الانتخاب والترشيح لمجلس الشورى

 

الدكتور محمد بن علي الكبيسي

 

 

الانتخاب والترشيح لمجلس الشورى

 

كدت أن أنهي، تقريباً، مقالة عن ظهور مشكلة البطالة في قطر، وكيف لم توفق وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية في حلها؟ بل نجدها قد ساهمت في تفاقمها، حتى وردني من خلال الواتس أب طلب من أخي الأستاذ عبدالله طاهر، يدعوني، للمشاركة، وإبداء وجهة نظري حول أحقية المتجنس بالانتخاب أو الترشيح، أو بالانتخاب والترشيح معاً، لمجلس الشورى القادم وذلك بدون عنصرية وتمييز. وفي هذا أقول بسم الله وعلى بركة الله أبدأ بعرض وجهة نظري في الموضوع.

 

في البداية أود لفت نظر القارئ أن قانون رقم (38) لسنة 2005 بشأن الجنسية القطرية هو قانون ذو صفة دستورية وذلك طبقاً لأحكام المادة (41) من الدستور القطري، والتي تنص على أن "الجنسية القطرية وأحكامها يحددها القانون. وتكون لتلك الأحكام صفة دستورية". وحدد هذا القانون، في مادته الأولى، بأن القطريين أساساً هم: 1. المتوطنين في قطر قبل عام 1930. 2. من ثبت أنه من أصول قطرية. 3. من ردت إليهم الجنسية القطرية. 4. من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري. أما المادة (2) من نفس القانون فقد أجازت، بقرار أميري، منح الجنسية القطرية لغير القطري بشروط معينة. والممنوح الجنسية القطرية بحكم هذه المادة يطلق عليه، بحكم سياق القوانين، بالمتجنس. وكلمة المتجنس سارية عليه، وعلى زوجته (إذا كانت غير قطرية)، وعلى نسله من بعده. أما حصول الشخص على جواز السفر أو البطاقة الشخصية، وكما نصت عليه المادة (22)، لا يعد دليلاً على التمتع بالجنسية القطرية. وحتى لا تحدث منازعة أو صدام بين القوانين فقد ألغت المادة (25) قانون الجنسية القطرية رقم (2) لسنة 1961، وذلك استناداً لحكم المادة (143) الدستورية التي نصت على أن تبقى صحيحة ونافذة ما قررته القوانين واللوائح الصادرة قبل العمل بهذا الدستور ما لم يجر تعديلها وفقاً لأحكامه. وعليه فإن إلغاء قانون الجنسية القديم هو حق دستوري كفلته هذه المادة والاحتجاج بأن قانون الجنسية القديم يبقى قائماً هو احتجاج باطل لأن الدستور أقوى من القانون.

 

وبعد أن أوضحنا أسس الجنسية القطرية، نأتي الآن لنتحدث عن حق الانتخاب، أو الترشيح، أو كليهما، لمجلس الشورى. لقد حددت المادة (15) من قانون الجنسية القطري أنه "لا يكون لمن ردت إليه الجنسية القطرية وفقاً لأحكام القانون حق الترشيح أو التعيين في أية هيئة تشريعية (مجلس الشورى هو هيئة تشريعية) قبل انقضاء عشر سنوات على الأقل من تاريخ رد الجنسية إليه". أما المادة (16)، من نفس القانون، فقد نصت على أنه "لا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية (المتجنس) حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية". وهذه المادة لم تمنع فقط المتجنس من حق الانتخاب، أو الترشيح لمجلس الشورى، بل هي امتدت لتمنع سمو الأمير المفدى من حق تعيين أي متجنس في عضوية مجلس الشورى (سمو الأمير من حقه تعيين 15 عضواً بالمجلس). وبما أن هذه المادة لم تربط بأي مدة من الزمن، فهي تعني إلى ما لا نهاية للمتجنس ونسله. طبعاً هذه المادة ازعجت الكثيرين من المتجنسين، وقام كل يدلو بدلوه في هذا الموضوع بمواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أنهم ناشدوا سمو الأمير، ومعالي رئيس مجلس الوزراء، بتغيير نص المادة (16) من قانون الجنسية ليكون لهم الحق في الانتخاب أو الترشيح أو كليهما. لهؤلاء أقول لهم جميعاً "عينوا خير". فبالرجوع إلى الدستور القطري، وبخاصة المادة (67)، لا نجد من اختصاصات سمو الأمير، الذي (بنص المادة (64) "هو رئيس الدولة. ذاته مصونة، واحترامه واجب")، القدرة على تغيير أي مادة بالدستور، لأن سمو الأمير هو يتولى السلطة التنفيذية وليس التشريعية، ويعاونه في ذلك مجلس الوزراء (انظر المادة (62) من الدستور). في حين أن مجلس الشورى يتولى سلطة التشريع، ويقر الموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية (انظر المادة (76) من الدستور). حتى المحكمة الدستورية لا تستطيع تغيير أي مادة بالدستور لأن اختصاصها ينبع بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وليس بدستورية مواد الدستور. ونأتي للسؤال الهام: هل مجلس الشورى الحالي يستطيع فعل أي شيء؟ بالرجوع إلى النظام الأساسي المؤقت المعدل لسنة 1972 (الدستور القطري ألغى هذا النظام ما عدا المواد المتعلقة بمجلس الشورى (المادة (150))، فنجد أن مجلس الشورى الحالي ليس مجلساً تشريعياً. فبنص المادة (40) منه أنه أنشئ ليعين برأيه الأمير ومجلس الوزراء في أداء مهامهما، ويعبر عن ذلك في شكل توصيات فقط لا غير. إذن من يملك حق تغيير تلك المواد الدستورية التي يقال عنها أنها تحرم المتجنسين من الترشح، أو الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الشورى؟

 

لقد ذكرت المادة (144) من الدستور أنه "لكل من الأمير ولثلث أعضاء مجلس الشورى حق طلب تعديل مادة أو أكثر من هذا الدستور، فإذا وافقت أغلبية أعضاء المجلس على التعديل من حيث المبدأ، ناقشه المجلس مادة مادة. ويشترط لإقرار التعديل موافقة ثلثي أعضاء المجلس. وإذا رفض اقتراح طلب التعديل من حيث المبدأ، أو من حيث الموضوع، فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض". وهذا يعني ببساطة أنه لا تملك أي جهة حالية تغيير مواد الدستور إلا بعد أن يتم انتخاب مجلس الشورى القادم، ويعرض على هذا المجلس طلب التعديل، ويجب أن يحظى هذا التعديل بموافقة الثلثين من الأعضاء. وفي هذا الأمر نجد أن سمو الأمير المفدى لا يعدل أي مادة بالدستور، بل يطلب من مجلس الشورى النظر في التعديل، وللمجلس الحق في الموافقة على الطلب أو رفضه.

 

وفي الختام نقول إن سمو الأمير المفدى لم يصادق على الدستور الدائم للبلاد إلا بعد أن أجرى استفتاءً شعبياً عليه بتاريخ 29/4/2003، وجاءت نتيجة الاستفتاء على مشروع الدستور بموافقة حوالي 97 % من إجمالي عدد المصوتين. وبما أن أمر تغيير مواد الدستور الحالي ليس بيد أي جهة تشريعية قائمة حالياً، فإني أطلب من جميع القطريين، سواء أصليين أو متجنسين، العمل سوياً على إنجاح التوجه الديموقراطي الحالي بدولة قطر، والابتعاد عن إثارة المواضيع التي لن تنفعهم، بل ربما تضر بسمعة بلادهم أمام العالم. وبعد أن يتم إنشاء المجلس التشريعي، فأي شخص، سواء قطري أصيل أو متجنس، له الحق في التقدم بطلب، أو بطلبات، التعديل المطلوبة، وللمجلس الحق في قبول تلك الطلبات أو رفضها.

 

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع