد صرح مدير إدارة المرور بتاريخ 11/2/2010 بأن عدد المركبات التي تم تسجيلها في العام 2009م بلغ 600ر71 مركبة جديدة، كما تم إصدار 676ر102 رخصة قيادة.

 

فلكم تخيل العدد الهائل في الزيادة السكانية والذين لا أعتقد بأنه ستغلق عليهم الأبواب لمنعهم من الحركة ولا ننسى عدد المركبات الجديدة وعدد السائقين الذين انظموا إلى قائمة من سبقوهم وللأسف لم يواكب هذه الزيادة أي زيادة في الحجم الكلي للشوارع بل نجد أن الشارع العريض الذي كان يأخذ سيارتين في نفس الاتجاه أصبح بعد صيانته لا يسع إلا سيارة واحدة في نفس الاتجاه هذا إذا لم يكن الشارع به حفريات تدوم سنوات وما يجري على الشوارع فإنه ينطبق على المواقف وكل ذلك بدعوى جماليات المدينة ولهذه الأسباب نجد أن الأزمة المرورية استفحلت خلال السنوات الأخيرة

 

وأنا لا ألوم شرطة المرور عند تنفيذ القانون والتعليمات ولا ألوم أصحاب المركبات فكل واحد منهم لديه مصالح يقضيها وهي مهمة له ولكني ألوم أربع جهات وهي:

·        مجلس التخطيط التنموي

·        وزارة البلدية والتخطيط العمراني

·        الهيئة العامة للأشغال

·        وزارة الداخلية وبصورة خاصة إدارة الدفاع المدني وإدارة المرور

 

وهذه الجهات هي التي تقوم بالمشاركة على تخطيط مدينة الدوحة الكبرى وتوقعات النمو المستقبلي فكما هو معلوم بأن دور المخططين يبدأ في رؤية المستقبل والتخطيط له، ووضع الأجوبة الجذرية للمشاكل قبل وقوعها فالحكومة بأجهزتها مطالبة بأن تعمل نحو مدينة لديها مواقف لسكانها

 

إنه من غير المناسب أن يطبق قانون المرور بكل مواده في ظل عدم وجود مواقف، وإغلاق الشوارع، والتحويلات الفرعية والجانبية، ولعدم اكتمال البنية التحتية ككل. ما ذنب الموظف أو المراجع أن يتحمل غرامة ليس مسئولاً عنها، إنني وكما سبق القول أؤيد فرض الغرامات والحزم في المخالفات المرورية والمجتمع كذلك يؤيد أيّ قانون يخدم المصلحة العامة، ولكن هناك فرق بين الحزم في تطبيق قانون المرور وبين فرض مخالفات هي نتاج من تقصير بعض الجهات الحكومية فيها. فالمادة (199) من القانون المدني تنص على أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض. والخطأ الذي نعرفه هو الانحراف عن السلوك المألوف فوزارة البلدية والتخطيط العمراني تمنع تراخيص البناء عن كل صاحب عمارة لا يوفر عدد من المواقف تتناسب مع البناء المطلوب في حين أن أجهزة تخطيطها لا تقوم بتوفير المواقف المناسبة بالعدد المناسب لكل المواقع العامة مثل الوزارات والمستشفيات والحدائق ..الخ، مما نتج عنه ضرراً للسائق بإنزال المخالفة عليه وبحسب القانون المدني ومواده فإن على وزارة البلدية والتخطيط العمراني تعويض السائق عما أصابه من ضرر مادي وأدبي.

 

يا جماعة الخير .. الناس في قطر تسعى لكسب أرزاقها لتغذي أسرها لا أن يكون كسبها لتسديد المخالفات المرورية فالرجاء على الأقل تعطيل بعض مواد قانون المرور التي تتعلق بالوقوف في الأماكن غير المسموح بها والتي لا تسبب عرقلة مرورية علماً بأن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أوقف حكماً إلهياً من النفاذ وهو كما قال تعالى "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" المائدة: 38 وذلك عندما لم توفر الدولة الإسلامية الطعام للناس في زمن الجوع والفاقة لأن الناس كانوا مجبرين على السرقة.

 

إن مشكلة المواقف تحولت إلى ظاهرة يجب الوقوف عندها والتعامل معها بحزم وجد حتى لا تتحول إلى معضلة في المستقبل القريب وحتى ذلك الوقت سيظل مسلسل البحث عن موقف دون أية نتيجة وستظل شرطة المرور بدفاتر المخالفات تلاحق السائقين ولم تكتفي الحكومة بذلك بل سلطت على المواطنين والمقيمين جهات، مع احترامي الشديد لها وللقائمين عليها، ليس لها علاقة بشرطة المرور مثل شرطة التراث ولخويا والفزعة والدرك (شرطة بلباس مدني) وغيرهم من الأجهزة الأمنية وانظم إلى هذه القائمة أفراد الحراسة (The Security) على الوزارات والمؤسسات الحكومية كأن رجال المرور ليسوا بكفاية كجهة عقابية لمخالفة السائقين

 

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع