حلول العلاج الطبي

 

حلول العلاج الطبي

بدأت بالكتابة عن العلاج الطبي في الخارج، ولكن استوقفتني تساؤلات الكثير من الأصدقاء والمتابعين عن الحل الأمثل لمواجهة مشاكل العلاج الطبي. وحتى نصل إلى هذا الحل فإنه لزاماً معرفة حجم المشكلة. إن حجم المشكلة، وكما ذكرت بالمقال السابق، يتمثل بعدد السكان الإجمالي والذي مقدر له أن يصل في 2022 إلى 4 ملايين نسمة، ويقابل هذا العدد الكبير من السكان قلة في عدد المستشفيات، ونقص في الكادر المهني، في وقت تعاني فيه الدولة من تدهور واضح في الموارد المالية بسبب انخفاض أسعار النفط الذي أجبر الحكومة على إعلان حالة من التقشف، والبحث عن موارد مالية إضافية لسد ذلك العجز. إن الدولة والحكومة، كما ذكرنا، لم يقصروا في دعم القطاع الصحي، ولكن المطلوب أكبر مما تستطيع الحكومة منفردة تحمله. وللتدليل على ذلك نذكر أن ما خصص للقطاع الصحي في موازنة 2016 هو 9ر20 مليار ريال، ولكن ما هو مطلوب أكبر من ذلك بكثير. ولنأخذ، على سبيل المثال، تكلفة عدد الأطباء المطلوبين لعام 2022. إن المتوفر الآن في القطاع الحكومي هو 700ر2 طبيب، والمطلوب، حسب المعدلات العالمية، هو 800ر12 طبيب بعجز يصل إلى 100ر10 طبيب. ولتوفير مثل هذا العدد فإن الاحتياجات المالية المطلوبة لا تقل عن 8ر10 مليار ريال في السنة (رواتب وسكن وتذاكر وتعليم أبناء وتكاليف غير مباشرة). ويجب ألا ننسى الاحتياجات المالية الأخرى للقوى العاملة مثل أطباء الأسنان والممرضين والصيادلة والمهن الطبية المساعدة والمهن غير الطبية التي تكلف مبالغ أكبر مما ذكر للأطباء. وإذا أضفنا إلى ذلك حجم الاستثمارات المطلوبة للرعاية الطبية، وللاستثمار في بناء المستشفيات، والعيادات التخصصية، والمراكز الصحية فهي تفوق التصور. وهذا يعني أن المطلوب من موازنات للقطاع الصحي يفوق ما رصد بعشرات المرات.
والحل الأمثل لهذه المشكلة هي قوله تعالى ".. وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .." المائدة: 2، أي أن الإسلام يحث على مبدأ التكافل والتعاون. كما امتدح النبي صلى الله عليه وسلم التعاون القائم على مشاركة الجميع في درء الخطر بقوله "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم". وكل هذا يقودنا إلى أهمية إعادة برنامج التأمين الصحي الذي يقوم أساساً على مفهوم توزيع الخطر المتوقع الذي قد يواجهه الفرد، مما يؤدي إلى تخفيف الأعباء والتكاليف المترتبة عند معالجة الحالات المرضية الطارئة أو العادية التي قد يتعرض لها المواطن أو المقيم. ومن أهم أهداف التأمين هو: 1. توفير خدمة طبية متكاملة للمواطن والمقيم بجودة عالية وكلفة مقبولة. 2. الحث على مزيد من التنويع والمنافسة في تقديم الخدمات الطبية من القطاع الخاص. 3. رفع مستوى الرضا والاطمئنان الاجتماعي لدى الفرد. ولهذه الأهمية فإن أكثر من 150 دولة في العالم تطبقه. وهناك الكثير من أشكال وثائق التأمين وأرى أنه من المهم اعتماد وثيقة التأمين الممتدة بهدف العلاج في الداخل مع إمكانية الامتداد لبلد آخر أو أكثر عن طريق موافقات خاصة. وبهذا تنتهي معاناة من يسعى للعلاج في الخارج على حسابه الخاص ويتخلص المواطن من إجراءات لجنة العلاج بالخارج التي تتفاخر بأنها ترفض 90 % من الطلبات المقدمة. وفي هذا المقام فإن على الجهات المسؤولة (وزارة الصحة، وبعض مقدمي الخدمة، وشركات التأمين، ووزارة الاقتصاد والتجارة) وضع أنظمة حازمة للإشراف والرقابة الفنية، وتحديد أجور الإجراءات والخدمات الطبية، ووضع تسعيرة للأدوية، بالإضافة إلى تطوير نظام إلكتروني مركزي بملف كل مريض لتسهل المراقبة، ومنع تكرار الإجراءات والزيارات وصرف الأدوية. إن قوة الإشراف، والرقابة، والتقييم، وتوفير الإحصاءات والمعلومات اللازمة هو الطريق الوحيد للتخطيط واتخاذ القرارات السليمة لترشيد الإنفاق على الخدمات الصحية وتحقيق مبدأ تقديم أقصى درجة من الكفاية بأقل كلفة ممكنة.
وفي الختام نقول إن العناية الطبية بالطريقة الحالية تشكل ضغطاً على موازنة الدولة، وبخاصة عندما يضاف لها سوء استعمال وإسراف في استخدام المرافق الطبية، والمعدات والأدوية التي تصرف ولا تستعمل. وإذا لم يوضع حل عاجل وحاسم، في ظل الزيادة المطردة في عدد السكان، فإن هذه الظاهرة ستؤثر بشكل سلبي ومباشر في صحة وسلامة المرضى وسرعة تلقيهم للعلاج. ومع عدم رضانا الكامل عن الخدمات الطبية بسبب النقص البشري والمادي، وما نعانيه من اكتظاظ المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية، إلا أننا نسجل شكرنا للجهات المسؤولة لمجهودهم في توفير العلاج المناسب بالإمكانيات المتواضعة المتوافرة لديهم.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع