وزارة التنمية والأحلام

 

الدكتور محمد بن علي الكبيسي

 

 

وزارة التنمية والأحلام

 

قمت بتصفح إحدى الجرائد المحلية ووجدت مقابلة صحفية لوكيل الوزارة المساعد لشؤون التنمية، بوزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، يقول فيها "إن مشروع قرار تحديد نسبة القطريين إلى غير القطريين العاملين في القطاع الخاص يهدف إلى رفع نسبة القطريين إلى 60 % من العاملين في الشركات المملوكة للدولة، أو التي تساهم فيها، والجهات الأخرى الخاضعة لقانون التقاعد والمعاشات، ورفع نسبة القطريين بإدارات الموارد البشرية إلى 80 % بتلك الجهات" وأضاف في تصريحه "بالإضافة إلى معاملة أبناء القطريات معاملة القطريين في حساب نسبة التوطين، والهدف من ذلك هو تشجيع شركات القطاع الخاص لتعيين هذه الفئة" (انظر جريدة الوطن 15/7/2020). اليوم لن أتكلم عن معاملة أبناء القطريات معاملة القطريين والتي عليها العديد من الملاحظات، بل سنركز على رفع نسبة القطريين.

 

لا شك أن توطين القوة العاملة في دولة قطر هو قرار استراتيجي هام، ومطلب ملح، نظراً لما تواجهه دولة قطر من انعكاسات خطيرة لحالة البطالة المتزايدة على الصعيد الأمني، والاقتصادي، والاجتماعي. وإن المبادرة، التي تكلم عنها وكيل الوزارة المساعد بالوزارة، هي مبادرة طموحة جداً تهدف إلى حل مشكلة البطالة بين المواطنين في ظل عدد الوافدين الطاغي الذي وصل إلى أكثر من 95 % من إجمالي العمالة في قطر. ولكن، كما عودتنا الوزارة، فكل مبادراتها ارتجالية بعيدة عن الواقع، ولن تحقق النجاح المطلوب. إن قولي هذا جاء بسبب معرفتي بعدد العاملين في دولة قطر. فقد بلغت أعداد العاملين (الفنية العالية والإدارية فقط)، في 2019، بالإدارات الحكومية 178.6 ألف عامل، أما الشركات الحكومية فقد وصل العدد بها إلى 71.4 ألف عامل، أما العاملين في القطاع المختلط فقد وصلت الأعداد إلى 58 ألف عامل. ما يعني أن جميع العاملين في القطاعات المذكورة بلغ حوالي 308 ألف عامل. ولنقص البيانات الاحصائية فإن عدد القطريين من ذلك المجموع، كتقدير، لن يتجاوز بأي حال من الأحوال في أعدادها القصوى عدد 90 ألف عامل، ما يجعل العمالة الوافدة في تلك القطاعات حوالي 208 ألف عامل. وهنا نأتي للسؤال الهام الذي لن تستطيع الوزارة الإجابة عنه وهو: كيف لمن وصلت أعدادهم القصوى إلى 29.2 % من إجمالي القوة العاملة المطلوبة في قطاعات محددة يستطيعوا تغطية 60 % من إجمالي الاحتياجات في تلك القطاعات. طبعاً هذا ضرب من ضروب الخيال، ولأنهم لا يعيشوا في الواقع فقد أصبحت البطالة بين المواطنين مرتفعة جداً، ولم تستطع الوزارة المسئولة حلها. لقد قامت الحكومة فيما سبق بمحاولة إصلاح سوق العمل القطري، فقامت بزيادة رسوم الإقامة على العمالة الأجنبية، ومنع توظيف غير المواطنين في القطاع الحكومي، إلا في بعض المجالات والاختصاصات التي لا يتوافر فيها مواطنون، وإنشاء إدارة خاصة بتوظيف المواطنين، ولكن جميع تلك المحاولات لم تحقق المطلوب. ولأن الوزارة تتحرك بدون مخطط فقد قامت، بدلاً من التضييق على حركة العمالة الوافدة، بالسماح لانتقال العمالة الوافدة بحرية مطلقة بناءً على طلب العامل وليس صاحب العمل (سنخصص مقالة أخرى قادمة إن شاء الله لموضوع انتقال العمالة). إن نقص المعلومات الإحصائية يجعل محاولات التوطين هدراً لجهود التوطين. إن حل مشكلة البطالة والوصول بها إلى صفر % سهل جداً، لو -فعلاً- أرادت الوزارة إتباعه. إن على الوزارة، القيام بإعداد دراسة إحصائية بعدد المواطنين الحاليين، والتوقع المستقبلي لأعدادهم، والتخصصات المتوقع أن يكونوا حاصلين عليها، وتوزيع المتوقع على التخصصات القادمة. ومع وجود مثل هذه القاعدة الاحصائية فإنه من المهم تعريف وزارة التعليم والتعليم العالي على احتياجات الجهات المختلفة من التخصصات الفنية والإدارية المطلوبة، وربطها بمخرجات التعليم. كل ذلك سيؤدي إلى الإعداد والتخطيط الجيد لسياسات توطين الوظائف. والمطلوب لتوطين العمالة في الوظائف الحكومية هو إصدار قرار يقضي بإحلال القطريين بدلا من الوافدين. وهذه الخطة يجب أن تتم على مراحل: المرحلة الأولى: توظيف العاطلين عن العمل: ومع أن احصائيات جهاز الاحصاء تؤكد أن عدد المواطنين العاطلين عن العمل، في 2019، بلغ 228 مواطن، إلا أنني أشكك في هذا الرقم. ومن المتوقع أن أعداد المواطنين العاطلين قد وصلت، في 2019، إلى أعلى من 000ر6 مواطن، ومن المتوقع أن العدد وصل، في 2020، إلى أعلى من 000ر8 مواطن. إنه لأمر عجيب أن يصل انتظار بعض العاطلين للحصول على وظيفة إلى حوالي السنتين، ما يجعل الجو أمامهم قاتماً، ويغيب التفاؤل، ويرتفع لديهم مستوى القلق على مستقبلهم. المرحلة الثانية: خطة التوطين الخمسية: وفي هذه المرحلة يتم تجميع المعلومات حول عدد المواطنين الذين سيدخلون سوق العمل خلال الخمس سنوات القادمة بأعمارهم، وتوجهاتهم، ونوع تخصصاتهم، والعوامل الاجتماعية التي تؤثر عليهم. وهنا يتم عزل كل من يرغب بالعسكرية (الجيش والداخلية) من قوائم الباحثين عن عمل، ويتم ترحيل طلباتهم إلى تلك الجهات العسكرية. المرحلة الثالثة: خطة التوطين الدائمة: وهذه المرحلة تختلف عن المرحلة الثانية، فبدلاً من معرفة أعداد المواطنين الذين قد يدخلون سوق العمل، فإنه يتم معرفة الوظائف المطلوبة من جهات التشغيل. وقد يتم تبني خطة عشرية تعتمد على الابتعاث الداخلي والخارجي للطلبة. فمن ينهي الثانوية، وليس لديه الرغبة في مواصلة التعليم الجامعي، فيتم إعدادهم للوظائف الوسطى كفنيين وعمالة ماهرة. أما من يرغب بمواصلة التعليم الجامعي فيتم إعدادهم للوظائف العليا ويتم توجيههم بحسب الوظائف المطلوبة.

 

أما توظيف المواطنين في القطاع الخاص فيجب أن نعرف ان هذا القطاع هو من القطاعات التي لا يرغب المواطن العمل فيها ما عدا بعض القطاعات المختارة على الأقل كالنفط والغاز الطبيعي والصناعات الأساسية والبنوك وشركات التأمين، والسبب في ذلك يرجع إلى: 1. وجود هياكل واضحة للترقيات والعلاوات الدورية. 2. رواتب عالية وربما أكثر من القطاع الحكومي. 3. قدرتهم على منافسة الامتيازات للعاملين في القطاع الحكومي. 4. من السهولة رقابة مدى تطبيق نسب الالتزام بالتوطين. أما الشركات الصغيرة والمتوسطة فيجب الابتعاد عنها كلياً

 

وختاماً نقول إنه من المهم، وبالسرعة الممكنة، إيجاد عمل لكل العاطلين حتى لا تتأثر سلبياً مواقف هؤلاء الشباب المستقبلية ويميلوا، نتيجة ضغط الحاجة والحرمان، عن جادة الصواب إلى جادة الخطأ، ويقومون بجرائم تؤثر على حياتهم واستقرار المجتمع الذي يعيشون فيه. ولكن هذا الهدف يجب ألا يجعلنا نتخذ قرارات سريعة وغير مدروسة. إننا لا ننكر أن الوزارة حاولت حل مشكلة البطالة، ولكن كل حلولها لم توفق، لأنها لم تراعي مستوى الأجور، والتخصصات التي حصل عليها طالب الوظيفة، ولم تراعي في بعضها ثقافة المجتمع. يعني هل من المعقول أن يتم ترشيح خريج جامعة على وظيفة سائق أو حارس. وختام الختام فإننا نقول إنه من المعيب ألا تستطيع الوزارة إيجاد عمل لعدد 8000 مواطن وهي التي تحت يديها أكثر من 2 مليون وظيفة تشغلها عمالة وافدة .. واعجبي!!!

 

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع