أين العدالة يا حكومتنا الرشيدة ؟

 

د.محمد بن علي الكبيسي

أين العدالة يا حكومتنا الرشيدة ؟

تم النشر بتاريخ 15/3/2010

 

"التوزيع العادل بين دور القطاع الحكومي والقطاع الخاص في صياغة السياسات والخطط الاقتصادية وتقويمها ومتابعة تنفيذها وتوفير الشفافية التامة في كل ما يتعلق بأنشطتهما بل وإعطاء دوراً أكبر للقطاع الخاص في المساهمة ببرامج التنمية". هذه الجملة تعتبر رغبة من رغبات سمو الأمير المفدى والتي بدأت منذ تسلم سموه مهام ولاية العهد واستمرت حتى يومنا الحاضر وتم التأكيد على هذه الرغبة في الدستور الدائم لدولة قطر وذلك كما ورد في نص المادة 28 وهي:

 

"تكفل الدولة حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية والتعاون المتوازن بين النشاط العام والخاص لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الإنتاج وتحقيق الرخاء للمواطنين ورفع مستوى معيشتهم وتوفير فرص العمل لهم وفقاً لأحكام القانون"

 

إن مسعى سمو الأمير المفدى عندما تبنى الاهتمام بالقطاع الخاص هو بغرض تحقيق أهداف أساسية تخدم مستقبل قطر والقطريين ومن أهم هذه الأهداف:

·       تحقيق الأمن القومي عن طريق تنويع وزيادة الدخل القومي لدولة قطر

·       توطين رؤوس الأموال المحلية وتقوية القطاع الاقتصادي مما ينتج عنه توسيع نطاق استغلال رأس مال القطاع الخاص في مجال تمويل المزيد من المشاريع في كافة قطاعات الدولة

·       نقل التقنيات واستيعابها لتصنيع الموارد المحلية بغرض تنمية الصادرات الصناعية

·       إدخال عنصر المنافسة إلى السوق مما يقلل تكاليف الخدمات ويرفع جودتها

 

هذه هي نظرة سمو الأمير المفدى، كما أفهمها وأدركها، لمستقبل دولة قطر ولغرض تحقيق هذه الأهداف فقد قام كل من سمو الأمير المفدى وسمو ولي العهد الأمين بعدد كبير من الإجراءات من أهمها تقوية وتطوير الأنظمة والقوانين وتطوير البنية الأساسية والمرافق الخدمية وتوفير مناخ اقتصادي واستثماري آمن ومناسب.

 

إن الانفتاح الاقتصادي والمالي الذي تسعى له دولة قطر، كما ورد في خطابات سمو الأمير المفدى، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفتح المنافسة ومنع الاحتكار مع قيام الدولة بتوفير كافة الضوابط الخاصة بعمليات المنافسة وإعطاء شركات القطاع الخاص حرية كاملة في تأسيس شركات ذات طابع تنافسي وذلك في جميع المجالات

 

ولكن من الملاحظ قيام عدة جهات رسمية وشبه رسمية بمخالفة صريحة لمواد الدستور الدائم للبلاد والسير بعكس توجهات سمو الأمير وفي هذا الأمر خطر كبير على الموارد المالية العامة للدولة وخطر أكبر على القطاع الخاص وأرزاق العباد

 

وبدلاً من أن تقوم الدولة بتعزيز العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص كقطاعين متكاملين وغير متنافسين يجمعهما هدف أساسي واحد هو تحقيق التقدم والنمو للاقتصاد الوطني فإننا نرى تراجعاً عن هذا الاتجاه  بل درجت بعض الجهات الرسمية وشبه الرسمية في الآونة الأخيرة على إنشاء شركات تؤدي خدمات مجتمعية ذات طبيعة تنافسية مع القطاع الخاص

 

إن هذا التوجه الحكومي في إنشاء الشركات قد أدى إلى إعاقة تقدم الدولة نحو تنفيذ الإستراتجيات والخطط التي تم تحديدها من قبل قيادة البلاد وللأسف سينظر إلى هذا الأمر بأن الحكومة هي التي لا تهتم بمصالح الشعب وأنها تسعى لجعل الشعب في فقر مستمر واعتماد كلي في توفير احتياجاته على القطاع الحكومي

 

إن استمرار القطاع الحكومي، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إنشاء وإدارة القطاعات الخدمية حجب وسيحجب الاستثمار فيها من قبل القطاع الخاص وأدى إلى تقليل دوره وتشتيت جهوده في أنشطة قليلة الجدوى فالقطاع الخاص يواجه مشقة حقيقية عند مواجهة سيطرة القطاع العام وتغلغله في النشاط الاقتصادي وبالأخص عندما يتعلق الأمر في التقدم للمناقصات والمزايدات التي لها علاقة بالقطاع الحكومي وفي نفس الوقت فإن وزارات الدولة تقوم بفرض قيود على منح الرخص التجارية عند القيام بإنشاء منشأة تجارية أو خدمية لها علاقة، من قريب أو بعيد، بأنشطة القطاع العام

 

إننا نعيش الآن في عالم جديد تلعب فيه المنافسة الدور الأساسي, شعارها الرئيس "البقاء للأصلح ". وأن التشريعات الدولية التي تنظم المنافسة وتمنع الاحتكار أصبحت علامة بارزة للدول المتقدمة التي تسعى إلى نشاط اقتصادي ناجح و متقدم ويعود ذلك إلى أهمية منع ومكافحة عمليات المنافسة غير المشروعة وعمليات الاحتكار ومن المعروف أن المنافسة، أياً كان شكلها، هي القانون العالمي لأنشطة التجارة والصناعة

 

إن فكرة مزاحمة الأفراد في الفرص المتاحة وفي أنشطتهم من قبل الدولة مرفوضة إسلامياً، وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز للدولة أن تحمي من الأراضي ما يضيق الفرص أمــام الأفــراد للاستفادة منهـــا، فما بالنا بإقحام الدولة نفسها في مجالات يقوم بها القطاع الخاص على وجه سليم.

 

إن الاقتصاد الإسلامي يؤمن بأهمية وجود القطاع العام والقطاع الخاص وأن الدولة القوية الفعالة هي متطلب أساس لوجود قطاع خاص قوي وفعال. والعديد من الفقهاء يرون بأن دور الدولة هو الحكم والسلطة والإشراف والتنظيم وتهيئة المناخ والرقابة والمتابعة والدعم والتقويم، ودور القطاع الخاص هو الممارسة والتنفيذ للأنشطة الاقتصادية في ظل هذه الرعاية وذاك التقويم من قبل الدولة.

 

إن مراجعتنا السريعة لدور بعض شركات القطاع العام المنافسة للقطاع الخاص تبين بوضوح بأن هذه الشركات تعتبر، من الناحية الاقتصادية، عبء كبير على الميزانية العامة للدولة فهي من ناحية:

·        تقدم خدمات سيئة نتج من بعضها حدوث ضرر على المتعاملين معها وبدون أن تلاحق قانونياً لأنها شركة حكومية

·        رفعت تكاليف تقديم الخدمات دون أن تقوم بتوفير أي خدمة مميزة عما كانت عليه في السابق عندما كان القطاع الخاص يؤديها

·        تقوم الدولة بتقديم مساعدات مالية مباشرة وغير مباشرة لضمان عدم تحقيق هذه الشركات خسارة في عملياتها التجارية والإنتاجية

·        الحصول على المناقصات والمزايدات بطريقة الترسية المباشرة وليس عن طريق المنافسة في الأسعار والجودة

 

إن توجه القطاع الحكومي التنافسي مع القطاع الخاص يحتم إعادة صياغة الخطة الإستراتيجية بقصد تفعيل مشاركة القطاع الخاص وتعزيز قدرته التنافسية وذلك لضمان استمرارية النمو الاقتصادي وبالأخص أن المرحلة القادمة تحمل معها تحديات كبيرة تتطلب من الجميع بذل جهود كبيرة خاصة في ظل التحديات التي تفرضها الأزمة المالية العالمية الحالية أو الراهنة

 

وفي الختام يجب الأخذ في الاعتبار بأن دور الدولة حماية عملية المنافسة وليس المتنافسين، وبدون هذا الدور الفعال لن تتحقق تنمية اقتصادية واجتماعية ولن نشاهد زيادة في الإنتاج ولن يتحقق رخاء للمواطنين ولن يرفع مستوى معيشتهم ولن يوفر فرص عمل لهم والأهم من ذلك لن يضمن زيادة الكفاءة الاقتصادية ولن يقود إلى نمو وتنمية حقيقية لكل قطاعات الدولة

 

والله من وراء القصد

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع