الحل الأمثل لبطاقة التموين

الدكتور محمد بن علي الكبيسي


الحل الأمثل لبطاقة التموين

 

في 1963 أصدرَ الشيخُ أحمد بن علي آل ثاني، حاكم قطر، القانون رقم (21) بشأن تنظيم شؤون التموين. وجاء بالقانون "أنه وحرصًا على ضمان تموين البلاد بالمواد الغذائية الكافية، وتحقيق العدالة في تحديد أسعارها وتوزيعها، فإنه من حق وزير المالية: 1. فرض قيود على استيراد، أو تصدير هذه المواد. 2. تحديد أقصى الأسعار لهذه المواد. 3. الإجراءات الكفيلة بتوفير هذه المواد في الأسواق". وبموجب هذا القانون فقد أنشأت دولة قطر ما يسمى إدارة التموين، التي قامت بإصدار بطاقة تموينية لكل أسرة من المواطنين. وشملت تلك البطاقة أربع مواد غذائية أساسية بأسعار مدعومة، وهي الزيت، والحليب المركز، والرز، والسكر، وتعتمد حصة كل أسرة على حجم أفرادها. ونلاحظ أن تلك المواد لم تتغير منذ إصدار تلك البطاقة حتى الآن. ويجب أن نشير إلى أن عدد المواطنين، في 2021، يقدرون بحوالي 000ر320 نسمة (حوالي 11 % من إجمالي عدد سكان قطر) وأن قيمة ما دفعته الدولة لدعم المواد الغذائية، في 2016، يبلغ 900 مليون ريال (أحدث رقم تمكنت من الحصول عليه)، وهذا يعني أن نصيب كل مواطن هو في حدود 800ر2 ريال في السنة. وبهذا يبلغ نصيب الأسرة (خمسة أشخاص) حوالي 000ر14 ريال في السنة أو 167ر1 ريالًا في الشهر. مع العلم أن جزءًا من المواطنين لم يتقدم للحصول على البطاقة التموينية، وبهذا فإنه من المتوقع أن يبلغ نصيب الأسر المنتفعة مبلغًا يزيد على 14 ألف ريال في السنة. وفي هذا يجب ألا ننسى أن هناك مبالغ كبيرة تتحملها الدولة تتمثل في رواتب وامتيازات الموظفين، ولا ننسى تكلفة المخازن وإدارتها، وهذه كلها تمثل مبالغ مالية، ربما تزيد على المبالغ المرصودة للدعم بشكل مباشر.

 

بعد أن عرفنا ما تتحمله الدولة من تكاليف لدعم أربع سلع غذائية، وأيضًا وكما وضحنا في مقال سابق ما تملكه الحكومة من وسائل ضغط على التجار وأصحاب العقار (انظر "الحدّ من ارتفاع الأسعار" www.dralkubaisi.com ). نأتي اليوم لمناقشة الدعم الحكومي للمواد الاستهلاكية، وكيف نوسع من محتويات البطاقة التموينية، وفي نفس الوقت لا تشكل أي عبء مالي على موازنة الدولة، وتحقق استقرارًا لسعر السلع في السوق. في البداية طرحنا سؤالًا في منصة التواصل الاجتماعي تويتر عن السلع التي يرغب المستهلك بإدراجها في البطاقة التموينية فكانت الردود كالتالي:

مواد غذائية نباتية: سكر ورز (عيش) وطحين وزيت نباتي وزيت زيتون ومعكرونة وعدس وبلاليط ومعجون طماطم وملح وجام وعسل وكورن فلكس وقهوة وشاي وهيل وبسكويت أطفال وخضراوات وفواكه (19 صنفًا)

مواد غذائية حيوانية: حليب طازج ومجفف وحليب أطفال وبيض وجبن ودجاج وأسماك ولحم طازج ومثلج ولحم مفروم (10 أصناف)

مواد نظافة: معجون أسنان وصابون لغسيل الملابس والمواعين وحفاضات أطفال وكبار السن وكلينكس وديتول وأكياس سوداء وكمامات ومعقمات (10 أصناف)

 

ولكني لاحظت أن بعض ردود المغردين شملت اقتراحًا بإلغاء البطاقة التموينية ومعها إلغاء دعم السلع الغذائية واستبداله بدعم نقدي. الصراحة هذا الأمر جعلني أفكر خارج الصندوق مع الأخذ في الاعتبار: 1. المبالغ الكبيرة التي تتحملها الدولة كل سنة. 2. وزارة التجارة تغير دورها من إشراف وتنظيم قطاع التجارة إلى دور تاجر بالسلع. 3. أن كل أسرة لها سلع تختلف عن الأسر الأخرى. 4. أن الكثير من السلع المدعومة لا تذهب إلى مستحقيها. 5. أن بعض السلع تذهب لأرفف بعض المحلات التجارية. لهذا وجدت، وهذا اجتهاد شخصي، أنه من الأفضل إلغاء الدعم عن السلع الغذائية الأربع بالكامل، واستبدالها بحل عام للجميع وحل خاص للقطريين فقط.

 

الحل العام للمواطن والمقيم: تخفيض الأسعار بمعدل 30 % من قيمة البيع الحالية على المواد التي ذكرها المغردون (39 صنفًا). ولتحقيق هذا الحل وبدون أن تقوم الحكومة بتقديم أي دعم مالي للمواد المذكورة أعلاه فإنها تباع للمستهلك (مواطن أو مقيم) بأسعار مخفضة، بنسبة خصم لا تقل عن 30 % عن سعر بيعها خارج الميرة. وحتى نصل لنسبة الخصم هذه فإنه يجب علينا معرفة الآلية التي تقوم بها الميرة في تسعير السلع الواردة إليها. عند تسجيل صنف جديد فإن الميرة، مع علمها بمخالفة تعليمات وزارة التجارة والصناعة، تفرض على التاجر مبلغ 500ر3 ريال كرسوم تسجيل سلعة جديدة، وكذلك فرض نسبة خصم إجبارية تقدر بـ 20 % على التاجر، ثم تضيف ما نسبته 5% كحد أدنى على سعر الشراء الأصلي. والتاجر بدوره يقوم برفع سعر البضاعة بحوالي 20 % ليحقق العائد المطلوب. يعني السلعة تباع بإضافة 45 % إلى 60 % على سعر التكلفة. ولهذا فإن على الدولة، مقابل كل الدعم (التي ذكرناها في المقال السابق)، تحديد نسبة الربحية لهذه السلع (التي لا تتجاوز 40 صنفًا)، بحيث لا تزيد على 10 %، هذا الأمر سيؤدي إلى أن تقوم الشركات الأخرى العاملة بالسوق، وبشكل تلقائي، بتخفيض أسعارها (الكويت والبحرين تفرضان رسومًا أقل من 20 %). إن الحاجة لهذا الأمر أصبحت ضرورة ملحة، ففي السابق لم نكن نحتاج إليها في ظل ثبات الأسعار، ولكن الآن اختلف الوضع، والقادم أكبر مع استمرارية توقع ارتفاع الأسعار وتسارعها. صحيح أن المكاسب ستكون قليلة بالنسبة للسلعة الواحدة، ولكنها كبيرة بالنسبة لحجم المبيعات، وتصبح هنا الفائدة فائدتَين: أرباحًا وأسعارًا مخفضة، والأهم أنها الوسيلة المثلى لضبط آليات السوق.

 

الحل الخاص للمواطنين: لقد قطعت دولة قطر شوطًا كبيرًا في رصد المواطنين بحيث أصبح لكل واحد منهم (حتى حديثي الولادة) رقم شخصي، وعنوان وطني. ولهذا فإنه من السهولة أن يتم استبدال البطاقة التموينية ببطاقة دعم مالية للأسرة القطرية الواحدة، وذلك على غرار البطاقات مسبقة الدفع المصممة لدفع رواتب الموظفين الوافدين، دون الحاجة إلى حساب مصرفي، ويكون صرف هذه البطاقات تحت إشراف وزارة المالية، بالتنسيق مع بنك قطر الوطني. وتدفع المبالغ النقدية بشكل مباشر شهريًا في حساب صاحب البطاقة. والمقترح أن تكون المبالغ ما بين 350 ريالًا إلى 500 ريال لكل فرد من أفراد الأسرة القطرية، تنقص وتزيد حسب حالة الإحصائيات الحيوية الواردة من وزارة الصحة العامة. ويحق لصاحب البطاقة شراء ما يريد من الأصناف المتوفرة في محلات الميرة، سواء كانت من الأصناف المخفضة، أم غيرها. بالإضافة إلى ذلك يستطيع صاحب البطاقة شراء وقود السيارات من محطات وقود فقط، مع توفير إشعار تلقائي عبر الرسائل النصية القصيرة بعد كل معاملة على البطاقة والرصيد المتبقي. ولا يحق لصاحب البطاقة سحب المبلغ نقدًا أو تحويل أي مبلغ مرصود بالبطاقة لأي حساب آخر.

 

وفي الختام نقول: إن اعتماد الدولة الحل المقترح سينتج عنه الكثير من النتائج الإيجابية، سواء كان على مستوى الدولة، أو الفرد. إن تحرك الدولة للسيطرة على التضخم، يعتبر تحركًا محمودًا وضروريًا للغاية، فقد يكون هذا التضخم مستوردًا من الخارج، وقد يكون ناتجًا عن ثغرات في القوانين المحلية، وقد يكون بسبب تجاوز بعضهم للقوانين المحلية، فلابد من إدارة حماية المستهلك أن تكثف الرقابة على سلاسل التجزئة، وأن تقوم هذه الإدارة بمراجعة آليات عمل تلك السلاسل، ومنعها من فرض الرسوم غير المبررة التي يتم فرضها على الموردين، وإلزامها بتنفيذ القوانين إن كانت قد تجاوزته، أو تقوم إدارة حماية المستهلك باقتراح تطوير بعض القوانين إن لزم الأمر لتقييد اللاعبين الرئيسيين في حياة أفراد المجتمع. وفي الختام فقد وجدت أن بعض وجهات النظر تذهب لحلول أخرى لضبط أسعار السوق المحلي منها إنشاء سلسلة محلات (تموين قطر)، أو إنشاء تعاونيات (أو ما يعرف في الغرب باسم Co-op)، ومثل هذه المقترحات تبدو جيدة، ولي معها، متى ما استوعبتها، عودة قادمة إن شاء الله.

 

والله من وراء القصد،،



Comments

  1. ماشاءالله عليك يادكتور محمد مقال ودراسة،
    أوليه محفزة

    ReplyDelete
  2. الله يرحم بطن جابك بالفعل مقال ممتاز

    ReplyDelete
    Replies
    1. ومن جابكم إن شاء الله

      Delete
    2. دكتور محمد يسلم عقلك وفكرك وقلمك
      مقال او دراسة محترمة وقد بنيت على أساس استطلاع المواطنين عبر شبكات التواصل
      لكن لاحظت أنك تتكلم على الميرة فقط فهل هذا كمثال أم لأنها شركة مساهمة قطرية

      Delete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع