لا يوجد مجال للاعتذار

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي



لا يوجد مجال للاعتذار
 
كنتُ في جلسة مع بعض الأصدقاء، "المُطعمين"، ندردش حول المغزى من إجبار الهيئة العامة للضرائب المواطنين على تقديم البيان الضريبي لشركاتهم القطرية، وتطرق الحديثُ عن أشكال الضرائب المُطبقة في بعض الدول الخليجية. وعلل أحدهم أن قطر قامت بتأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة، رغم ارتفاع نفقات موازنتها، بسبب النمو المرتفع الذي حققته أسعار النفط، وإيرادات الغاز، ولا ننسى ارتفاع عائدات الاقتصاد غير النفطي. وذكر أحدهم إننا يجب أن نستعد من الآن لتطبيق القيمة المضافة في قطر. وخرجتُ من عندهم ووصلتُ البيت وقمتُ أطالع الصحف ووجدتُ أنه عُرض على المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار عرضٌ خاصٌّ بتطبيق القيمة المحلية المُضافة في الدولة. وتبادر في ذهني كلمات صديقنا "نستعد من الآن لتطبيق ضريبة القيمة المُضافة" فقرأتُ الخبر على أن الذي عُرض على المجلس هي تلك الضريبة التي نخشى منها. فقمت على عجالة، وبتوفيق من الله، بإعداد مقال "طارت الفرحة قبل أن تحل". وما إن نشرتُ المقال، بتاريخ 11/7/2021، حتى وردتني عدة اتصالات من إخوان وأخوات، وبالأخص ممن هم يعملون في مؤسسة البترول وبنك التنمية ووزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للضرائب، وأيضًا وصلتني تغريدات في تويتر وكلها تبين أن هناك اختلافًا كبيرًا بين ضريبة القيمة المُضافة وبين القيمة المحلية المضافة. وشخصيًّا لا أختلفُ معهم جميعًا حول هذا الأمر. نعم، هناك اختلاف كبير بينهما فالأولى هو ما كتبته عنها الأسبوع الماضي، أما الثانية، والتي قُصد منها الخبر، فهي تعني باختصار أنها مجمل الإنفاق الذي يبقى داخل البلاد، ويعود نفعه على تطوير الكوادر البشرية، ويُسهم في تعزيز الإنتاجية الاقتصادية لقطر. وهذه أمور أعرفها لأنها تقع من ضمن تخصصي الجامعي. ولقد كتبتُ في 22/3/2010، (يعني منذ أكثر من عشر سنوات) مقالًا بعنوان "أشغال وتجاهل الشركات القطرية" ذكرتُ فيه "إن تجاهل مشاركة الشركات القطرية في أعمال التنمية يعتبر خطيرًا جدًا ويأتي ذلك مخالفًا للتوجه نحو تعزيز المُشاركة المحلية كأُسلوب لتوسيع قاعدة التنمية الاقتصادية لدولة قطر، وكذلك مخالفًا للجوهر الاجتماعي للتنمية الشاملة التي تركز على أن المواطن القطري هو العنصر الأساسي في التنمية". ولقد طرحتُ في المقال تساؤلًا "هل هناك مصالح خاصة تمنع زيادة حصة الشركات القطرية من المشاريع التي تنفذ على الأراضي القطرية؟ أم أن الأمر يتعلق بكفاءة وجودة الشركات الأجنبية، وضعف أداء الشركات القطرية؟ مع العلم بأن "الأجنبي" يستعين "بالقطري" في تنفيذ المشاريع". وطالبتُ في المقال اتباع النموذج الماليزي وذلك بهدف تحقيق عدة أمور منها:
1.    إعادة تدوير معظم الموارد المالية في الاقتصاد المحلي عن طريق الشركات المحلية.
2.    المشاركة في رفع درجة رفاهية المواطن وذلك عند صرف الموارد المالية محليًا.
3.    الحصول على الخبرة من العمل مع المقاول الأجنبي، أو تلك التي حصل عليها، خلال مشاركته في تنفيذ مشاريع الطفرة العمرانية.
4.    تعريف الشركات العالمية على قدرات الشركات المحلية مما يساهم في انطلاقها إلى العالمية.
 
إن تطبيق القيمة المحلية المضافة ليست عرضًا (برزينتيشن) يُعرض ولكنه منظومة متكاملة تبدأ من تطوير استراتيجية القطاع الصناعي لدولة قطر ومتابعة تطبيقها، مع تطوير السياسات المتعلقة بالقطاع الصناعي مبني على أفضل الممارسات. وفي الوقت الحاضر لا تستطيع أي جهة تطبيقها ما عدا مؤسسة قطر للبترول، فهي التي تملك التنوع الكبير في أنشطتها وخدماتها، وتملك القدرة على تعزيز توظيف المواطنين، واستيعاب أعداد أكبر في برامج التدريب المهني.
 
إنني في هذا المقال لا أعتذر عما كتبتُه بالأسبوع الماضي والذي اعتبره البعض خطأ مني في فهم ما كتب. لقد كنت مسيرًا من رب العالمين لأكتب ما كتبته "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" الأحزاب: 36. أو كقوله سبحانه وتعالى "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ" القصص: 68. ولحكمة لا يعلمها إلا الله وجدت نفسي أقرأ الخبر كما ذكرته سابقًا. فالله هو الذي اختار موضوع المقال، وهو الذي جعل الكلمات تنساب من بين أصابعي كانسياب الماء. فكلمات المقال كانت تتزاحم في ذهني، ومن ثم تجد طريقها مرتبة ومنسقة على شاشة الكمبيوتر، وفي مدة يسيرة وجدت أن المقال أصبح جاهزًا لإرساله للتصحيح اللغوي استعدادًا لنشره. وفي هذا المقام أريد أن أسطر كلمات الشكر والتقدير للجندي الذي يفضل أن يكون مجهولاً، والذي يقوم بتصحيح مقالاتي لغوياً، بدون أن يتدخل في محتوياتها.
 
وفي الختام أقول الحمد لله حمدًا كثيرًا أن رزقنا سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أميراً لنا. والحمد لله أن سموه، مع ضغط البنك الدولي ومجلس التعاون الخليجي عليه، يحاول، بكل الطرق، إرجاء تطبيق ضريبة القيمة المُضافة بقصد تجنب سلبياتها على الاقتصاد والمواطنين والاستثمارات المحلية والأجنبية. وأعيد وأؤكد أن دولة قطر لن تكون بحاجة لفرض ضريبة القيمة المُضافة في الوقت الحالي فاقتصادها حقق نموًا فوق المتوقع في العام الحالي، مدعومًا بارتفاع أسعار الطاقة، وبالإيرادات غير النفطية التي ارتفعت أيضًا. ولكن دولة قطر، كما أرى، في حاجة حقيقية لتطبيق الزكاة التي تُعد أحد أركان الإسلام الخمسة.
 
والله من وراء القصد ،،
 


Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع