الدستور القطري والمتقاعدون

 

الدستور القطري والمتقاعدون

تم النشر بتاريخ 30/3/2010

إن المتقاعدون في دولة قطر يحتاجون فعلاً إلى وقفة صادقة معهم، فهم، في المقام الأول والأخير، مواطنون خدموا دولة قطر، على قدر ما مكنهم الله، بكثير من الجهد، والبذل، والعطاء، في وقت كانت دولة قطر من الدول المركونة في زاوية من زوايا النسيان. وكابدوا القطريين الشقاء والمعاناة، وحتى عندما جاءتهم المجاعة في بداية القرن العشرين، لم يعرهم المجتمع الدولي أي اهتمام، ولم يبادر بمدهم بالمواد التموينية، والمساعدات، لدرجة أن الطفل القطري كان يتوفى بين أحضان والدته لأنه، وببساطة شديدة، لا يجد الحليب الذي يتغذى عليه من ثدييها. ومما زاد شقاء القطريين وقصم ظهرهم هو منافسة اللؤلؤ الصناعي الياباني لمصدر رزقهم الوحيد، مما نتج عنه، هجرة مؤقتة لعدد كبير من القطريين إلى دول أخرى في المنطقة.

 

وأتى النفط بكل خيراته، ووجد القطري فرصة عمل مناسبة. وفي بداية تلك الفترة، عمل أجدادنا وآباؤنا في جميع المهن، وعلى كل المستويات، وكان الواحد منهم لا يترفع عن العمل في أي نوع من الوظائف، طالما كانت الوظيفة تدر عليه دخلاً حلالاً، ويساهم في بناء المجتمع، وتم على هذا الأساس بناء دولة قطر الحديثة بسواعد أهل قطر المخلصين

 

ومثل ما يقول المثل " الحلو ما يكمل " فمع وصول العمالة الوافدة رأينا خليطاً عجيباً من البشر فالكثير منهم أتى للعمل بإخلاص وبضمير يهدف إلى تكوين مستقبل مشرق له ولمن يعولهم والقليل منهم من فئة المتسلقين منتهزي الفرص يرى في اجتماع أهل قطر مع بعضهم البعض خطراً جسيماً لمستقبلهم ولهذا فإنهم يسعون للعمل بأسلوب " فرق تسد " ومن الأعمال التي تبين هذا الأسلوب ما حوته قوانين التقاعد في قطر

 

إن قانون التقاعد (قانون 24 لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات) في مادته (3) تطبق أحكام هذا القانون على من انتهت خدمته قبل تاريخ العمل به، وتقاضى المكافأة. أما المادة (4) لا تسري أحكام هذا القانون على الفئتين التاليتين:

 1-المحالون إلى التقاعد قبل تاريخ العمل به 

 2-الموظفون والعاملون الخاضعين لنظم تقاعد ومعاشات خاصة

 

وبالنظر إلى قانون ( 13 ) لسنة 2006 بشأن تقاعد ومعاشات العسكريين وبخاصة مادته (2) نجد أن أحكام هذا القانون تسري على العسكريين القطريين العاملين بوزارتي الدفاع والداخلية، وجهازي أمن الدولة والاستخبارات العسكرية، وقوة الأمن الداخلي، أو أي جهاز أو قوة عسكرية أو أمنية أخرى.

 

وحتى الآن فإنه ليس لدينا اعتراض للتفريق بين المدني والعسكري ولكن وللأسف نجد أن قوانين التقاعد في قطر فرقت بين المدني والعسكري في نواحي عديدة ففي المادة (15) من كلا القانونين فهي تنص فيما يتعلق بالمدنيين على أنه إذا عين أو أعيـد صاحب المعاش للعمل في إحدى الجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون، أوقف صرف المعاش مدة عمله. أما فيما يتعلق بالعسكريين فتنص المادة على أنه إذا عين صاحب المعاش الخاضع لأحكام هذا القانون، في إحدى الجهات المدنية .. يستمر في صرف معاشه العسكري والمشكلة إن القانون لم يحدد كيفية التعامل مع الموظف المدني الذي قد يلتحق بالوظيفة العسكرية أو بالقطاع الخاص وهذا في حد ذاته سيجعل تفسير هذا الأمر خاضعاً لأمزجة موظفي هيئة التقاعد

 

وتستمر نفس المادة في التفريق بين المواطنين فالمتقاعد المدني إذا عين أو أعيـد صاحب المعاش للعمل.. فإن معاشه يسوى عند انتهاء خدمته، على أساس راتبه مضافاً إليه الفرق عن المدة الإضافية التي لا تقل عن ثماني سنوات أما من ينتسب إلى الوظائف العسكرية فإنه إذا عين صاحب المعاش.. فإن معاشاً مستقلاً يسوى عن مدة خدمته الجديدة يضاف إلى المعاش الأول، ويحصل المشترك على معاش بمجموع هذين المعاشين. ففي الوقت الذي يخسر فيه الموظف المدني معاشه التقاعدي عند إعادة التعيين فإن حقوقه المالية أيضاً تضيع إذا عمل أقل من ثماني سنوات في الجهة التي أعيد تعينه فيها

 

ما سبق يعتبر مقارنة بين قوانين التقاعد في مادة واحدة فقط ولو تتبعنا قوانين التقاعد في كل موادها لوجدنا الاختلافات أعمق وتأثيرها على القطريين أبلغ ونعتقد بأنها ستزيد التفرقة بين أصحاب البلد الذين يحملون مسمى واحد وهو " قطريين".

 

فقوانين التقاعد بهذا المعنى نسفت ما ورد في المادة (19) من الدستور القطري التي تنص على أن تصون الدولة دعامات المجتمع، وتكفل الأمن والاستقرار، وتكافؤ الفرص للمواطنين. والمادة (20) تعمل الدولة على توطيد روح الوحدة الوطنية، والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة. والمادة (34) المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة. والمادة (35) الناس متساوون أمام القانون. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين. وحتى عندما طلب الدستور الدفاع عن الوطن فهو طلب من جميع المواطنين بدون أن يتم تقسيمهم إلى شرائح أو فئات أن يهبوا للدفاع عن الوطن وذلك بنص المادة (53) الدفاع عن الوطن واجب على كل مواطن. إذاً الدستور لم يفرق بين المواطنين في أي جانب من الجوانب وذلك ابتغاء تحقيق الأمن والأمان والسلم وتوحيد الصفوف في الجبهة الداخلية للبلاد

 

فعليه فإنه ليس من العدل أو الإنصاف التمييز بين المتقاعدين المواطنين في استحقاقاتهم إن هذا التقسيم يعني الالتفاف على الدستور وتفريغه من محتواه وأن ذلك يعني إن غبنا كبيرا سيصيب فئة من الفئات. إن العدالة من جهة وتعليمات الدستور من جهة أخرى هي أن يكون هناك نظام واحد للمتقاعدين، لا عدة أنظمة.

 

إن تقسيم المتقاعدين القطريين بهذا الأسلوب عمل غير دستوري وأن ما يخالف الدستور من قوانين ومراسيم وقرارات يعتبر في حكم الباطل وللأسف فإن هذه القوانين قد مررت من نفس القنوات ولكن الفرق بينها كما كتب فيصل المرزوقي في جريدة الوطن "أما العساكر، فقد تصدى لحقوقهم أناس منهم وفيهم، تمعنوا في القوانين ومحصوا أين تكمن الحقوق والامتيازات، عملوا بجد لخدمة من يمثلونهم، طالبوا وحاربوا وناضلوا في سبيل حفظ ما يوفر للعساكر من حياة معيشية كريمة بعد إحالتهم للتقاعد، ولا نملك إلا أن نقول هنيئاً لكم أيها العساكر بمن مثلكم وحرص على مصالحكم وعمل على تحقيقها"

 

والله من وراء القصد

 

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع