لكم الله يا أبناء المواطنة

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي

لكم الله يا أبناء المواطنة
 
تختلفُ الدولُ في مُعاملتِها لأبناءِ المُواطنات، فالبعض يعترف بهم كمواطنين ويمنحهم جنسية والدتهم، أما البعض الآخر فيجعلهم في حكم الوافدين لاكتساب ابن المواطنة جنسية والده. وقوانين دول الخليج في مجملها تنصّ على أن أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب ليسوا مُواطنين خليجيين، وتعاملهم معاملة الوافد الأجنبي، ما عدا من كان والده يتمتع بجنسية إحدى دول مجلس التعاون الخليجي. الوضع في قطر لا يختلف عن بقية دول الخليج، فلا يمكن لأبناء القطريات والآباء الأجانب التقدم بطلب للحصول على الجنسية حتى ولو استوفوا الشروط الصارمة، على عكس أبناء القطريين وزوجاتهم الأجنبيات، الذين يحصلون على الجنسية تلقائيًا. ولم نشعر بكبر حجم هذه المشكلة إلا عندما قامت السعودية والإمارات والبحرين ومصر بحصار قطر، وقامت تلك الدول بطرد المواطنين القطريين، وطالبت بعودة مواطنيها. عندها عانت المواطنات القطريات بشكل كبير، ووجدن أنّ أبناءهن وأزواجهن مطالبون بالعودة من قبل حكومات دول الحصار، في حين أُجبرت مواطنات أخريات على العودة، وأحضرن أطفالهن غير المواطنين معهنّ. إنه لا خلاف، من ناحية العرف والقانون، بأن الأبناء يتبعون جنسية الأب حتى يبلغوا سنّ الرشد وهو 18 سنة. ولكن نقول إنه لمن المنطق أيضًا أن ثلاثة أرباع هذا الابن هو للأم، وذلك على قياس قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل يسأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أُمك، قال: ثم من؟ قال: أُمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. وقال رسولنا العظيم: إذا دعاك أبواك وأنت تصلي فأجب أمك ولا تجب أباك. ولو أخذنا الأمر من وجهة نظر الديانة اليهودية، فإننا نجد أن المجتمع اليهودي لا يعترف بأي شخص أنه يهودي إلا إذا كانت أمه يهودية وليس أبوه.
 
وللحقيقة فأنا شخصيًا ضد فتح باب تجنيس الوافدين ممن يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، ويحملون جنسيات أخرى. ولكن بما أن هناك تجنيسًا لكل من يجيد لعبة رياضية، أو من يجيد اللحن والغناء، أو من يكون انتماؤه لغير دولة قطر، أو من لسانه درج على سبّ قطر والقطريين جهارًا قبل أن يكون سرًا، وللأسف نجد أن جزءًا ممن منح الجنسية القطرية لا تنطبق عليه شروط الدستور القطري، ولا يعرف اللغة العربية أو يلم بها، ولا يتبع الدين الإسلامي، لذلك فإنه من باب أولى أن يتم إعطاء الأولوية في التجنيس لأبناء القطريات، ولسكان قطر من المسلمين الذين ولدوا وترعرعوا على أرض قطر ولا يعرفون غيرها من الدول. إنني أرى، وهذا رأيي الخاص، أن يتم حصر كل أبناء المواطنات، بالإضافة إلى كل من يعرف بمصطلح سكان قطر (أعتقد أن عددهم الإجمالي لن يتجاوز 000ر5 نسمة)، ومنحهم الجنسية القطرية التي طالما حلموا بها. وهم على استعداد للتنازل عن جنسيتهم، التي اكتسبوها بالاسم وليس بالانتماء، للحصول على الجنسية القطرية. إن تجنيس هذه الفئة من البشر لن يدمر التركيبة السكانية لدولة قطر، لأن عددهم قليل، وفي نفس الوقت، فإن عاداتهم، وتقاليدهم، وديانتهم، وانتماءهم، حتى مخارج الحروف في لهجتهم، هي نفس ما يتمتع به المواطن القطري. وهناك الكثير منهم خدم البلاد بصمت، ولا يزال، وخرجت من هؤلاء البشر نماذج مشرفة، في كثير من الميادين. وفي نفس الوقت فإن الدولة، باستخدامها قوة المادة (12) من قانون الجنسية، تستطيع مواجهة وردع كل مجنس، يخلّ بآداب المجتمع القطري.
 
إنّ الدستور القطري لم يكن منحازًا للقطري الذكر دون الإناث إلا في مادة واحدة فقط وهي المادة (8) التي تنص على أن "حكم الدولة وراثي في عائلة آل ثاني، وفي ذرية حمد بن خليفة بن حمد بن عبد الله بن جاسم من الذكور"، ما عدا ذلك فهو خاطب القطريين ذكورًا وإناثًا "بالمواطنين"، فمثلًا نص الدستور في المادة (34) على أن: "المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة"، وهذا يعني أن الحقوق والواجبات المخصصة للرجل، هي نفسها الحقوق والواجبات المخصصة للأنثى. وما جرى في هذه المادة يجري كذلك في المادة (19) صيانة دعامات المجتمع وتكافؤ الفرص، والمادة (20) التضامن والإخاء بين المواطنين كافة. ولا ننسى أن المجتمع القطري ككل "يقوم على دعامات العدل، والإحسان، والحرية، والمساواة، ومكارم الأخلاق" (مادة 18). بجانب ذلك تطرق الدستور للأسرة وذكر أنها أساس المجتمع ولابد من حمايتها ومنها الحفاظ على الأمومة والطفولة والشيخوخة في ظلها (مادة 21). ولم ينسَ الدستور أهمية النشء فخصص مادة لرعايته وحمايته وتوفير الظروف المناسبة له (مادة 22). والدستور لم يغفل المجتمع الدولي، فدولة قطر "تحترم المواثيق والعهود الدولية، وتعمل على تنفيذ كافة الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية التي تكون طرفًا فيها" (المادة 6). وهذا يعني أن الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية، وبالأخص "القانون الدولي لحقوق الإنسان"، هي جزء أساسي من تشريعات قطر القابلة للتطبيق محليًا. وخلاصة ذلك أن الدستور حفظ الحقوق كاملة للرجل والمرأة ولكن بعض القوانين وبالأخص قانون رقم (38) لسنة 2005 بشأن الجنسية القطرية نجد التفريق واضحًا بين الجنسين، والمعروف أن أي قانون يخالف الدستور يعتبر باطلًا. ففي المادة (8) أعطت الحق للمرأة التي تتزوج من قطري الحصول على الجنسية بحكم الزواج، في حين أنه لم يمنح هذا الحق للمرأة، وهذا مخالف للمادة (34) من الدستور. أما المادة (2) من نفس القانون فنصت على أن "يراعى في تطبيق قواعد منح الجنسية القطرية طبقًا لهذه المادة إعطاء أولوية لمن كانت أمه قطرية"، ولكن حتى هذا النص غير مطبق، فنرى العديد من الأشخاص، من جنسيات متنوعة، يتم تجنيسهم ولم تعطَ الأولوية لأبناء القطرية. أما المادة (13) من قانون رقم (15) لسنة 2016 بإصدار قانون الموارد البشرية المدنية فهي تنص على: "يشترط فيمن يُعين في إحدى الوظائف أن يكون قطري الجنسية، فإن لم يوجد فتكون الأولوية لأبناء القطرية المتزوجة من غير قطري.." فالقانون نص على ذلك، ولكن نجد أن التطبيق يميل إلى منح الأفضلية للجنسيات غير العربية عليهم.
 
وفي الختام نقول: إن المواطنات القطريات يطلبن مساواتهن بالمواطنين الذكور لمنح الجنسية لأبنائهن، وهو مطلب مشروع وعادل، ويدعم هذا المطلبَ نصوصٌ عديدة من مواد الدستور القطري، ولكن يظل منح الجنسية القطرية لغير القطري بيد سمو الأمير المفدى (المادة (2) من قانون الجنسية). وحتى يتخذ سمو الأمير المفدى قراره في هذا الشأن، فإن على مجلس الشورى القطري، وتقديرًا لأمهم القطرية التي تزوجت رسميًا بأجنبي، أن يرفع مقترحًا لمجلس الوزراء الموقر بمنح أبناء القطرية تصريح الإقامة الدائم لهم وعلى كفالة الحكومة (حتى لا يقع الأبناء في مشكلة بعد وفاة والدتهم)، مع إعفائهم من رسوم الإقامة، ومعاملتهم معاملة القطري من حيث الدراسة والعلاج، والحق في التملك العقاري، وفِي ممارسة أنشطة تجارية باسمهم. ولا تنسوا أن جزءًا منهم هو في الأساس قطري.
 
والله من وراء القصد،،
 


Comments

  1. بيض الله وجهك ورحم الله والديك كلامك كله طيب وعين العقل وفعلا محد يحس بالنار غير واطيها ونحن نطالب بتجنيس عيالنا

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع